اللغة السرية للرموز
أمجد سيجري
تحيط بنا الرموز في هذه الأرض
الفسيحة بأشكال لا تعد ولا تحصى وتشكل جزء مهم من حياتنا اليومية فهي، تعبر وتحكي
عن نفسها لاحتواء معظمها على مدلول " إيديو غرافي" ولكنها على عكس
لغاتنا المنطوقة لايتم تدريس قواعدها وأصولها و تبيانها وشرحها في المدارس إنما
فهمها و تحديد معانيها الضمنية مقتصر فقط على النخبة الأكاديمية في المجتمع و حتى
في التعليم الديني تُعرَف هذه الرموز على أنها شعارات للانتماء لا أكثر فهي مجرد
رموز يرتديها المرء ليُعرِف من خلالها على دينه أو معتقده.
إن العديد من الرموز التي نتعامل معها يومياً قد تم العمل فيها من فترات قديمة جداً تضمن تمثيلات كونية للأرض والسماء والفصول المتعاقبة وتمثيلاً للغيبيات المتمثلة بالآلهة وخواص تلك الآلهة .
تشترك معظم الرموز المستخدمة
في التقاليد الدينية الحديثة والتقاليد الدينية القديمة في أصل مشترك يعود إلى ما
قبل الكتابة و هذه الرموز تعتبر في غاية الأهمية لأنها نتاج ثقافات متناظرة وهذا
التناظر لا يتمثل في اللغة إنما في الفهم الذي يمكن ان ندعوه فطري للرموز .
سأوضح في هذه المقالة تطور
موضوع الرمزية من خلال دراسة بعض العناصر الأساسية المكونة للرموز ومنها ننطلق
لفهم الرموز المعقدة.
- الدائرة: تعتبر الدائرة من أكثر الإشارات المستخدمة في الرموز المعرفية ( الإيديوغرافية ) شيوعًا في الثقافات والأديان لكن ما سر هذا الاستخدام الواسع لهذا المفهوم الأولي؟
الجواب ببساطة تعتبر الدائرة
رمزاً للكمال فلها جانب محدود متمثل بمركزها وجانب آخر لا محدود متمثل بمحيطها
والذي لايحوي بداية أو نهاية أو تقسيمات مما يجعلها الرمز المثالي المعبر عن
الكمال الخلود والأبدية والروح ومن أشهر التمثيلات التي عبرت عنها الدائرة هي
الروح بالرمز والشمس بالرمز ⊙ .
لنجرب قراءة أحد أهم الرموز الدائرية هو خاتم الزواج الذي يحيط بالإصبع المرتبط بالبنصر الأيسر الذي اعتقد الأقدمون بارتباطه بالقلب مباشرة فالرمزية التي يتمتع بها خاتم الزواج لاتقتصر فقط الى تعهد بالحب والإخلاص الأبدي لكن عملية الزواج تكون خاتمين اي دائرتين ممثلتين للذكر وللأنثى و عملية الزواج هي تقاطعهما والاي تشكل رمزاً جديداً يشبه السمكة او مبولة السمكة Vesica piscis وهذا الرمز له مدلوله أيضا في الرمزية الدالة على الرحم والخصوبة وبداية الحياة وقد رأينا هذه الرمزية في مقالة زهرة الحياة و تشكلها من اجتماع سبعة دوائر .
الصليب أو الصليب الشمسي + :
هو رمز عالمي آخر يمكن العثور عليه في ثقافات مختلفة عبر التاريخ فهو أول شعار لاهوتي حقيقي فهو لا يحدد نقاط التقويم الشمسي والفصول الأربعة فحسب بل يربط بين العالم المادي والعالم اللامادي أو العالم الإلهي أو عالم المثل لكن كيف؟
الصليب عبارة عن إشارتين أوليتين متمثلتين ب خطين متقاطعين بحيث يقسمان المستوي إلى أربعة أرباع أي 4 زوايا قائمة كل منهن 90ْ ولكل خط من هذه الخطوط رمزية فنجد :
-
المحور
الرأسي ( | ) : يمثل هذا المحور الذكورة
والتشكل الجسماني البشري بقامته المنتصبة المتفردة عن بقية الكائنات الحية .
كما يرمز هذا الخط العمودي إلى
المسار من الأرض إلى السماء أي حركة الروح من العالم المادي إلى عالم المُثل إذاً
يرمز إلى الطبيعة المزدوجة للإنسان و التي تتمثل بالمادية والروحية وسعي الإنسان
على هذا المحور في الصعود إلى أعلى لنيل الإلوهية والخلود .
- المحور الأفقي ( - ) :
يعبر عن مسار الإنسان من
الولادة إلى الموت ، ومن البداية إلى النهاية ومن الحاضر إلى المستقبل .. فهو اذاً
يمثل الحياة المادية على الأرض كعملية ثنائية خطية حياة حتى الموت ، بداية للنهاية
و هذه الطبيعة المزدوجة للوجود البشري تدل عليها الكثير من المفاهيم الثنوية في
حياتنا كاليمين واليسار ، الذكر والأنثى ، الخير والشر.
لننتقل لفهم الرمز كاملاً + :
- الخط العمودي وهو الذكورة الكونية
والتي تم ربطها بالشمس فأصبحت الذكورة الشمسية.
- الخط، الأفقي دلالة على الأرض
وهي الأنوثة والخصب باجتماعهما تكون الحياة .
فالصليب إذن هو رمز فطري
للحياة و وللوجود الإنساني و لايرتبط بدين معين فعندما يتم الجمع بين المحورين في
شكل متقاطع ، فإنها تمثل مكعب الفضاء و العناصر الأربعة لذلك نجد الصليب الشمسي في
العديد من المعابد الشمسية المبكرة ( المعروفة بالوثنية ) في العالم وهي كما أسلفنا
ليست مجرد صلبان فلكية شمسية بل تمثيلات للأرض التي تنتظر الإخصاب من طاقات الشمس
الذكورية.
- أحيانا تجتمع الدائرة والصليب تكون رمزية أخرى تسمى الدائرة البرجية أو عجلة الأبراج فيصلان مركز التقاطع المادي المحدود بمحيط الدائرة اللامتناهي والذي يعبر عن سعي الوجود المادي للكمال واتصاله بعالم المُثل .
- في رمزية أخرى نجد خط أفقي
فقط في دائرة ومن يعرف بالرموز يجد انه الرمز الخيميائي للملح والذي يعتبر والوجود
المادي الأكثر نقاءً لذلك نجد للملح له قدسية في الأديان.
- يمكن أن تنحني أطراف الصليب
وينتج الصليب المعكوف والذي يمثل المكونات المادية الأربعة بالتالي يعبر عن الوجود
المادي وتطور الحياة المادية فعندما يتجه لليمين 卐 يتطور
الوجود وعندما يتجه لليسار 卍 يتراجع الوجود وهذا الصليب كان رمزاً ل إله
الشمس سوريا.
المثلث: هو واحد من الرموز
الدينية الأكثر سهولة في تحديد رمزيتها بالشكل الظاهر فعند السؤال عن رمزيتها
تتسابق الأجوبة حول ارتباطه بالثالوث المسيحي أو الماسونية أحياناً .
لكن نحن نتحدث عن ما هو أقدم
وما هو متأصل بالمعرفة الفطرية فالمثلث هو أبسط الأشكال الهندسية اعتبر
الفيثاغورسين القدماء المثلث كأول مضلع كامل فالمضلع يحتاج لثلاثة قطع مستقية
لتكوينه بالتالي اعتبر المثلث هو رحم الأشكال الهندسية وقد اعتبر المثلث رمزاً مميزاً
لتمثيل الرقم 3 الممثل للثالوث الباطني المادة والطاقة والروح .
المثلث الصاعد: يعتبر المثلث
الصاعد، رمزاً للطموح والارتقاء ويعبر عن القوة الذكورية والنار لذلك الرمز
الخيميائي للنار هو مثلث صاعد وعند قطعه بخط أفقي نحصل على الرمز الخيميائي للهواء
والذي يأخذ دلالة ذكورية أيضا .
المثلث النازل: وهو واحد من
أقدم رموز اللاهوت الأنثوي كتمثيل و الرحم الكوني للإلهة كما هو نعمة السماء هو
رمز الخيميائي للماء وبالمقابل نجد المثلث الهابط، المقطوع بخط أفقي والذي عرفناه
من قبل ذو دلالة مادية نحصل على الرمز الخيميائي للتراب وكما نعلم يأخذ دلالة أنثوية
أيضاً .
- عند ندمج مثلثي النار والماء
نجمع المتناقضان فيشكلان النجمة السداسية نجمة الحكمة السومرية
"الهيكسغرام" والذي يعتبر رمزا قويا للتوازن الكوني والوحدة الإلهية أو
التوازن المثالي بين طاقات الذكر والأنثى بالتالي يكون الخصب.
أما بجمع المثلثات الأربعة
نحصل على النجمة السداسية المضاعفة Double hexagram المعبرة الوجود المادي الناتج عن جمع
المكونات الأربعة ماء نار هواء تراب .
0 تعليقات