آخر الأخبار

المختار الثقفي فى السيرة والتاريخ (5)



المختار الثقفي فى السيرة والتاريخ (5)
على الأصولي

ملاحظة وتنوية :

ينبغي أولا وقبل كل شيء، التفريق بين مقولتي لتاريخ_ والعقيدة، بحثا وتأصيلا وتقعيدا واستنتاجا، فالخلط بين هذه الحصة وتلك كالخلط بين الفلسفة والفقه...

ما أن أثرنا بحثا تأمليا سرديا قصصيا، حتى ثائرة حفيظة بعضهم وشرق قوم وغرب آخرون، والغريب بالموضوع إننا لم نتبنى الرأي النهائي وشخصية المختار الثقفي، نعم قد أثارة هذه الشخصية جدلا واسعا عند العلماء ما بين القادح وهم الأقلية ومادح وهم الأكثرية وتحفظ بعضهم ، وأحتاط كما هو صريح العلامة المجلسي، وهذه الاختلافات راجعة لا للسيرة التاريخية التي حاولت ان اجعلها مقدمة وعون للفهم الروائي المادح والقادح، إذ ان فقهاء الشيعة يتعاملون مع المختار معاملة روائية صرفة ويقيمون هذه الشخصية وفق اعتبارات روائية درائية، بمعزل عن تاريخ الرجل السياسي..

قد اعتمدنا وهذه التأملات وفق ما جاء بلسان أرباب التاريخ وهذا هو منهج الشيعة قديما وحديثا ولا يعني ركن التاريخ جانبا لأنه خط بقلم الطبري أو المسعودي أو اليعقوبي،

فلم نجد علماء الطائفة يركنون هؤلاء المؤرخين في أبحاثهم وكتاباتهم لا السيد المقرم استغى عن الطبري ولا السيد الشهيد الثاني تحفظ على تاريخ اليعقوبي ولا الشيخ باقر القرشي اوصى بترك تاريخ المسعودي،
لا ندع بأن كل ما كتب في التاريخ فهو من مقولة الحق القراح بل فيه هنات وهنات وللمحققين لهم معه عدة وقفات،
بالنتيجة لا يمكن رفع اليد من هذا التاريخ اذ لم نر للشيعة مصنف تاريخي حتى يمكن التعويل عليه في قبال المصنفات الأخرى،
أتمنى فهم مسألة : وهي أننا لم نبين رأينا النهائي إلا بعد إكمال السرد التأملي ونجعله عونا للفهم الروائي،
وكيفما تكون النتيجة : فهي مسألة تاريخية وليست عقدية حتى يكثر حولها الصراخ ولا فقهية حتى يعاب على القلم بأن السيد الشهيد قد قال كلمته النهائية في الشذرات، وعليه يكثر النواح بين قوسين( هذا الموجود ترضى اهلا وسهلا ما ترضى فايضا اهلا وسهلا)....


وعود على بدء
بعد ان قرر جيش الشام مهاجمة المدينة بقيادة مسلم بن عقبة وتأديب المجتمع المدني بيد القوات الحكومية كما هي تعليمات طاغية الشام، إرتبك عبد الله بن الزبير إذ لم تزل ولايته حديثة عهد ولم يستطع ان يجمع قواه لصد الهجوم الشامي على المدينة،

فحاول ان يحصن مكة بالرجال ما أمكن ودخل في أحلاف بعيدة وقريبة لصد الخطر القادم، فقد حالف جماعة الخوارج وفاتح المختار بضرورة الدفاع عن مكة، غير أن المختار أشترط على الزبير للدخول في طاعة البيعة والنصرة ولاية العراق وبعض الشروط الأخرى، وقبل الزبير على مضض من هذه الشروط،

تقدم جيش الشام بعد ان هتك الأستار والأعراض وقتل الأنصار والأصحاب في المدينة متوجها إلى مكة، وفي هذه الأثناء مات قائد الجيش واستلم القيادة الحصين بن نمير،
وبعد حصار مكة والمناوشات التي حصلت بين جيشه وجيش الزبير ابلغوا بهلاك يزيد واضطراب الشام،
وانهارت معنويات الجيش المهاجم وحصلت مفاوضات علنية بين الحصين وبين ابن الزبير بحضور جمع من القادة،

وانسحب الجيش المهاجم بالتالي للشام،
وهنا حاول المختار ان يذكر ابن زبير بوعده إلا انه تملص بأعذار واهية حتى أدرك المختار بأنه خدع !
هذا ما ذكره جملة من أرباب السير والتاريخ ك ابن الأثير /ج4/ وصاحب البداية /ج8/ وصاحب المروج/ج3/
ولم يستطع المختار الرجوع الى العراق إلا بخدعه قام بها ليفلت من طاعة وقبضة الخليفة الزبيري، الذي لا يمكن الاطمئنان بغدره للمختار الثقفي، وفعلا خرج بعلم وإرادة الزبير للعراق لا هرب منها كما يشاع في بعض السناريوهات
وهذه الخدعة تتلخص بأن المختار سوف يذهب للعراق للتمهيد للحكم الزبيري، وقد اقتنع الزبير بهذه المناورة، كما نقل ذلك المسعودي في مروجه/ج3/

وبعد ان أستعد المختار للرحيل الرسمي، ذهب لمحمد بن الحنفية طالبا الإذن بالجهاد وتخويلا بالقيادة على الشيعة في الكوفة، ولم يأذن ابن الحنفية للمختار بهذه الفعالية على وجه الصراحة إذ اكتفى محمد بن الحنفية ذكر المسألة على نحو القاعدة الكلية تحرجا من المسائلة الزبيرية من جهة والشامية مستقبلا من جهة أخرى، فاستعمل مناورة سياسية فهم من خلالها المختار على انه تخويلا بالتحرك بعد ان نقح الثقفي موضوع القاعدة الكلية كما يعبر علماء الأصول،

وما دار بين المختار وابن الحنفية هو
قال المختار إني على الشخوص للطلب بدمائكم والانتصار لكم، فأجاب ابن الحنفية، إني لا حب ان ينصرنا ربنا ويهلك من سفك دماءنا ولست آمرا بحرب ولا إراقة دم، فانه كفى بالله لنا ناصرا ولحقنا آخذا وبدماءنا مطالبا، انتهى /البلاذري أنساب الأشراف/
فقد فهم المختار بان ابن الحنفية متطلع لأخذ الثأر ولكن بتقديرات الله لا بتخطيطات نفس ابن الحنفية،
وكما ترى نصائح وأمنيات استفاد منها المختار لجمع الشيعة تحت دعاية آمينا ووزيرا ومنتخبا وأميرا كما ذكر ذلك في كتاب أعلام العرب/

لم يذكر التاريخ سوى هذه المحادثة أعلاه وعليه رتب المختار أثره، ومن هناك قلت في بعض مقالات الفقه السابقة ان قيام الثورة في عصر المعصوم لا يشترط فيها الإذن الصريح من نفس الإمام ما دام الثائر يتحرك في ضمن دائرة الإباحة والجواز والأصول العامة بشرط تنقيح الموضوع، ولذا على المبنى المختار صحح الكثير من ثورات العلويين ما دام الإمام لم يتدخل في النهي على نحو الصراحة والوضوح ،

قصد المختار الثقفي العراق، بعد ان زاغ من عبد الله بن الزبير بحيلة، وزار ابن الحنفية لانتزاع خارطة الطريق وما يطمح إليه، وقد اصطحب عبد الله بن كامل الهمداني في سفره هذا كما ذكر ابن سعد في طبقاته/ج5/ وقد لقيا رجلا في العذيب من أهل الكوفة فسأله المختار عن أخبار الكوفة، فقال : تركت الناس كالسفينة تجول بلا ملاح عليها، فقال المختار أنا ملاحها،
وهذه الثقة التي يتحدث بها المختار فهي نابعة لجملة من الاعتبارات منها قوة الشخصية وحكمة التخطيط،
والغبطة وما فهمه من كلام ابن الحنفية ونبوءة التمار،

وهنا بودي أن أوضح مسألة قد غفل عنها الأكثر تقريبا بل تحقيقا، وهي ان نبوءة ميتم التمار للمختار لا يمكن ان يستفاد منها حسن الرجل اي المختار ولا صلاحه ولا تقواه ولا إيمانه ولا أي مفردة يمكن إدراجها في تحسين صورة المختار وفق هذا الإخبار الغيبي من قبل التمار للمختار،

وأنا أتكلم بموضوع النبوءة وما يمكن ان يستفاد منها بمعزل عن واقع المختار والدلائل والقرائن التي يمكن استفادت هذه الجوانب في عموم السيرة سيرة حياته،
وحتى لقاء المختار وابن الحنفية لا يمكن استفادة علو شأن المختار بحال من الأحوال بمعزل عن أي أمر آخر،
هذا الأمر ينبغي ان يكون واضحا في الأذهان،
عودة على ذي بدء، ما ان وصل المختار للحيرة وهي قريبة الكوفة قصد بحرها فنزل واغتسل وادهن ولبس ثيابه وعمامته وتقلد سيفه على احسن ما يكون ثم ركب راحلته فمر بمسجد السكون وجبانه ( مقبرة ) كنده فكان لا يمر بمجلس إلا سلم على أهله، وقال : ابشروا بالنصر أتاكم ما تحبون، ولعمري ان الدعاية التي استخدمها المختار كانت من أهم سبل إنجاح حركته، كما ذكرنا هذا المعنى في مطاوي السلسلة التأملية هذه،
فكان دخوله يوم الجمعة (١٥) من شهر رمضان سنة (٦٤) هجرية والناس تتهيأ للصلاة فدخل مسجدها وصلى عند سارية هناك واخذ يسلمون عليه الجماعة تلو الأخرى وهو يبشرهم بالنصر المبين،


بعد ان استعرضنا الحوارية التي جرت بين المختار الثقفي وبين محمد بن الحنفية، وكيفية استفاد المختار وفهم من هذه الحوارية وقرر القيام بالثورة، بعد ان نقح موضوعها بحسب لسان أصول الفقه، ذكرنا ان المبنى المعتمد عندي هو جواز القيام بدوا بشرط عدم المعارضة المعصومية الصريحة،
وقد اعتبر فقهاء الشيعة الإمامية ان الثورة مشروطة بأخذ الإذن من نفس المعصوم (ع) وكل ثورة لا تحضى بالإذن فهي ثورة دنيوية وعلى الشيعة ان يكونوا أحلاس بيوتهم،
وبما ان المختار لم يأخذ الإذن صراحة من المعصوم وهو الإمام زين العابدين(ع) فقد أحتمل السيد الأستاذ ( كما في الشذرات ) بأن المعصوم في تقية مكثفة ووضع لا يحسد عليه فقد يكون الأخذ قد تم بطريق المراسلة، وان جعل ( بالضم) ابن الحنفية في الواجهة ك غطاء للإمام المعصوم(ع)

ولكن كما ترى لم يقدم السيد الشهيد إلا المحتملات وهذا الإذن المعصومي، فلم يرد بالتاريخ هذا المعنى ولذا قلنا مرارا وتكرارا ان نظر الفقهاء لثورة وقيام المختار ليست نظرة تاريخية، بل نظرة روائية صرفة ولو كانوا هم والتاريخ لم يقدموا أي احتمال تبرعي بخصوص الإذن المعصومي،

وهذا خطأ منهجي في البحث الموضوعي،
والسيد الشهيد معذور أكيد  فهو قد اعتمد على تحقيقات غيره في المسألة على ما يبدو لي كالمحقق الخوئي وقد يكون السيد الأستاذ أستكشف الإذن المعصومي بطريق باطني كشفي ولكن ما يعيب هذا الطريق هو عدم حجيته على الآخر ولا يعول عليه في البحوث العلمية الموضوعية وهو بالتالي حجة على صاحبه فحسب، ومن هنا كان لزما علينا فتح الملف الفقهي لمعرفة هل يمكن تصحيح ثورة المختار الثقفي أم لا ؟ في هذا المقام فانتظر........





إرسال تعليق

0 تعليقات