آخر الأخبار

المختار الثقفي فى السيرة والتاريخ (7)



المختار الثقفي فى السيرة والتاريخ (7)

على الأصولي





المختار الثقفي، صحة العقيدة لا تلازم صحة السلوك
ذكر صاحب الملل والنحل الشهرستاني، بعد موت إبراهيم الإمام كتب أبو مسلم الخرساني الى الإمام الصادق(ع) إني أدعو الناس إلى مولاة أهل البيت فإن رغبت فليس مزيد عليك، فأجابه الإمام : ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني..

وهكذا قرر أبو سلمة الخلال أن يرسل رسالة إلى أعيان العلويين، بعد موت إبراهيم الإمام قائد الحركة الانقلابية على الحكم الأموي، والرسالة كانت معنونة إلى جعفر بن محمد الصادق وعبد الله ( المحض) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وعمر الاشرف بن زين العابدين، وأرسل الكتاب بيد أحد مواليهم وأوصاه الخلال أن يبدأ بالإمام الصادق(ع) فان أبى فإلى غيره وهكذا ..

وبعد وصول الرسالة رفضها الإمام بل احرقها وقال هذا جوابي، ووصلت النوبة إلى عبد الله الحسني فقبلها ووضعها على جبينه ثم ركب حتى أتى منزل أبي عبد الله الصادق(ع) فقال الحسني للإمام الصادق: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني إلى الخلافة وقد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان.
فقال : الإمام (ع) ومتى كان أهل خراسان شيعة لك ؟!
أنت بعث أبا مسلم إلى خراسان ؟! وهل تعرف منهم أحدا ؟!
فإن لم تعرفهم ولم يعرفوك فكيف صاروا لك شيعة ؟!
فقال عبد الله : كان هذا الكلام منك لشيء،
( يعني هذا الكلام ينم عن حقد أو حسد )
فقال الصادق(ع) قد علم الله أني أوجب النصح على نفسي لكل مسلم فكيف ادخره عنك فلا تمنن نفسك بالأباطيل فإن هذه الدولة ستتم لبني العباس وقد جاءني مثل الكتاب الذي جاءك، ثم خرج عبد الله المحض مغضبا ..

شاهد الحال على ضوء الدعاية الثورية المرفوعة باسم آل محمد قد تم خداع بعض الشيعة وتم تضليلهم تحت هذه اليافطة ومع إن الإمام أمر شيعته بأن يكونوا إحلاس بيوتهم إلا انه تم خداع بعضهم بأساليب إعلامية محترفة،
ومن هنا ذكرنا إن صحة العقيدة لا تعني صحة السلوك فلا ملازمة بين كون المختار ذا عقيدة شيعية سليمة ( من الناحية النظرية ) وبين سلوكه السياسي والاجتماعي العام ( عمليا ) وهذا لا يعني الطعن فيه وهذا الكلام لكن إشارة أحببت أن أشير لها على نحو التنبيه الذي قد يكون في طيات الغفلة من بعض القراء كون الرجل عقيدته سليمة فلا معنى والبحث في حركته فتأمل،


لم يجد المختار منافسا له على الساحة الكوفية الشيعية غير سليمان بن الصرد الخزاعي الذي أعلن توبته وندمه هو وأنصاره لخذلان مسلم من جهة والإمام الحسين(ع) من جهة وقد كان في جماعة سليمان مرموقة مثل المسيب بن نجبة الفزازي، وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي، وعبد الله بن والي التميمي، ورفاعة بن شداد البجلي، وهم من أخيار أصحاب الإمام علي(ع)..

وهذا الخذلان جاء نتيجة تخطيطات سيئة وتقديرات غير منضبطة سياسيا وعسكريا، وقرروا القتال، قتال للشاميين حتى النصر أو الشهادة تكفيرا لشعورهم بعظيم الذنب والتقصير، على ما ذكر ابن الاثير /ج4/.

وفعلا بدا القوم بتجميع وتنظيم أنفسهم من سنة ( ٦١ - ٦٤) هجرية وأرسلوا الكتب إلى شيعة المدائن وشيعة البصرة يستنهضونهم للقتال، وقد بذل بعض زعمائهم الأموال الطائلة لهذه المهمة فهذا خالد سعد بن نفيل قدم ما يملك من أموال وريع المزارع التي يملكها لديمومة الحركة ونشروا الخطباء والبلغاء في المجالس العامة والخاصة، لتحريض الناس على القتال، مذكرين إياهم بمقتل الإمام الحسين(ع) وفجيعته الأليمة.
وفي هذه الأثناء أرسل الخليفة الزبيري عبد الله بن يزيد الأنصاري واليا على الكوفة بمعية إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، خلفا لعامر بن مسعود،
واستغل الولاة الجدد اندفاع التوابين وحرضوهم على الجهاد وقدموا لهم الدعم الإعلامي وحاولوا أن يقدموا الدعم المالي إلا أن سليمان الخزاعي اعترض على العطاء،
وهذا خطأ فادح صدر من شيخ الشيعة آنذاك،

وكان دعم الدولة الزبيرية للتوابين حركة سياسية تخدم دولتهم الفتية إذ بهذا الدعم يتم دفع الشيعة لمجزرة لم تحسب نتائجها عسكريا وكذا ينشغل الخصم الشامي عن الزبيرين بالحركة الشيعية المسلحة..

وهذا ما تنبه له المختار فاخذ يعمل بالضد من التوابين محذرا إياهم بمجزرة بشرية وخطر محتم في القريب العاجل يتنظر هذه الحركة، واعتبر سليمان ان هذا الموقف من المختار معادي ولا يصب إلا في مصلحة أعداء الشيعة،
وهذا الموقف من قبل المختار احد أسباب هزيمة التوابين!!

في عين الوردة فقد انسحب من الحركة خلق كثير والتفوا حول المختار وهذا مما اقلق سليمان عندما عسكر في النخيلة إذ انه بايعه أكثر من (١٦) ألفا غير أن ميدان النخيلة لم يشهد سوى ( ٤ ) آلاف رجل كما ذكر الطبري،
فقد تخلى الكثير من شيعة المدائن والبصرة والانسياق خلف مغامرة سليمان بن الصرد، لم يكن هم المختار الثقفي في الكوفة سوى جمع الأنصار تحت يافطة وشعار انه وزير آل محمد من قبل محمد بن الحنفية، فقد قال في سبيل دعوته انه مبعوث ولي الأمر والإمام المهدي ويقصد به ابن الحنفية،

وعلى ما يبدو لي بأن المختار كان يعلن جهارا نهارا بأنه مكلف من ابن الحنفية ولكن دعوته بأنه مكلف من المهدي وهو ابن الحنفية فلا أميل لهذه الفرضية كون مصطلح المهدي لم يتداول بشكل واضح إلا في أيام الصادقين (ع) وعلى الأرجح بأن هذه الدعوة فرية مذهبية من بعض المؤرخين السنة،

وكيفما كان : لم يجد سليمان وأصحابه بدا من الاصطفاف بالضد من دعوته هذا لاعتبارات منها أن الإمام الفعلي هو زين العابدين(ع) وليس ابن الحنفية، ومنها أن المختار كان تحت بيعة ابن الزبير العدو التقليدي لآل علي(ع) ولأجل هذه الاعتبارات وغيرها أشيع عنه بالوسط الشيعي بان المختار صاحب دنيا وطالب رياسة ولو صدق فيما دعى لأنظم للشيخ سليمان وهو فقيه أهل الكوفة،
ولكن الورقة الرابحة التي كان يملكها المختار هو جهل سليمان بأمور الحرب والسياسة ويحذر من قيادة الشيعة إلى الهلاك الحتمي، كما جاء ذلك في البداية والنهاية /ج8/

وطبيعة الناس تميل إلى من يمنيها بالحياة كفرصة محتملة على اقل التقديرات ولا تميل مع منطق إحدى الحسنيين الشهادة أو الشهادة مع خط بن الصرد الخزاعي !

ولذا التف عدد غير قليل على المختار ودعوته ،
بعد تحرك التوابين لمواجهة الجيش الشامي في عين الوردة تم اعتقال المختار من قبل الولاة الجدد، ومع ذلك الاعتقال ضل على تواصل مع أصحابه نظرا لضعف السلطة؛
وأرسل لزوج أخته ليشفع له عند ولاة الكوفة لإخراجه من السجن وفعلا تم إرسال مكتوب إلى والي الكوفة مع ان الخلفية وعبد الله في مكان واحد وهذا نفهم من التقاطع بين الزبير وابن عمر،
وما أن خرج المختار حتى تنهاها إلى سمعه هزيمة الشيعة النكراء في عين الوردة واسشتهاد الكثير من زعماء الحركة وهذا راجع إلى قلة العدد وانقطاع المدد، بينما تحضيرات الشاميين عدة وعدد جعلتهم أعلى كعبا من أصحاب سليمان،
وقد رجعت فلول من الشيعة والجيش المنكسر إلى الكوفة فبادر المختار بتعزيتهم ووعدهم بأخذ ثأرهم وترحم على قتلاهم ، بينما الحقيقة كان المختار على النقيض وزعامة سليمان بل ينقل ابن الاثير /ج4/ قوله : إن أثقل خلق الله على سليمان المختار،
وهكذا بدأت الساحة الشيعية في الكوفة خالية من الزعمات الموثرة ك زعامة ابن الصرد وما يشكله من ثقل في الوسط الشيعي الكوفي، وتحرك بعض كبار الشيعة للحجاز لمعرفة موقف ابن الحنفية من المختار وبعد الالتقاء به قال : ما أحب إلينا من طلب ثأرنا واخذ لنا بحقنا وقتل عدونا، كما نقل اليعقوبي /ج3/

وكما ترى تصريح يستم بالعمومية وعدم الوضوح بالخطاب، وعلى ما يبدو لي هناك اتفاق مسبق بين المختار وابن الحنفية لم تظهره المصادر والوثائق التاريخية وإلا لو كان المختار كاذبا بشأن تكليفه لما تورط ورفع يافطة ابن الحنفية وكونه ممثل البيت الهاشمي، وكان بمقدور ابن الحنفية النفي بكل سهولة ووضوح ولكن على مايبدو لي أنها طبخة تمت بليل !

وبعد أن خلا المختار في الساحة واخذ يتمدد، أستبدل الخليفة الزييري وليه في الكوفة وأرسل ابن مطيع عبد الله، يوم الخميس (٢٤) من شهر رمضان سنة ( ٦٥ ) للهجرة،
وكان سياسا متحمسا للزبير، إلا انه بخيل وحريص كما هي عادة ابن الزبير وولاته، وصعد منبر الكوفة معلنا البرنامج السياسي الجديد وكيفية الإدارة الاقتصادية، والتي من ضمنها إرسال ما يزيد من فيء العراق للحجاز تبعا لسنة عمر وعثمان إلا انه، ولم يلقى تأييدا وهذه السياسة الاقتصادية فكان أول من اعترض عليه في مسجد الكوفة السائب بن مالك الأشعري وهو من وجهاء الكوفة والمقربين من المختار الثقفي، مطالبا الوالي الجديد المضي بسيرة علي(ع) المالية وهي إبقاء الفيء لأهل العراق وما يخدم مصالحهم فوافق ابن مطيع تبعا للكسب السياسي وود الشيعة في الكوفة، واخذ ابن مطيع بالتسابق مع المختار لكسب الولاء الكوفي غير أن المختار مضى قدما بالدعوة لنفسه وتحشيد الجمهور الكوفي وإعلان نفسه مؤيدا بتأييد ابن الحنفية،
وذهب بعضهم لابن الحنفية لاستجلاء الأمر فقال لهم : أما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا فو الله لو وددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن يشاء من خلقه، /ابن الأثير/ ج4/
وعلى ما يبدو بأن هذا التصريح بما فيه إجمال لهو أوضح من سابقه، وعلى ضوء هذه الإجابة اقتنع الوفد وبايعوا المختار،
وقد أبدا المختار ارتياحه وهذا الجواب الذي انصب لصالحه ودعا إلى اجتماع طارئ للشيعة مخبرا إياهم بآخر المستجدات ومتهكما بمن شكك في تأييد ابن الحنفية له،
وهذا التصريح إن دل على شيء فإنما يدل على أن ابن الحنفية قد دخل المضمار السياسي وعمله أشبه بما يكون بالإرشاد بعد التبني الضمني لأي حركة من شانها أن تأخذ بالثأر،
لم يهدأ للمختار بال حتى يكسب إبراهيم بن مالك الاشتر إلى صفوف الدعوة فقد كان إبراهيم شابا متحمسا ومتعصبا للعرب وله عصبية يتمتع بالدهاء والمكر خلافا لأبيه مالك الاشتر المعروف بإخلاصه لعلي (ع) فهو من جملة من خذلوا الإمام الحسين(ع) ومبعوثه مسلم بن عقيل(ع)

بذل المختار جهدا استثنائيا في سبيل كسب إبراهيم بن مالك الاشتر في صفوف الدعوة لما يتمع به الاشتر من كلمة مسموعة بين قومه وتحالفات قبيلته مع القبائل الأخرى، وبالتالي ان كسبه يعني انتصارا دعويا لم يحظى به لا الإمام الحسين(ع) ولا مسلم بن عقيل ولا سليمان بن الصرد الخزاعي، وبعد ان عرض عليه أنصار المختار الدعوة قبل بشرط ان يتزعم الدعوة ويكون رأسها الأوحد !

ولكن أنصار المختار قالوا له ان هذا الأمر خارج صلاحياتهم بل وخارج صلاحيات نفس المختار وذلك بتوجيه مباشر من محمد بن الحنفية، ولم يجبهم إبراهيم بشيء وفضل السكوت حتى حل المختار وصحبه ضيفا على إبراهيم مفاتحا إياه بالدعوة وضرورة الانضمام بل وقد سلمه كتاب ورسالة من ابن الحنفية على ما ذكر ابن الأثير /ج4/ صريحه بتكليف الانضمام مع عرض مغر مفاده فانك ان تنصرني ( ويقصد نفسه أي ابن الحنفية) واجبت دعوتي كان لك بذلك عندي فضيلة ولك اعنه الخيل وكل جيش غاز وكل مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة وأقصى بلاد الشام !

وهذا الإغراء يدل بوضوح معرفة نفسية إبراهيم وأطماعه من جهة ويدل على ان ابن الحنفية دخل الخط السياسي والعسكري بكل ثقله بحيث راح يوزع الهدايا والعطايا قبل ان يجعل رجله بالركاب !

بالنتيجة : لم يصمد ابن مالك الاشتر وهذا العرض الدنيوي الكبير وان افتتح العرض بشعار ابن الحنفية ويالثارات الحسين !




إرسال تعليق

0 تعليقات