آخر الأخبار

وثائق من أسرار العلاقات المصرية السعودية الأمريكية!







وثائق من أسرار العلاقات المصرية السعودية الأمريكية!

بقلم / مجدي منصور


لعل العلاقات المصرية السعودية منذ أن بدأت وهي علاقات ليست مستقرة، فترتفع وتيرتها أحيانًا وتنخفض أحيانًا، تتوتر أحيانًا وتنفرج أحيانًا، فالعلاقة المصرية السعودية لا تحكمها حقائق الصراع المعروفة من اختلاف أو اتفاق، وإنما تتحول العلاقة في بعض الأحيان إلى تعبيرات مشاعر فيها الحب والكره، وفيها الإقبال والصد، وفيها العطاء والحرمان، وفيها النصيحة والنميمة، بل ودخل فيها في بعض الأحيان الحب والقتل!

وقبل أن أبدأ بالدخول إلى ساحة العتبات المقدسة أحب أن أسرد بعض الملاحظات:
* أنه من الغريب أن بعضًا ممن يقرؤون مقالاتي آثر أن يتصرف بالتفرقة بين الخبر وبين ناقل الخبر، فهو لا ينكر الوقائع التي أذكرها بمقالاتي، ولكنه يكره أن يتعامل مع نتائجها ومعانيها، وبالتالي فإن الخبر نفسه ليس كفرًا، ولكن ناقل الخبر مثواه النار وبئس المصير!
* ولعل أغرب ما جاءني من تعليقات يقول :«إن كل ما قلته ونسبته من وقائع صحيح ولكن هذا ليس وقته»، وأظن أن ذلك المنطق يحتاج إلى مناقشة؛ لأن القائلين بأن هذا ليس وقته يريدون من الناس حبس مواقفهم وآرائهم التي لا تتوافق مع السيد الكبير ! أيًّا كان هذ السيد سواء وضع على رأسه عمامة بيضاء، أو سوداء، أو عقالًا أو وبرنيطة ما دام يدفع سواء بالدولار، أو باليورو، أو بالريال، أو بالدينار لا يهم المهم أن يدفع طويل العمر!
* وكان على من يقولون إن هذا ليس وقته أن يتذكروا أن هذه السياسات هي التي أدت إلى تفكيك وتدمير أوطان، وتشريد شعوب (أفغانستان في الماضي، وسوريا في الحاضر)، وأن تلك السياسات التي تنفذ حاليًا ليس هذا وقتها ولا مكانها ولا زمانها؛ لأنه حينما تتحول كل الأحداث الممكنة وغير الممكنة وسيلة لتمرير سياسات تدمر الواقع العربي، يصبح السكوت تفريطًا ورخصة لأعداء هذه الأمة في صياغة وعيها، وكتابة تاريخها، وتحديد المثل الأعلى لإلهامها، بما في ذلك تنصيب الأبطال والشهداء والقديسين والحكام أيضًا على طريقة الفنان (محمد صبحي) في مسرحيته الهمجي، حينما كان يقول: «بفلوسي يا كلاب!».


* وهناك من قال إن الناصريين هؤلاء لا يُعجبهم العجب، ألا يمثل الملك (سلمان) اليوم بطل العرب في محاربة إيران الفارسية!
وأحسبُ أن الملك السعودي لو قرأ ما يُكتب عنه في الصحافة الخليجية عمومًا، والسعودية خصوصًا اليوم وأمس لقال كما قال رئيس وزراء بريطانيا الأسطوري «ونستون تشرشل» حينما قرأ مقالًا لأحد الكتاب البريطانيين، وكان ذلك الكاتب فيما يبدو في لحظة انبهار بتشرشل؛ فأمسك تشرشل الجريدة وقرأ المقال مرة ومرة ثانية، ثم أمسك قلمه ودون على المقال ملاحظة تقول:
"جيد جدًّا إلى درجة أنه من المستحيل أن يكون حقيقيًّا!"
* وأريد أن اُذكر هؤلاء أن نفس تلك الصحافة، ونفس هؤلاء الكتبة هم من كانوا يقودون حملة للهجوم على الرجل بطريقة الغمز واللمز والتلميح باتهام الرجل بكبر السن إلى حد الخرف، بالإضافة إلى ما يصل إلى الذمة الشخصية في عهد الملك السابق «عبد الله» وكان ذلك في إطار الصراع على السلطة بين «عبد الله» الملك وقتها، وأشقائه السدرين ومنهم الملك الحالي «سلمان».


(1)
«إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول لا يعرف أحد لها نظيرًا في الدنيا، والسعودية هي بمثابة الشمس في هذه المجرة». تقرير مرفوع للرئيس روزفلت

العلاقات السعودية الأمريكية: لم تكن السعودية ضمن اهتمامات أمريكا حتى بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك لأنها لم تكن لها أي صالح في السعودية، وبالإضافة لذلك أن كل البلدان العربية تقريبًا كانت تقع ضمن مناطق النفوذ البريطاني.
إن بداية العلاقة السعودية الأمريكية تعود لعام 1928، حينما أرسل «فؤاد حمزة» أحد المقربين من الملك عبد العزيز رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكية وقتها «فرانك كيلوج» بأن تقوم الولايات المتحدة بالاعتراف بالسعودية، وتبادل التمثيل الدبلوماسي، إلا أن الخارجية الأمريكية قد رفضت الطلب! وأرسلت الرفض إلى ممثلها في مصر، وطلبت منه إبلاغه إلى حمزة، مؤكدة أنها ستنظر في الأمر في المستقبل بعين الاعتبار.(1)

وكان رفض أمريكا للإقامة علاقات مع السعودية مبنيًا على نقطتين:

الأولى: أن السعودية ليست لها علاقات تجارية مهمة مع أمريكا.


الثانية: أنه إذا اعترفت أمريكا بالسعودية فيجب أيضًا أن تعترف بحكومة الإمام في اليمن.

إلا أنه مع بدء السعودية في شراء السيارات الأمريكية، بدأت الخارجية الأمريكية تُعيد النظر في الموضوع، وخصوصًا أن ابن سعود كما جاء في تقرير أمريكي «يحاول الرد على الهجر الأمريكي له بإنقاص مشترياته من السيارات الأمريكية، والاتجاه إلى التعامل مع شركة فيات الإيطالية». وبالفعل نتيجة ذلك وقعت اتفاقية الاعتراف والتبادل الدبلوماسي بين البلدين في 7 نوفمبر 1931. (2)
وفي الثلاثينات من هذا القرن قررت أمريكا أن تعطي نفسها حق المنافسة على بترول الشرق الأوسط، وتمكن المليونير الأمريكي الشهير (وليام ميلون) من عقد صفقة مع الشيخ (أحمد الجابر الصباح) شيخ الكويت في ذلك الوقت، الذي كان غاضبًا على الشركات البريطانية؛ لأن تلك الشركات عثرت على البترول في البحرين قبل العثور عليه في الكويت، وقال الشيخ لرئيس شركة شل:
"إن ظهور البترول في البحرين قبل ظهوره في الكويت طعنة خنجر في قلبي"!


وسارعت بريطانيا لعقد اتفاق مع «ابن سعود»، وبعد الحرب العالمية الثانية خرجت الولايات المتحدة تقود معسكر المنتصرين وبترولها هو الذي أحدث الطفرة في الحرب، وكان هذا عبئًا كبيرًا على الموارد الأمريكية التي كانت متخوفة من الضغط الشديد على مخزوناتها، وقد أحست أن ضرورات الاقتصاد والأمن تحتم عليها أن تبدأ زحفًا منظمًا على موارد البترول وراء البحار .
ويروي «هارولد أيكس» وزير الداخلية الأمريكي والمسئول عن البترول في ذلك الوقت في مذكراته «أنه وكبار مستشاري الرئيس (روزفلت) كانوا يجلسون يناقشون عالم ما بعد الحرب، ويكمل كنا نضع البوصلة على أي موقع فوق مائدة الاجتماع، وحيثما وضعناها فإن إبرتها كانت تقفز تلقائيًّا إلى الشرق الأوسط».
ومضى «روزفلت – الرئيس الأمريكي» يضغط على «تشرشل– رئيس وزراء بريطانيا» من أجل نصيب أمريكي كبير في بترول الشرق الأوسط، ويرسل روزفلت لجنة رئاسية خاصة لدراسة الشرق الأوسط، وتقوم اللجنة بزيارة إيران، ودول الخليج وتعود لتقدم تقريرًا للرئيس الأمريكي يبدأ بالعبارة التالية: «إن بترول الشرق الأوسط هو أعظم كنز تركته الطبيعة للتاريخ، والتأثير الاقتصادي والسياسي لهذا الكنز سيكون فادحًا».
ويجلس جيمس بيرنز وزير الخارجية، يسأل روزفلت مباشرةً:
سيادة الرئيس ما هي الحصة التي ينبغي أن تُسيطر عليها الحكومة الأمريكية؟
ويسكت روزفلت ويفكر صامتًا، ويطيل التفكير ثم يرد على وزير خارجيته: «جيم.. لا أقل من 100%»
ويسارع «هارولد أيكس» بعدها ويكتب لروزفلت:
«إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول لا يعرف أحد لها نظيرًا في الدنيا، والسعودية هي بمثابة الشمس في هذه المجرة فهي أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط، والظروف فيها الآن مناسبة، وملكها ابن سعود يريد شيئين: مالًا يصرف منه، وضمانًا يكفل ويضمن استمرار العرش في أسرته، ويجب أن تكون الولايات المتحدة هي التي تمنحه المطلبين».
وبالفعل تحصل الولايات المتحدة على بترول السعودية بموجب اتفاق مع الملك «عبد العزيز» وقعه الملك مع مجموعة أرامكو المكونة من أربع شركات بنسبة 100% للشركات الأمريكية! (3).
وجاء ذلك بعد مقابلة الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» للملك «عبد العزيز» على ظهر الطراد الأمريكي «كوينسي» وقد استمع الرئيس الأمريكي للملك السعودي، وبدا له بعض ما سمعه غريبًا على ثقافته، فالملك السعودي يحدثه بلغة زعماء القبائل، ويقول له:
أنت أخي وكنت اشتاق دائمًا إلى رؤيتك، وأريد أن يكون تعاملي معك أنت وليس مع غيرك لأنك رجل مبادئ ونصير حقوق، ونحن العرب نتطلع إليك في طلب العدل والإنصاف من تحكم واستبداد الآخرين (يقصد الإنجليز).
وصحيح أن الملك (عبد العزيز تحدث في موضوع المظلومين من الفلسطينيين، إلا أن لهجة الملك كانت رجاء ونداء إلى الرئيس الأمريكي باعتباره «السيد القوي العادل»،
وكان الملك السعودي حريصًا على التركيز بأنه هو والرئيس الأمريكي «توأمان في الروح»! وحتى في الظروف الصحية! لأن كليهما غير قادر على المشي –فالرئيس الأمريكي يجلس على مقعد متحرك بسبب إصابته بشلل أطفال، وباني الدولة السعودية وهنت عظام ساقيه فلم تعودا قادرتين على حمل قامته الطويلة وجسده الممتلئ، وكذلك أهداه روزفلت كرسيًا متحركًا).
وقد سجل «روزفلت» في يومياته عن ذلك اللقاء:
بدا لي الرجل طرازًا بدويًا من النوع المتوحش النبيل يُكر بأزمان غابرة وتقاليد تعود إلى عصور لم يعد لها الآن مكان!» (4).
إلا أن المصالح جعلت الرئيس روزفلت يعطي الملك السعودي تعهدًا بحمايته وحماية ملكه، هذا نصه:


أود أن يُصبح مفهومًا بوضوح أن بإمكان المملكة العربية السعودية أن تعتمد على صداقة الولايات المتحدة وتعاونها في كل ما يمس سلامتها وأمنها. (5)
وهذ التعهد يعطيه كل رئيس أمريكي لكل ملك جديد في السعودية حتى يومنا هذا، وقد ظل سرًّا حتى أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي سنة 1966 كتهديد لمصر الناصرية في ذلك الوقت.
 (2)
«إلى أين تذهبان بآل سعود يا يوسف؟ إلى الأرض الحضيض إلى.. جهنم والله». الأمير عبد الرحمن آل سعود للمستشار الملك في وجود الملك سعود.
لعل أولى خطوات التعاون الفعلية بين السعودية، والولايات المتحدة كانت بهدف القضاء على الزعيم المصري «جمال عبد الناصر» لوقف حركة القومية العربية التي كانت تقودها مصر الناصرية في ذلك الوقت، وقد بدأ الخلاف بين مصر الجمهورية والسعودية الملكية بعد حرب السويس 1956، وانتهاج «جمال عبد الناصر» سياسته التحررية، وجاءت الطامة الكبرى حينما قرر الملك سعود اغتيال «عبد الناصر» في يوم الوحدة المصرية السورية، واكتشفت المؤامرة سنة 1958، وأعلنها الرئيس «عبد الناصر» من شرفة القصر في دمشق، ويسجل تقرير السفير الأمريكي وقتها في السعودية الآتي:
تقرير سري رقم 2565/ 3268 للعرض على الوزير – ويمضي التقرير قائلًا:
«إن إذاعة تفاصيل المؤامرة وأسرارها كانت بمثابة قنبلة انفجرت في الرياض، وقد هرع بعض الأمراء الشبان إلى القصر الملكي وقد عرفوا أن الملك (سعود) ليس في العاصمة، وإنما هو في قصره بالمدينة، وسأله ما إذا كان قد سمع ما أذيع للتو من دمشق؟
ورد عليه الملك بقوله: لا تنزعج وتوجه إلى المدينة.
ودخل الأمير (طلال) (والد الملياردير السعودي المعروف الوليد) إلى القصر في المدينة ليجد أن نائب أميرها (عبد الله السديري) جالس مع الملك، وكان الملك يسأله:
– هل صدق أهل المدينة ما قاله الحاسدون في دمشق؟
وحاول الأمير (طلال) أن يستطلع رأي الملك في الموضوع، ولكن الملك راح يتحدث في أمر آخر، وأحس طلال أن الملك يراوغه، فقال له منفعلًا:
بالله يا طويل العمر أن تبيض وجوه آل سعود، لو تركنا ما أذيع بغير رد لسودت الفضيحة وجوهنا، ونحن لا نمثل فردًا ولا اثنين ولكن إحنا خمسة آلاف من آل سعود، وأين نذهب بوجوهنا؟
وتصنع الملك ابتسامة ثم رد: أبشر ولا تنزعجوا.
وبعد قليل دعا الملك مستشاريه، ولم يكد مجلسهم ينعقد حتى دخل عمه الأمير (عبد الرحمن آل سعود) (كان وقتها يعتبر عميد العائلة) وأمر الملك بالقهوة والصمت سائد في المجلس، وبعد قليل قام الملك واتجه إلى مكتبه، ودعا إليه مستشاريه الشيخ (يوسف ياسين) والسيد (جمال الحسيني)، ونهض الأمير (عبد الرحمن) واقفًا يقول للشيخ يوسف ياسين والملك يسمع:


(إلى أين تذهبان بآل سعود يا يوسف؟ إلى الأرض الحضيض إلى جهنم والله) قالها وانصرف».
وتأتي تأشيرة وزير الخارجية الأمريكي «جون فوستر دالاس» على ذلك التقرير:
علينا أن نستعد لرد ناصر على سعود، لقد حرق سعود أصابعه بمحاولة الاغتيال الفاشلة! وأشك أن ناصر سيصمت.
ويُعرض التقرير على الرئيس الأمريكي «أيزنهاور»، ويسجل أيزنهاور على التقرير ما يلي:
إنني حاولت بكل جهدي أن أنسق مع الملك سعود لكن محاولتي لم تسفر إلا عن نتائج هزيلة، وحده ناصر يعرف ماذا يريد وكيف يفعل، ونحن لا نجد في صفنا إلا قطعة لحم كبيرة اسمها (سعود) أظن أنه قد حان الوقت لكي يرتاح سعود (6).
وبالفعل يقوم الأمير فيصل بعد فترة بانقلاب أبيض على أخيه الملك سعود، ويتولى فيصل المُلك، وتتوالى الأحداث، وتندلع الثورة في اليمن 1962، ويصبح المزاج السعودي ثائرًا.


(3)
«من سوء الحظ أن التمرد في اليمن أوصل السعودية من الناصرية إلى نقطة الغليان». تقرير أمريكي للرئيس كنيدي.
ويأتي فيصل إلى أمريكا للقاء الرئيس الأمريكي الجديد «جون كنيدي»، وتظهر الوثائق مذكرة أعدها «روبرت كومر» مساعد مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي، وقد قدمها لكنيدي صبيحة لقائه مع فيصل، ونص المذكرة كما يلي:
4 أكتوبر 1962– مذكرة إلى الرئيس
«إن (فيصل) هنا وهو يريد بشدة نصف ساعة في حديث خاص معك.. من سوء الحظ أن التمرد في اليمن أوصل السعودية من الناصرية إلى نقطة الغليان، إن فيصل يريد مساندتك من أجل جهد بريطاني سعودي مشترك في العمل في اليمن ضد (ناصر)، من المهم أن تؤكد (لفيصل) مرة أخرى مساندتنا للأسرة السعودية، من المهم أن تؤكد أيضًا (لفيصل) إننا لا نتعامل مع (ناصر) على أنه السيد الكبير في المنطقة، وأننا فقط نحاول احتوائه». (7)
الملك فيصل عدو الرئيس عبد الناصر اللدود

(4)
«إنكم يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل، أوقفوا عنه الطعام تمامًا وسوف ترون ما يحدث».
الملك فيصل متحدثًا عن الرئيس عبد الناصر للسفير الأمريكي.
ويمضي التنسيق السعودي الأمريكي في مساره بعد اغتيال كنيدي، وتتطور العلاقة أكثر مع الرئيس الأمريكي الجديد «ليندون جونسون» الذي كان يكن كراهية أكثر من الملك فيصل للرئيس عبد الناصر، وتظهر الوثائق شعور الملك فيصل في تلك الفترة ورأيه ورؤيته، إذ قام الملك فيصل بتحريض الرئيس الأمريكي جونسون ضد جمال عبد الناصر ومصر بالتبعية، ولعل أكثر ما يُجسم ذلك البرقية التي أرسلها السفير الأمريكي في السعودية «بيتر هارت» لوزير الخارجية الأمريكي عن محضر مقابلته مع الملك فيصل.

وثيقة رقم 36651/43 بتاريخ 19 أغسطس 1964 ونص البرقية كالتالي:
«اتصل بي البرتوكول صباح أمس لإبلاغي أنني مطلوب في الطائف الساعة 15:40 بعد الظهر، ولم يعطني البرتوكول أي إيضاحات فيما عدا أن هناك طائرة ستحملني إلى الطائف بعد الظهر .
استقبلني الملك فيصل في قصر (الشبرة) في الساعة التاسعة مساء في حضور السقاف وفرعون (مستشاري الملك)، وقال الملك إن هناك شيئًا حدث وهو يريد إخطاري به بنفسه كصديق شخصي لي، وكممثل لبلد صديق له ولأسرته، ثم قال الملك إنه خلال اليومين السابقين قامت ثلاث طائرات مصرية باختراق المجال الجوي السعودي جنوب شرق جيزان فوق مناطق قبائل الحارث وأبو عريش، وأن هذه الطائرات قامت بعدة دورات على ارتفاعات منخفضة في محاولة ظاهرة للاستفزاز، كما أن معلومات لديه (أي الملك) من داخل اليمن تؤكد أن هناك قوات مصرية تتحرك صوب الحدود السعودية، وقت حاولت أن أسأل الملك بإلحاح عن تفاصيل أكثر بشأن هذه المعلومات، ولم يكن لديه شيء لا عن حجم هذه القوات، ولا عن تسليح تلك القوات، ولا عن مواقعها، وقد قال الملك إن هذه التطورات تثير في ذاكرته ما سبق أن سمعه عن مؤامرة بين مصر والعراق والأردن! لغزو وتقسيم بلاده على النحو التالي:
(حسين يأخذ الحجاز باعتبارها مملكة هاشمية في السابق، والعراق يأخذ المقاطعة الشرقية، واليمن يأخذ الجنوب، وباقي المملكة يدخل تحت سيطرة ناصر)، ثم قال لي الملك أيضًا إن ناصر أوحى إلى صديقه هيكل (يقصد الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل) بأن ينشر خطة عن إنشاء منظمة عربية للبترول، ثم أضاف الملك:
 (إن السعودية محاصرة، وقد لا تكون السعودية دولة كبيرة أو قوية، ولكنها دولة تريد أن تحتفظ بأرضها وشرفها، وإذا كان ناصر كما هو واضح يريد أن يضع يده على المملكة متصورًا أنه (فيصل) سوف يقف ساكتًا في انتظار أن يُخنق فهو مخطئ في ذلك).
وأشار الملك إلى أنه سوف يقاوم عسكريًّا، وهو قد اتخذ عدة قرارات يريد أن يبلغني بها الآن:


1- قرر أن يدخل أسلحة إلى المنطقة المنزوعة السلاح على حدود اليمن، وأنه أعطى بالفعل أوامر بذلك.
2- أنه أعطى أوامر بالفعل لقواته بأن تحتشد على حدود اليمن لتكون في وضع يسمح لها بأن تدافع عن السعودية.
3- وهو الآن لا يعتبر نفسه مرتبطًا باتفاق فصل القوات في اليمن، وسوف يساند الملكيين بأي طريقة يراها مناسبة له.
إنني أبديت دهشتي للملك، كما أبديت له استغرابي لكل ما قاله عن خطط تعد بين مصر والعراق والأردن!
ثم أطلعني الملك على تقرير مخابرات سعودي يحوي معلومات عن أن ضباطًا من الجيش المصري رتبوا عملية لقتل ناصر يوم 26 يوليو، وأضاف الملك إن ناصر مريض جدًّا، ثم أمر الملك بإخلاء القاعة من كل الحاضرين عداه وعداي، وانتهزت الفرصة ورجوت الملك ألا يبعث بقوات إلى حدود اليمن، وأن يحتفظ بما يشاء من قوات في أوضاع تأهب في أي مكان يراه بعيدًا عن الحدود، وقلت له إننا لسنا متحمسين لتوسيع الحرب في اليمن، وهنا تدخل الملك بحدة قائلًا:


أخرجوا القوات المصرية من اليمن وسوف ينهار هذا النظام الذي يدعون بمساعدته في شهر أو اثنين على أقصى تقدير.
ثم استجمع الملك كل قوته وحيويته ليقول:
إنكم يجب أن تبذلوا أقصى جهد للخلاص من هذا الرجل الذي يفتح الطريق للتغلغل الشيوعي، إن مقترحاته بشأن نزع السلاح في جنيف جاءته مباشرة في شكل تعليمات من موسكو.
وأبديت تحفظي على كلام الملك، ولكن الملك كان ما يزال مصرًا على أن ناصر يعادينا ويخدعنا، وأننا مازلنا نحاول استرضاءه، وذكرته بأننا عطلنا توريد القمح إلى مصر، وعقب الملك فيصل:
أوقفوا عنه الطعام تمامًا وسوف ترون ما يحدث. (8)
الملك فيصل لمبعوث الرئيس الأمريكى.
ولم يكن الرئيس جونسون بحاجة إلى تحريض الملك فيصل ضد عبد الناصر؛ لأنه كان يجهز مع إسرائيل خطة (اصطياد الديك الرومي) يونيو 1967، وقبل حرب يونيو 1967 ارتأى جونسون أن يستوثق من احتمالات غضب الشارع العربي على العروش العربية في حالة إذا ما شنت إسرائيل هجومًا عسكريًّا خاطفًا ضد مصر، واستقر رأي جونسون بمشورة من وزير دفاعه (روبرت ماكنمارا) وموافقة وزير الخارجية (دين راسك) على التوجه بسؤال مباشرة إلى ملكين في المنطقة تعتبر الولايات المتحدة إن عرشهما (مسألة تهمها)!


الأول هو الملك (حسين بن طلال) في الأردن، والثاني هو الملك ( فيصل بن عبد العزيز) في السعودية، وأما بالنسبة للملك فيصل فقد توجه إلى مقابلته يوم 28 مايو 1967 (ريتشارد هيلمز) مدير وكالة المخابرات المركزية».
(5)
«
كان الخطر الأكبر علينا أمام ملكه –عليه رحمة الله– هو صديقك الرئيس (جمال)».
كمال أدهم (رئيس المخابرات السعودية) في عهد الملك فيصل للأستاذ محمد حسنين هيكل
وكان الملك فيصل يومها في زيارة رسمية للعاصمة البريطانية لندن، ولم يكن مزاج الملك عند وصوله إلى لندن في 9 مايو رائقًا أو صافيًا، فقد قابلته في المطار مظاهرات معادية له نظمتها اتحادات الطلبة العرب في الجامعات البريطانية، واضطر الأمن البريطاني إلى حشد قوات إضافية حول المطار، وهكذا فإن وصول الملك إلى مطار هيثرو بدا أشبه ما يكون بعملية عسكرية، وفي هذا المناخ وصل إلى لندن وإلى فندق دورشستر مبعوث جونسون السري «ريتشارد هيلمز» مدير وكالة المخابرات المركزية إلى الملك.


وكانت تعليمات البيت الأبيض لهيلمز أن يقيس رد فعل الملك لما يكون عليه رد فعل الشارع العربي في هذه الحالة، ثم وترتيبًا على ذلك أن يستطلع رأي الملك في أية إجراءات يلزم أن تتخذها الحكومة الأمريكية لحماية أصدقائها من غضب الشارع العربي. (9)
ولا يوجد أي تفاصيل للقاء في الوثائق لأن محضر ذلك اللقاء لم يُكشف عنه بعد، وذلك لاعتبارات الأمن القومي الأمريكي رغم مرور كل تلك السنوات؛ مما يدل على خطورة ذلك المحضر على الأمن القومي الأمريكي، إلا أن السيد «كمال أدهم» وهو مدير المخابرات السعودية في عهد الملك فيصل، وزوج شقيقة الملك «الأميرة عفت» حينما سُأل عما دار في ذلك اللقاء (فيصل– هيلمز) رفض أن يجيب مباشرة عن ذلك السؤال، إلا أنه قال لسائله:
«اسمع لست سياسيًّا مثل الآخرين أقول أي كلام والسلام، ما سألتني فيه لن أرد عليه، ولكني أريدك أن تعلم وأنا أقولها لك بمنتهى الصراحة: صديقك الرئيس (جمال) كان في مواجهة مفتوحة وعنيفة ضد المملكة، المعركة كانت سياسية ونفسية، وأخيرًا أصبحت عسكرية في (اليمن)، والملك فيصل مسئول عن مملكته، مسئول أمام أسرته، مسئول أمام إخوته وأبنائه، يسلم لهم الأمانة كاملة كما استلمها، واجبه أمن العرش والأسرة، وعليه أن يتصرف بما يحقق المصلحة وهذا هو كل شيء وليس هناك شيء آخر، كان الخطر الأكبر علينا أمام ملكه –عليه رحمة الله– هو صديقك الرئيس (جمال) وبالنسبة لنا في المملكة فإن فيصل انتصر في التهديد الذي مثله علينا الرئيس جمال، ونحن لا نتعب رؤوسنا بكثرة الأسئلة ولا بالخوض في الحكايات والتواريخ» (10).
إلا أن هناك وثيقة ظهرت أخيرًا، وهي عبارة عن رسالة أرسلها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون إلى الملك فيصل فور إعلان الرئيس عبد الناصر تنحيه في 9 يونيو 1967، إذ أرسل جونسون رسالة لفيصل جاء فيها:
لعلك الآن تكون سعيدًا! ولعلك تأكدت الآن من قدرة أمريكا على حماية حلفائها وأصدقائها. (11)
 (6)
«إن اللصوص الصغار في مصر يريدون النصب على اللصوص الكبار في السعودية». هنرى كيسنجر
يتبقى لي مشهد كاشف يدُل على رأي صانع السياسة الأمريكية في صُنّاع القرار الجُدد في السعودية وفي مصر، وأعتقد أنه ما زال رأيهم حتى الآن.
حينما تولى الرئيس «السادات» الحكم، وأثناء مفاوضات فض الاشتباك والتفاوض مع كيسنجر أرسل السادات مستشاره للشئون الخارجية السيد «أشرف مروان» إلى المملكة السعودية، والتقى مروان كافة رجال الحكم في السعودية، وكتب تقارير لكل مقابلة مع كل مسئول سعودي قابله، وكتب تقريرًا عن مقابلته لكل من كمال أدهم، والأمير تركي الفيصل، والسيد أحمد عبد الوهاب رئيس الديوان، هذا نصها:
سري جدًّا
طلب كمال أدهم (مدير المخابرات السعودية)، والأمير تركي الفيصل، والسيد أحمد عبد الوهاب إبلاغ الرئيس السادات الموضوع التالي مع رجائهم الشديد عدم التحدث مع أي مسئول سعودي، أو مصري في هذا الموضوع، وأن الذي جعلهم يتحدثون في هذا الموضوع هو حرصهم على المستوى الممتاز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين: إن بعض الشخصيات المصرية المسئولة تناولت الأمراء السعوديين، ومنهم الأمير فهد والأمير سلطان بالتجريح، وأنهما لا يفعلان أي شيء إلا إذا كان لهما مصلحة فيه والحصول على العمولات! ودللوا على ذلك بما ردده كثير من المسئولين المصريين حول عقد البترول الأخير بين المملكة ومصر، وأن هناك عمولة كبيرة أخذها الدكتور رشاد فرعون والأمير فهد، وكذلك الملاحظات التي لا لزوم لها التي يذكرها السيد إسماعيل فهمي للسيد فؤاد ناظر (سفير السعودية في مصر)، وطلبوا مني إبلاغ السيد الرئيس بزيادة الاتصالات.
الغريب أن هذا التقرير وُجدت صورة منه في الوثائق الأمريكية، ومعلق عليه من هنري كيسنجر بقوله:


إن اللصوص الصغار في مصر يريدون النصب على اللصوص الكبار في السعودية، ويضيف: ما أعلمه أن الإسلام في البلدين يحرم النصب والسرقة! (12)
 (7)
مصر والسعودية وأمريكا واليمن!
حدث في التسعينات أيام الحرب بين اليمن الجنوبي، واليمن الشمالي أن المملكة السعودية اشترت من مصر شحنة سلاح، وطلبت من مصر إرسال هذه الشحنة إلى اليمن الشمالي بقيادة علي عبد الله صالح! والذي حدث أن مصر أخبرت السعودية بموعد تحرك ووصول شحنة السلاح إلى صالح، ولكن ما إن تحركت السفينتان المصريتان المحملتان بالأسلحة وخرجتا خارج الحدود البحرية المصرية ودخلتا إلى المياه الدولية حتى استوقفهما الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر.
وقام الأسطول الأمريكي بما هو أكثر، إذ صادر هذه الأسلحة، ووجه رسالة تهديد لمصر بعدم التدخل.
وعُرف بعد ذلك بسنوات أن مصدر معلومة السفينتين المصريتين المتجهتين إلى اليمن الجنوبي كانت المملكة العربية السعودية! (13)
وما زالت الوثائق تبوح بأسرارها! وتكشف المسكوت عنه، وتفضح المخفي منه.


المصادر
1- أرشيف البيت الأبيض الأمريكي– واشنطن.


2- تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية– ولياك كونت– العبيكان للنشر.
3- أرشيف البيت الأبيض الأمريكي– مذكرات هارولد أيكس– جامعة يل.
4- أرشيف البيت الأبيض – مذكرات وليم إيدي. يوميات روزفلت– مكتبة واشنطن.
5- بيان رسمي صادر من الخارجية الأمريكية سنة 1966– وثائق البيت الأبيض/ واشنطن.
6- أرشيف الخارجية الأمريكية، أرشيف البيت الأبيض – تحقيقات لجنة تشرش بالكونجرس في فضيحة إيران جيت.
7- أرشيف البيت الأبيض– واشنطن – مذكرات روبرت كومر – دار بولفار للنشر بوسطن.
8- أرشيف كل من الخارجية الأمريكية، البيت الأبيض– الحروب العربية لجورج كاشي– دار العلم لبنان طبعة 1990– المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل- محمد حسنين هيكل.
9- مذكرات ريتشارد هيلمز – الطبعة الأولى 1980– دار سوشي.
10- الوثائق الإسرائيلية– محمد حسنين هيكل– دار الشروق.
11- دراسة أفي شلايم بعنوان الجدار الحديدي– جامعة بنسلفانيا.
12- بوب وود ورد الهدف الشرق الأوسط- مذكرات هنري كيسنجر.
13- المقالات اليابانية – هيكل.








إرسال تعليق

0 تعليقات