أنوار مزعجة
خالد الأسود
قصة قصيرة
- حلال حلال، لن نغضب الله،
صدقيني.
- حلال..! كيف و هو سري؟
- كل زمايلنا سيعرفون، لن نخفي
شيئا.
- و أهلنا؟
- هم الذين يصرون ألا يفهموا،
أحبك وتحبيني، محتاجك يا سها.
لماذا يصعبون الحياة؟ ثلاث
سنوات حب ورغبة، مهما قال تعلم أنه خطأ..ليس زواجا.. "لكني أتوق وألتهب"
- مش قادرة يا حبيبي، قلبي
مقبوض، لا أتخيل أن أتزوج عرفيا.
يحب أريكة هذا المقهى، تتيح له
أن يلتصق بها، ضغط بساقه أكثر على ساقها:
- لم أعد أتحمل، أنا مثلك أخاف
الله، حتى قبلاتنا توجع ضميري.. أخبريني حلا آخر.
همست:
- لن أستطيع يا أحمد.
يفهم صوتها، الهمس المحبوب، لا
التي تعني نعم.. الشوق يلتهب.
التقط كفها، نبضها يتسارع،
أصابعها ترتعش، يحبها حقا.
- أحبك، حرام أن تضيع أحلى
أيام عمرنا، لا أحد يشعر بنا.
صمت لحظة، تابع بحماسة:
- القانون اليوم يعطي لورقة
الزواج العرفي قوة، هو حل مؤقت، ثقي في، أعترف أني أريدك و لم تعد أعصابي تتحمل.
منذ أخبرتها صديقتها أنها
ذاهبة للساحل إلى شاليه حبيبها صارت نارا تشتعل، لا تفعل مثلها، و لا مثلهن، تخاف
الله، و أحمد يخافه أيضا، أحيانا يسرقان القبلات و اللمسات ثم تئن بوجع الضمير،
تظل أياما لا تستطيع النظر في وجه أحد، يؤلمها أن تكون آثمة، الوحش داخلها لا
يرحم، يظل ساكنا و بغتة ينتفض نارا، صارت تعرف أيام سعاره، مهما فعلت يلسعها،
ينهشها بقسوة و حنين.
اقترب منها،يفهم صمتها، ضغط
كفها بقوة أكثر، يرجف مثلها، فقد تركيزه منذ عرفها، ليس معصوما بالفتور كالبعض،
يملك وازعا تربى عليه يمنعه من الاستهتار كالغالبية، ضعفا معا أحيانا فتعذبا
كثيرا، هو الحل الوحيد مهما ارتدى من خطأ..
هتفت فجأة:
- المحاضرة.
نظر في ساعته، أشار للساقي:
- لا تقلقي، معنا وقت.
هرولا في الطريق، يحب جسمها
المنسق، تثيره تضاريسها، الأحلام تراوده، لم يزحها كالعادة، يستقبلها آملا.
قفزا من الميكروباص أمام
البوابة، ظل يرقبها مبتهجا، خطواتها السريعة دفعت الدم لوجنتيها، جمالها يتألق
بالحمرة..
توقفا مدهوشين، المنظر عجيب،
بالونات ألوانها زاهية، موسيقا، الطلاب متجمعون، فرحة في الوجوه، يتقدم طالب،
مظهره بسيط يتحرك مزهوا كأمير، فتاة تقفز، تتوهج بفرحة، صياح، ضحكات، تصفيق،
الأمير يحتضن الفتاة، يدور بها في الهواء، الحماس يدوي في حديقة الجامعة.
تقف سها، تتسمر، يأخذها
المشهد، الكلمات تصل إذنيها:
- خطوبة.. زواج.. حب.. البيت..
أبوها.
قلبها يدق، تلمع عينها، تلتفت
لأحمد..
ليس غبيا في حضرتها، قرأ
العتاب، عيناها تصرخ، اعتراه خجل مفاجئ، أطرق في الأرض، أتاه صوتها هامسا، ولكن
واضحا:
- لا تفتح موضوع الزواج العرفي
ثانية يا أحمد.
لم يرد عليها، تهرب من النظر
في عينيها، مد خطواته:
- المحاضرة.
غابت سها عن الجامعة ثلاثة
أيام، تفادت لقاء أحمد، هربت من ضعفها الموسمي، حتى رسائله ردت عليها باقتضاب،
تعللت بالمرض والأهل حولها.
دخلت من البوابة، عيناها تبحث
عنه، أخيرا تجده واقفا وسط مجموعة غريبة، وجوه لا تعرفها، أشرق وجهه لرؤيتها، أقبل
عليها ملهوفا سعيدا بالشوق في عينيها.
- من هؤلاء يا أحمد.
- ننظم وقفة احتجاجية، فصلوا
طالب البالونات.
أفزعها الخبر، هتفت:
- ماذا !!
خطوبة وفي النور.. لماذا؟
أكمل مستغربا:
- ألا تتابعين الأخبار، الدنيا
مقلوبة عليهم، الناس هاجت.
لم تفهم، أخفض صوته، أخذ يحكي،
ظلت لا تفهم، هزت رأسها أخيرا كأنها فهمت..
سألته كأنها تهرب من الفكر في
رأسها:
- ألن تحضر المحاضرة ؟
لماذا لا يجيبها؟ ماذا تعني
تلك النظرة؟
تجاهل سؤالها:
- أعددت الورقتين، أنتظرك.
نظر في عينيها بثبات:
- صدقيني لا أحد يريد النور،
الظلام يريح أعصابهم، هم فقط يهمهم ألا يروا.
ارتفع صوته قليلا:
- يرفضون الحب لو في النور،
يتعايشون مع كل شيء طالما لا يرونه، لا يعنيهم الصواب، هم فقط يرضيهم تمثيل دور
الفضيلة، التمثيلية تطمئنهم تجعلهم ينامون.
ارتعشت عينها، ظلت صامتة..
يفهم صمتها.. ابتهج، جذبها من
حقيبتها، حرص تماما ألا يلمسها، سارت بجانبه حريصة على ترك المسافة اللائقة، خرجا
من البوابة.. هرولا في الطريق.
0 تعليقات