اليعقوبى :المسجد بين الفقه الاجتماعي
والانتماء
محمود جابر
بالأمس القريب كنت أقرأ أحد كتب سماحة المرجع الدينى
محمد اليعقوبى "دام ظله" وهو كتاب " نحن والغرب" وهو من سلسلة
خطابات المرحلة وحين وصلت إلى الجزء الخاص بالمسجد فى نهاية الكتاب اتصل بى صديق
لى مسئول الوعظ بمديرية الأوقاف من أجل تكليفي بخطبة الجمعة؛ كان ذلك فى تمام
العاشرة من مساء الخميس.. فقلت حسنا، هذه الجزء من الكتاب يحتاج إلى عرض على جمهور
المساجد.
سيرة ذاتية موضوعية :
فى الفترة التى تلت تعرفتى بمدرسة آل البيت فقها
وعقيدة وسلوك ارتكبت خطأ يرتكبه العديد ممن هم على مثل حالي، فامتنعت عن أداء خطبة
الجمعة وقتا من الزمان ولكن اكتشفت أن ما يمكن تحصيله من الخطبة ولقاء الناس أهم
كثيرا من ترك المسجد وترك خطبة الجمعة فعدت أدراجي إلى الفقه الاجتماعي والذى يعنى
إن خلافى مع المجتمع المحيط ليس مررا للانعزال عنه .
لان الله تعالى يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ-;- وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
الأنفال 25.
والعجيب أنه بعد ان توصلت إلى ذلك وجدت سماحة المرجع
يؤصل فقهيا ومعرفيا لفكرة " الفقه الاجتماعي" مستكملا ما أسسه الصدر
الثاني حين قال :" إن الصحيح هو رفع الواقع إلى مستوى الشريعة، لا إنزال
الشريعة إلى مستوى الواقع".
لأنه وكما يقول سماحة " اليعقوبى": إن
التفكير الاجتماعي فى الاستنباط الفقهى وتكوين نظرية إسلامية للمجتمع سواء على
صعيده العام ... هو عين الشرع".. فالإسلام أهتم بالمجتمع باعتباره الأصل وأن
الإنسان جزء منه فكان التشريع الاجتماعي والتنبيه على صيانة المجتمع من الفرقة
والتحزب والاختلاف بلغ أهمية أكثر من الأمر بالتقوى الفردية .
ولان كثير من المشاكل التى تواجه الناس فى كل
المجتمعات الإسلامية خاصة والإنسانية عامة لا يفيد ولا ينفع معها الحل الفردى فإن
الإسلام نبه على أن يكون للمجتمع أطر حمائية وتشريعية يمكن أن نسميها وفقا لما
نحته وأكده ونظر له سماحة " اليعقوبى" بالفقه الاجتماعي، الذى يجعلنى
اذهب إلى المسجد واعظهم بما جاء فى خطابات المرحلة وعن الدور الاجتماعي للفقه
وللفقيه وللإسلام وفقا لمنهج توافقى بين معتقد أهل المسجد – السنة – وصاحب المتن
المشروح على أسماعهم وهو متن لمرجع شيعى من باب أن الإسلام واحد وان معارفه واحدة
وليس من باب أبواق الفتنة وأثير الكراهية والبغض .
ولكن لماذا اليعقوبى :
المتابع والمطلع على أعمال المرجع اليعقوبى "
دام ظله" يجد نفسه أمام مجتهد واسع الاطلاع على تاريخ المسألة الفقهية
والظروف المحيطة بالفقهاء وما عسى ان يكون قد تدخل في تصورهم لموضوع المسألة، ليس
ذلك لأنه يرى حجية أقوال غير المعصومين في المدركات العقلية بل لتعليل مناشئ
اختلاف الفقهاء أحياناً وبيان الأسباب التي قد تكون دعت إلى الإفتاء في المسألة
الفقهية على منوال واحد رغم ضعف الاستناد الى نصوص المعصومين (ع) التى ربما لعبت
الظروف السياسية دوراً فى صياغتها أو قولها من قبل الإمام ولم تُفهم على معناها
الحقيقى، والتى ربما نرى تناظر بينها وبين بعض من ظروفنا الحالية.
إن إيمان سماحة المرجع اليعقوبى بشمولية الشريعة
إجمالاً لكافة موارد ابتلاء الفرد والمجتمع وكفاية ما وصل إلينا لصياغة فقه يسد
الحاجة في عصور الغيبة بشكل (لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً) حتى لا نلجأ
إلى معالجة أمراضنا الاجتماعية وفق نظريات لا تمت للواقع الاجتماعي العربي والإسلامي
بصلة والتى لا نحصد منها إلا التيه والضياع .
ومن الخصائص المميزة لمواضيع بحثه الخارج انه يتناول
المسائل الابتلائية في المجتمع وما يكثر السؤال عنه لما في ذلك من منفعة اجتماعية
وحل لمشاكل عامة.
أما عمله البحثي فى خصوص الفقه الاجتماعي الذي طرح
أسسه العامة باعتبار الفقه الاجتماعي والنظرية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع
لم يتم التطرق إليها أحد قبله في البحوث الاستدلالية على مستوى البحث الخارج، ولم
يسبقه أحد فى هذا المضمار وهو ما يجعله بحق واحد من أهم مراجع هذه العصر .
فإن من أعظم ما قاله حول الفقه الاجتماعي : إن الفقه
الإسلامي لم ينشأ في الفراغ ولم ينشأ في الأدمغة والعقول بل نشأ في واقع الحياة،
فهو فقه الواقع لا فقه التصورات، وهو فقه الفرد والمجتمع معاً،ان التكاليف
الاجتماعية تكون على شكل نظريات ونظم وقوانين بينما التكاليف الفردية تكون على
هيئة مسائل.
فى المسجد وخطبة الجمعة :
بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
الطيبين وأصحابه الميامين، تلوت على مسامع الحضور قول الله تعالى (إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ
أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾-;- التوبة: 18.
وأوضحت لهم إن أشرَفَ البقاع على ظهر الأرض هي
المساجد؛ لأنها بيوتُ الله عز وجلَّ؛ مصداقًا لقول النبي إن المساجدَ بيوت الله،
وإنه حق على الله أن يُكرِم مَن زاره فيها" وهذه الحديث نقل عن الإمام الحسين
عن أبيه عن جده .
وأكد القرآنُ الكريم فضل المساجد بنسبتها إلى الله عز
وجل، وذلك في قول الله تعالى: ﴿-;- وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَدًا ﴾-;- الجن: 18.
ولهذا كانت العنايةُ بالمساجد - عمارة، وتشييدًا،
وبناءً، وصلاة، وذِكرًا لله عز وجل - أمارةً على الإيمان، وسبيلاً إلى الهداية؛
يقول الله تعالى: ﴿-;- إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى
أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾-;- التوبة: 18.
وحينَ هاجَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينةِ المنوَّرة، وشرَع في وضع الأُسس الراسخة لإقامة الدولة الإسلامية
العظيمة، كان بناءُ المسجد في مقدِّمة تلك الأُسس، وبهذا أصبح المسجدُ مِحورَ حياة
الدولة الإسلامية، وسرَّ قوتها؛ فهو أولُ مدرسة في الإسلام تَبني الأجيالَ، وتصنع
الأبطال؛ يقول الله تعالى: ﴿-;- لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ
تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ ﴾-;- التوبة: 108.
لكن لماذا المسجد ؟
إن أحكام الفقه الإسلامي لم تنشأ في فراغ ولم تنشأ في
الأدمغة والعقول بل نشأت في واقع الحياة، وهذا الواقع كان يحتاج إلى بوتقة تضم
المؤمنين من أتباع الحبيب المصطفى حتى يكون المسجد هو مكان التأهيل الاجتماعي
للنسق المجتمعي الجديد الذى يريده الله ويقوم على إقامته النبى بين أصحابه . هذا
الكلام بطوله منقول من أعمال المجتهد الفقيه العالم محمد اليعقوبى وهو عالم عراقى
فريد، ولسوف اتلو على مسامعكم ما جاء فى كتابه " نحن والغرب" وخاصة
حديثه حول المساجد فى فصل الكتاب الأخير .
إن المجتمع الإسلامي هو مجتمعُ النظافة والصفاء،
والطُّهر والنقاء، ولا تُكتَسَب هذه الصفات إلا من خلال التربية في المساجد، وهذه
الآية الكريمة تشير إلى الطهارة الحسية والمعنوية؛ لأن المؤمن مطالَبٌ في صلاته
بأن يكون طاهرَ الثوب، والبدن، والمكان، وأن يكونَ طاهرًا من الحدَثَيْنِ الأكبرِ
والأصغر، وحين يصلي فإن الصلاةَ تُطهِّرُه من الذنوب والآثام، بل تحفظُه من
ارتكابها؛ مصداقًا لقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿-;- اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾-;- العنكبوت: 45.
وفي بيوتِ الله يتطهَّر المسلمُ من الأثَرةِ
والأنانية، وحبِّ النَّفس، ويصبِحُ محبًّا للناس، يسعى في الخيرِ لعبادِ الله
جميعًا؛ ولهذا أثنى اللهُ - تبارك وتعالى - على روَّادِ المساجد فقال: ﴿-;- فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ
الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا
وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ ﴾-;- النور:
36 - 38.
ويشير سماحة المرجع اليعقوبى " دام ظله"
إلى مظاهر الإقبال على المساجد تخلق فى المجتمع مجموعة من الظواهر الاجتماعية
الحسنة وهى :
1- ارتفاع الهمة والحماس لدى ثلة من المؤمنين للقيام
بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هذه الفريضة التي بها تقام الفرائض وتحيى
السنن وتأمن المذاهب وتحل المكاسب ويستجاب الدعاء ويحكم الأخيار وغيرها من الآثار
المباركة.
2- تفعيل دور المساجد وأماكن تجمعات المؤمنين يساهم
في جذب الناس إليها والتفاعل مع الشعائر الدينية ولو من منطلق السلوك الجمعي.
4- التقارب الاجتماعي والتعرف على حاجات الناس
والتواصل بالخير .
ويستفيض سماحة المرجع فى أثر المسجد في دعم وانتشار
التدين والالتزام بالأخلاق وإن كان هذا الدور للمساجد مما لا يخفى على أحد ولكن
الذكرى تنفع المؤمنين.
للمساجد أهمية كبيرة في الشريعة من خلال الحث الأكيد
على إعمار المساجد مادياً - ببنائها وتشييدها- ومعنوياً - بإقامة الصلوات والشعائر
الدينية والحلقات العلمية ونحوها فيها- وفضل الصلوات فيها خصوصاً لصلاة الجماعة،
وثواب المواظبة على الحضور فيها حتى أن مجرد الوجود في المسجد عبادة يثاب عليها
وإن لم يفعل شيئاً، ومن خلال بيان بركة الآثار المترتبة على التواصل مع المساجد
وغيرها، وسأنقل لكم بعض الروايات الشريفة في ذلك:
في بناء المساجد ولو برصف أحجار لتحديد أرض المسجد، صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة.
قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار
مسجداً فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: نعم) .
فضل صلاة الجماعة والسعي إليها في المساجد، صحيحة زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله: ما
يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال:
صدقوا).
وفي خبر آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
(فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يؤمر به
إلى الجنة).
وفي فضل المشي إلى المساجد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
(من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين
السابعة). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (ما عُبد الله بشيء مثل الصمت
والمشي إلى بيته) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من مشى إلى مسجد
من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحى عنه عشر
سيئات ورفع له عشر درجات).
المتواصل مع المسجد ولو بالنية في ظل الله تبارك
وتعالى، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (سبعة في ظل عرش الله عز وجل
يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل تصدق بيمينه
فأخفاه عن شماله، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي
أخاه المؤمن فقال: إني لأحبك في الله عز وجل ورجل خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع
إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين).
سر عظمة المساجد وكرامة زائرها: عن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن العلة في تعظيم المساجد فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله
في الأرض)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في
الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ألا أن على المزور كرامة
الزائر) وعن الصادق (عليه السلام) أيضاً أنه قال: (عليكم بإتيان المساجد فإنها
بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكُتب من زواره فأكثروا
فيها من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي
عليها يوم القيامة).
الجلوس في المسجد عبادة: عن الإمام الصادق (عليه
السلام) عن آبائه (صلوات الله عليهم) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم): الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما
الحدث؟ قال: الاغتياب).
وعنه (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) قال: (من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتاً في الجنة).
فوائد التردد على المساجد: عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان يقول:
(من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً
مستطرفاً، أو آية محكمة، أو يسمع كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده
عن ردى، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً).
تحذير من لم يحضر الصلاة في المسجد من غير علة: عن علي (عليه السلام): (لا صلاة لمن لم يشهد
الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (اشترط رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جيران المسجد شهود الصلاة وقال: لينتهين أقوام
لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذناً يؤذّن ثم يقيم ثم لآمرن رجلاً من أهل بيتي وهو
علي بن أبي طالب فليحرقنّ على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة).
الجلوس في المسجد خير من الجلوس في الجنة: عن علي (عليه السلام) قال: (الجلسة في الجامع خير
لي من الجلسة في الجنة، لأن الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي).
المسجد أحب البقاع إلى الله وفضل تطويل البقاء فيها: ففي الكافي عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرائيل (عليه
السلام): يا جبرائيل أي البقاع أحب إلى الله عز وجل؟ قال: المساجد وأحب أهلها إلى
الله أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها).
إن قضية اعمار المساجد قضية بالغة، ولكن يقول سماحة المرجع " اليعقوبى"
الأهم من الإعمار المادي هو الإعمار المعنوي الذي تشكو منه المساجد في الحديث
المتقدم، وإعمارها يكون بإقامة الصلوات فيها والذكر والدعاء وبيان الأحكام الشرعية
والأخلاق الفاضلة وتهذيب النفوس ومجالس الوعظ والإرشاد وذكر فضائل أهل البيت
(عليهم السلام) ومظلوميتهم والشعائر الدينية وتجنيبها ما ينافي قدسيتها من المحرمات
واللغو واللهو وأعمال الدنيا، وفي ذلك ورد عن أبي ذر (رضوان الله عليه) عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة
تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان
ثوابه من الله الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع الأصوات فيها ولا
يُخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل
فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك).
وفي الحديث الشريف: (يأتي في آخر الزمان قوم يأتون
المساجد فيقعدون حلقاً ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة).
ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر
(رضوان الله عليه): (يا أبا ذر: كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلٍّ أو
ذكر ذاكر الله تعالى أو سائل عن علم).
إن من بركات إعمار المساجد وإحيائها دفع البلاء عن الأمة
وما أحوجنا إليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله
تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض جميعاً حتى لا يحاشي منهم أحداً إذا عملوا
بالمعاصي واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيّب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات،
والوُلدان يتعلمون القرآن رحمهم اله فأخّر ذلك عنهم).
ومن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: (يا أبا ذر: يقول الله تعالى: إن
أحب العباد إليّ المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار،
أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم).
الختامة :
إن وصية المرجع هى وصية لكل المسلمين فى مشارق الأرض
ومغاربها على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم، وعمله فى هذا الفصل من الكتاب موجه
للجميع، ومنبه على أن الإسلام كمنهج اجتماعى لابد له من بوتقة تجمع المؤمنين فى كل
موقف وفى كل مناسبة وفى حالة وهجر المسجد هو هجر للمجتمع المسلم وهو إسقاط للفقه
الاجتماعي، الذى يجعل الفرد منتمى للمجتمع لا مغتربا عنه، فجماعة المؤمنين فى
المسجد هى الحلقة الأولى فى إثبات الولاء للجماعة المؤمنة التى هى جزء من الجماعة
الوطنية فى اى بلد ومن هنا نقدم الإسلام باعتباره منهج حياة وطوق نجاة للمجتمع .
وكل مسجد لا يقوم بدور المعين للمجتمع والداعم له
والمساند لقضاياه ومصابه ونوائبه، فهو مسجد ضرار، وجب هدمه وهجره.
وكل مسجد متروك يتحمل أهل المحلة تبعات خرابه أو شغله
من الجماعات التى لا تريد للمجتمع وللناس خير .
0 تعليقات