غيض من فيض إجرام الأسرة العلوية الملعونة.
بقلم : مشير إسماعيل
كثر الحديث في السنوات الأخيرة
وعلى الأخص بمواقع التواصل الاجتماعي عن نعيم ورخاء عاشه الإنسان المصري في ظل حكم
أسرة (محمد علي) تلك الفكرة المشوهة الكاذبة التي أطلقتها إحدى الأعمال التلفزيونية
عن آخر ملوك الأسرة العلوية وأضاف لها الخيال الخصب من الأجيال الجديدة ما يعوض
شقاء الحاضر من أمور تخالف الواقع والمنطق والتاريخ عن رفاهية الشعب وثراء الدولة
ووضعها الإقليمي إبان حكم تلك الأسرة. وبالرغم من بديهية بطلان الطرح إلا أن
الكثيرين قد عولوا على صحته وباتوا يلعنون ثورة 23 يوليو 1952 وقائدها "جمال
عبد الناصر" التي حرمتهم النعيم الملكي الذي كان، فأخذوا ينكرون عليها لفظ
الثورة ويرمونها بكل ما هو خبيث وجائر.
وقد يرى الكثيرون أن لغوا كهذا
لا يفيد نقاشه أو تفنيده فمن جهة لا فائدة من نبش الماضي ومن جهة آخرى فإن التاريخ
يبقى عصيا على التزوير، إلا أن وجهة النظر تلك مردود عليها بأن للأمم ذاكرة تبقى
فيها ملامح الحقب من البديهيات فإذا ما أصابها الوهن والتشويش والمغالطات وكثر
حولها الجدل والمراء بات استرجاعها بمرور الزمن شأن من الصعاب وهو أمر جد خطير على
الأجيال التي تفقد بوصلة الحاضر بتكرار أخطاء الماضي الذي لا تعرف حقيقته.
ولما كان إجرام الأسرة العلوية
أكبر من أن تحيط به المقالات لكثرة ما أوقع بالمصريين من أوجاع وظلم حاق بهم قرن
ونصف، فقد آثرت أن اقتصر على بعض منه مما قد يكون مجهولا لجيل جديد تشوه وعي كثير
من ابنائه عن تلك الحقبة من أحداث وقعت بالقرن التاسع عشر بلغ فيها انحطاط معاملة الإنسان
المصري وتكريمه أدنى الدرجات التي يتخيلها البشر.
صب المتباكون الملكية جام
غضبهم على ثورة يوليو فكان من بين لائحة اتهاماتهم إهدار موارد وجيش مصر في حروب
لا ناقة لمصر فيها ولا جمل،وقد آن الأوان أن يبصر هؤلاء ما أهدرته الملكية العلوية
من أرواح وعتاد في إطار المجاملات لمن لا تربطهم بمصر رابط ولا شأن وإرسال
المصريين الي أقاصي الأرض ليموتوا فداء لأصدقاء الأسرة العلوية ودول الاستعمار
الكبري أو لحروب توسعيه فارغة. لقد سجل التاريخ حادثة يندى لها الجبين حين أقامت
فرنسا إمبراطورا تابعا لها على شعب المكسيك يدعى (ماكسيمليان ) خرج عليه شعبه
فاستجار بأسياده في باريس وهم بدورهم أدركوا ان حربا أهلية طاحنة تدور بين خائن
تابع وشعبه وأن تلك الحرب بمثابة آتون مشتعل سيبتلع دماء الفرنسيين ان تدخلوا فقرروا
ان يلقوا بدم رخيص في هذه المعركة يفتدي جنودهم ولايكلفهم الا طلب من حاكم تابع
آخر.
سارع الخديو سعيد إلي إرسال
الجيش المصري إلي المكسيك على سبيل المجاملة لنابليون الثالث وهو ذات الإمبراطور
الذي فرض على مصر فيما بعد ثلاثة ملايين ونصف جنيها تعويضا لشركة قناة السويس عن
تخفيض العمالة المصرية بالحفر .وقد ذكر الأستاذ هيكل في كتابه (من نيويورك الي
كابول) أن عشرة آلاف جنديا مصريا أو أضعافهم أبحروا إلي المكسيك في تلك الحرب في
عام 1863 في ظروف بالغة السوء فهلك الكثيرون منهم جراء الأمراض والأوبئة قبل ان
يصلوا إلي أمريكا اللاتينية . بعد حرب استمرت أربع سنوات استقبل الخديو إسماعيل من
تبقى من جنود مصر العائدين لبلادهم في فناء قصر عابدين بقوله :
(ورد على مسامعنا ما قمتم
به من ثبات وإقدام في الحرب، وما أبديتموه من شجاعة ومهارة، ما أوجب الالتفات
إليكم من الدولة الفرنسية، وارتحنا غاية الارتياح لما ظهر منكم فحافظتم على الشرف
الذي حصلتم عليه من الحكومة المصرية…. وأقصى آمالنا انقيادكم للأوامر التي تصدر من
الجنرال الفرنسي، وحصول سرورنا يكون بحصول سرور الجنرال وسرور الدولة الفرنسية من
أفعالكم)
هذا ما نطق به حاكم مصر الذي
جردته معشوقته فرنسا وبريطانيا فيما بعد من سلطانه وقد كان إسماعيل مدلها في حب
فرنسا وزوجة الإمبراطور (أوجيني) التي راقصها في حفل افتتاح القناة .
كان الجيش المصري لإسماعيل إرثا مستباحا يخوض به
الحروب الخاسرة والتي لا تزال تلقي بظلالها الي يومنا هذا ففي معركة (جورا) 1876
ارسل عشرين ألف جنديا مصريا الي الحبشة وقد كان تعداد المصريين وقتها ثلاثة ملايين
نسمة قتل منهم الأحباش 13500 وذبحوا 6000 من الأسرى بعد يومين من أسرهم وفر ال500
الباقين وكان من بينهم عرابي. لقد سبق هذه الحرب معركة (كوندت) البائسة عام 1875
التي قتل فيها 2700 جنديا مصريا من أصل ثلاثة آلاف وخلدها الأحباش بوسام (كوندت)
الحربي الذي يعد ارفع وسام عسكري في أثيوبيا المعاصرة .
لطخ إسماعيل تاريخ الجيش
المصري بحروب الحبشة العداونية الفاشلة التي يغض يتامى الملكية الطرف عنها فأزهق الأرواح
وأفلس البلاد و لايزال كل أثيوبي يحتفل بالنصر على مصر فى هذه المعارك الي يومنا
ويعدها ركناً في صراع الثقافات والمياه مع مصر رغم ذلك لا يخجل يتامى الملكية من
معايرة الحقبة الناصرية بحرب اليمن التي نصرت فيها مصر ثورة اليمن وهم في ذلك
يدعون ان الأمن القومي العربي لا يستدعي إرسال الجيوش فهل حققت الهزائم المتوالية
في أثيوبيا أمنا قوميا أم خلقت عداء وكراهية تاريخية بين الشعوب مازلنا نعانى من
أثارها حتى الآن.
0 تعليقات