إبراهيم خليل الرحمن (1)
بقلم أسامة الدباغ
الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... وأفضل
الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، حبيب اله العالمين محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
بعد أن أتممنا بحمد الله ومنه قصة يوسف المباركة آلينا
على أنفسنا أن نعود إلى تلك الأحداث التي خاضها الخط الإلهي بوجه الخط الشيطاني،
وبعد أن تجلت لنا الكثير من الحقائق المصاحبة لتلك الحقبة ارتأينا أن نبحث عن جد
هذه الأسرة المباركة وقائدها وزعيمها، ألا وهو النبي الإمام إبراهيم الخليل صلوات
ربي وسلامه عليه، (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ
وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿33﴾ البقرة، نلاحظ الآية المباركة بأن الاصطفاء كان لآدم ونوحا دون
كلمة آل ؟؟ ثم كان الاصطفاء لآل إبراهيم وآل عمران.... (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿124﴾البقرة، إذاً ذرية إبراهيم توارثت
النبوة والإمامة وهي ما نسميه بالخط الإلهي وقد اصطفاهم الله سبحانه وتعالى لهذه
المهمة وهذا هو الخط الممتد ليشمل كل الأنبياء عليهم السلام بشقيه من ذرية إسماعيل
ومن ذرية إسحاق، وسنتحدث عن ذلك أن شاء الله وبالخصوص عن إسماعيل النبي وذريته،
ونريد أن نوضح أيضاً بأن قصة إبراهيم الخليل عليه السلام موزعة في خمسة وعشرون
سورة من القرآن الكريم وقد ذكر أسم إبراهيم (63) مرة فيها، لذا فمن الصعب معرفة
الزمان للأحداث والوقائع بالتدريج القصصي، خصوصاً وأننا من الصعب أن نعتمد على
التاريخ الموجود بين أيدينا !!! فمنذ يومين وأنا أبحث عن الحقبة التي ولد فيها
النبي إبراهيم ووصل حد التناقض بالروايات إلى قرابة الف سنة !!! وهذا لم يأتي من
فراغ !!! بل هو مقصود !! فإبراهيم الخليل هو من هدم الأصنام ورفع قواعد البيت كما
يقولون، لذا سيكون البحث على مستويين:
المستوى الأول: وهو مرحلة الدعوة لدين الله
(الدعوة السرية).
المستوى الثاني: وهو مرحلة الصدام المباشر (الدعوة
العلنية).
وعلينا أولاً أن نحدد مكان ولادته تأريخياً بشكل عام
لتكوين نظرة أولية قبل أن ندخل إلى رحاب القرآن الكريم......
لقد منّ الله عزّ وجل على بلاد ما بين النهرين (العراق)
لتكون مسقط رأس خليله ونبيه الكريم إبراهيم عليه السلام، وتلك البقعة اليوم عبارة
عن منطقة صحراوية قاحلة غير مأهولة، يؤمها البعض من الناس والعارفين بحق هذا النبي
العظيم لغرض التقرب الى الله تعالى، لكن ليست هنالك معالم واضحة ومحددة سوى مقام
مشيّد قائم اليوم على أرض تسمى (برس) أو (بورسيبا)، وهي قرية في أرض بابل، وتحديدا
بين الكوفة والحلة. و(بورسيبا) هو الاسم الأقدم للمنطقة كما يقول المؤرخون، حيث
تضم مقام نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وعلى مقربة منه صرح النمرود، الذي يحكي
قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) أو ما يعرف بأرض المحرقة.
وإبراهيم (عليه السلام) هو بن تارخ بن تاغور بن ساروغ
بن ارغل بن فالغ بن عاجر وهو (هود) النبي (عليه السلام) بن شالخ بن ارفخشد بن سام
بن نوح ابن مالك ابن المتوشلخ ابن اختوح وهو النبي ادريس (علية السلام) ابن بارز
ابن هلائيل ابن قثياق ابن الوش ابن (شيت) وهو هبة الله ابن ادم (علية السلام).
واختلفت الآراء حول شخصية والد إبراهيم عليه السلام
فمنهم من قال إن آزر هو والده وآخرون قالوا إن والده تارخ وقد ذهب أصحاب الرأي
الأول إلى ما ورد في الآية الكريمة (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ
أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ
مُّبِينٍ)(الأنعام /74)، وأما أصحاب الرأي الثاني فقد قالوا إن أزر عمه وليس ابيه
لأن أباه تارخ، فقد نقل الأفاضل انه لا خلاف بين النسابين إن اسم والد إبراهيم
تارخ وهذا غير مستبعد لاشتهار تسمية العم بالأب في الزمن السابق وقد ذكّر النبي
صلى الله عليه وآله ذلك بقوله: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام
الطاهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية)، ولو كان في آبائه
كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله تعالى (إنما المشركون نجس).
أما الطاغية الذي عاصره النبي إبراهيم يدعى (الضحاك) هو
المعروف بالنمرود وان إبراهيم ولد في زمانه وخاض الصراع الرسالي معه حتى غلبه
بالحجج الدامغة ثم أمر بإحراقه في القصة المعروفة.
وقد اختلف الباحثون في مكان ولادته فمنهم من ذكر (كوش)
ومنهم من ذكر (أور) ومنهم من ذكر (آرام النهرين)، وكانوا يعتقدون إن مدينة آرام
النهرين تقع في سوريا، ولكن تمكن بعض المؤرخين من تحديد وتعيين موقعها في شمال
كربلاء.
أما اللغة التي يتكلم بها إبراهيم الخليل عليه السلام
فهي لغة قبيلته الآرامية وينتسبون إلى آرم بن سام (عليه السلام)، وبهذا يكون من
مواليد العراق، في مدينة النهرين كربلاء،
وتنتمي لقبائل الآرامية التي عمرت بلاد النهرين (أرام النهرين)
وتقع هذه المدينة في النصف الأعلى من مدينة كربلاء الحالية بين نهري فيشون (الفرات
القديم) وجيحون (كري سعده).
و (كوثى، كوثى ريا، كوثاريا)، هذه الأسماء كلها تدل على
نفس المنطقة وقد سكنها النبط فعن ابن عباس قال: (نحن معاشر قريش من النبط من أهل
كوثى)، وقد بين البحراني قائلاً: لأن إبراهيم الخليل ولد بها وكان النبط سكانها
وقال آخر كوثى سرة السواد بها ولد إبراهيم الخليل عليه السلام.
وقد تزوج إبراهيم الخليل ثلاث نساء: هاجر المصرية، وقد
ولدت له إسماعيل، وسارة ابنة عمه: وقد ولدت له إسحاق، وقنطوراء: وقد ولدت له كلا
من (مرق ونفس ومدن ومدين وسنان و سرح)، وهؤلاء هم بنو إبراهيم الخليل (عليه
السلام).
وكان ظهور إبرام (إبراهيم الخليل) على مسرح الأحداث في
بابل حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد داعيا إلى عبادة الإله الواحد الأحد خالق
السموات والأرض بين أبناء قومه الوثنيين، فلاقى من جراء دعوته أشد الاضطهاد على يد
النمرود في مدينة برس وهي مركز سلطة نمرود، وهو الاسم المحرف من الاسم البابلي
(بورسيبا) أو (بارسبا).
وجاء في (التلمود) بصورة (برسي) و (برسيب)، وقد انتقلت
هذه اللفظة إلى الجغرافيين العرب وذكرها ياقوت الحموي في معجمه في مادة برس.
وتقع خرائب برس (تل إبراهيم الخليل) جنوب بابل، وعن
الحلة جنوبها على مسافة نحو 15 كيلو متراً، وقد كانت هذه المدينة من ضواحي بابل في
بداية الإلف الثاني قبل الميلاد، أي بعد تأسيس بابل وكذلك مدينة النهرين، وكانت
قرية كربلاء تابعة لها من الناحية الإدارية وقد اشتهرت هذه القرية في كونها مركز
عبادة الإله الواحد (الإله أيل)، إن الاسم القديم للمكان هو (كوثر) والاسم الآخر
(كوثى ربى)، ومعناها النهر عند البابليين وهو الأشهر عند المؤرخين القدامى، وعندما
أجري مسح جيولوجي وجد نهر بين المقام الشريف والزقورة التاريخية وقد أشار إلية
العلامة نعمة الله الجزائري في كتابه (قصص الأنبياء) إن اسم والدته لويثة بنت لاحج
ابن كوث وان جدة (كوث) هو من قام بحفر هذا النهر وهو خير دليل على إن هذا المكان
هو مكان ولادة نبي الله إبراهيم الخليل (ع) لان عائلته كانت موجودة هناك وعدة مصادر
تشير إلى ذلك منهم صاحب تفسير الميزان العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس
سره) والعلامة الراوندي وغيرهم كثير، ولكن بفعل عوامل التصحر والتعرية اندثر هذا
النهر، لكن بقيت معالم من ارض المحرقة حتى اليوم وقد عرفت باسم (المحرقة) بسبب
سوادها، وأهل تلك المنطقة يعتقدون أنها هي الأرض التي احرق فيها إبراهيم الخليل
عليه السلام ونظراً لأهمية الموضوع كان هذا التحقيق.
هذا ما هو متعارف عند العامة من الناس وفيه الصحيح وفيه
السقيم وقد أوردته هنا فقط لإلقاء نظرة عامة على الموضوع وهو بمثابة توطئة للدخول
في البحث الرئيسي.
وللحديث بقية ................... والحمد لله رب
العالمين
0 تعليقات