دع القلق وابدأ الحياة.
د. محمد
إبراهيم بسيونى
اخطر شيء هو البقاء في دائرة
الراحة. لن نتقدم إلا عندما نغادر دائرة الراحة دون ان يهزمنا الخوف في الدائرة
التالية، أننا بعدها لن نعود للحلف أبدا.
الإنسان في حالة قلق دائمة،
ان اعترف بذلك أم لا، ومهما ادعى من طمأنينة، فهو قلِق. قلِق من وجوده ومصيره، بل
قلِق حتى لطعامه ومظهره ومنامه. الحياة في صورتها العارية ليست أكثر من كومة قلق
لامتناهي.
وحيث اختلفت الظروف والرغبات
والقناعات، اختلف منسوب القلق وتوجهه، فاختلفت تعابير الانسان عمّا يشعر به، تعبير
مجتمعٍ ما عن الحزن يختلف عن تعبير مجتمع آخر عن ذات الشعور، ويبقى القلق واحدًا.
يموت الإنسان وهو على قيد
الحياة إن فقد التعبير، لأنه سيكون حينها فاقدًا للشعور بقلقه، كائن غير قلِق،
يعني كائن صنميُّ الوجود، يسيرُ كالأشباح في الأساطير، بلا آثار أقدام.
ولأنه لكل بيئة ظروفها، على
المستوى الأساسي للحياة والحقوق على الأقل، يكونُ محتوى القلق مُختلفًا من بقعة
لأخرى. قلقُ الفردِ الذي يعيش في منطقة شحيحة الماء يختلف عن قلقِ الذي يعيشُ
قمعًا فكريًا، وهذا يختلف قلقهُ عمن يعيش بامتلاك تلك البديهيات، لذلك يختلفُ
التعبير. لا يمكن للقلِق في سبيل جلب الماء أن ينشغل بتعابيرٍ لقلقٍ آخر لا يعيشه
ويجعله أولويةً له، هو قلِق للماء، ولا يمكن لمن ليس لديه قلقُ جلب الماء أن يشعر
تمامًا بتلك المأساة وكأنها قلقُه فعلاً.
الفارِق، المجتمع المُمتلك
لأساسيات الحقوق والحريات، قلقُه مختلف، ليس منشغلاً بالبديهيات والاحتياجات
الضرورية للعيش، لكنهُ قلِق أيضًا، فراح يُبدع في تعابيره، يبتكر في تعابيره،
ويُبهر العالم بإثرائه المعرفي.
تضييق التعابير يعني وجود
الرغبة لاغتيال شعور الإنسان والإجهاز على رغباته وطموحاته، خنقه ليبقى قلِقًا في
أدنى مستويات القلق، لينشغلَ في الهامش، ويموت هامشًا.
الإنسان بطبيعته السويّة
يُعبّر عمّا يُعاني ويشعر، إلّا حين يُختطف شعوره ويُبتر، تجدهُ يستهلك حتى تعابير
المجتمعات الأخرى ويستخدمها، متجاهلاً قلقهُ ومعاناته هو.
لا يمكن قفزُ القلق الواقعي،
لا يمكنُ لمجتمع بلوغ مستوى تعابير مجتمعٍ آخر دون إنهاء قلقه والتعبير عنه كاملاً
وتجاوزه، لا يمكن لمجتمعٍ قلقُه أبسط معاني الحقوق أن ينتج تعابيرًا فنية في
الخيال العلمي مثلاً، لا يمكنهُ أن يُقارع قلقاً أكبرَ منه.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات