آخر الأخبار

الحسين.... بين الثورة والإصلاح





الحسين.... بين الثورة والإصلاح

عز الدين البغدادي

هناك رأي يقول بأن من الخطأ إطلاق مصطلح الثورة على حركة الحسين (ع) ويرى بأنه هذا التعبير غير دقيق، وهو تعبير متأخر ظهر بسبب التأثر بالنزعات والأيدلوجيات الثورية في القرن الماضي خصوصا... وقد كرر ذلك السيد أياد جمال الدين في منشور له أمس، إلا أن هذا الأمر برأيي غير صحيح، فالثورة هو عملية انشقاق على السلطة يستعمل فيها السلاح غالبا لأنها غالبا ما تكون ضد سلطة جائرة أو سلطة قوية يصعب تغييرها أو فرض إرادة الثائرين عليها إلا بالقوة، وهي تهدف كما قلت إمّا الى تغيير السلطة أو إلى التأثير على قرارها بنحو ما وفرض إرادة الثائرين عليها، ولا شك أنّ ما قام به الحسين وفق هذه الفهم لا يمكن أن يعبر عنه إلا بأنه ثورة.


كما ان لفظ "الثورة" ليس لفظا جديدا، بل هو لفظ قديم ومستعمل، ونحن نقرأ التاريخ لنجد الحديث عن ثورات لا تعد من قبيل ثورة التوابين وثورة المختار وثورة زيد وثورة ابنه يحيى وثورة الزنج وثورة الحسين صاحب فخ وغيرها وغيرها كثير. نعم كان هناك تعبير آخر يستخدم ربما بشكل أكبر وهو "الخروج" وهو بمعنى الانشقاق أو الثورة، وهو لفظ لم يعد يستخدم بهذا المعنى إلا قليلا جدا.
لقد استعمل الحسين (ع) السلاح والرجال وكاتبهم وكتبوا إليه "فإنما تقدم على أجناد لك مجندة" وحسب حسابه على وفق ما أتته الرجال والكتب، وكانت دعوته واضحة لتغيير السلطة، فماذا بقي على الثورة؟

أيضا ذكر السيد جمال الدين بأن الحسين لم يخرج في سبيل الدين، بل خرج في سبيل الإصلاح المجتمعي ولهذا فقد أطلق عبارته الشهيرة "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" وهذا صحيح إلا أنه لا يتنافي مع خروجه أيضا في سبيل الدين وهو الذي قال معبرا عن ذلك: " ألا ترون الى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه" وقال: "فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: من رأى منكم سلطانا جائرا مُستحلا لحُرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله فلم يغيّر عليه بقول ولا فعل، كان حقا على الله أن يُدخله مُدخله. ألا وإن هؤلاء القوم قد أحلوا حرام الله وحرموا حلال الله واستأثروا بفيء الله.


وواضح من العبارة الأخيرة بان الحسين لم يكن يفرق بين الأمرين.
إن من الطبيعي أن أي إصلاح أو تغيير لا بد ان تكون له رؤية نظرية، والدفاع عن هذه النظرية هو ليس دفاعا عنها بذاتها، بل هو دفاع عن المظلومين الذين لأجلهم خرج الحسين بلا شك.
نعم اتفق مع الكاتب بأنه حصل تحريف معنوي في أهداف الحسين بل في فلسفة الدين عموما عندما تم التفريق بين الدين وبين المؤمنين به، فصار مجرد فكرة نظرية وسلوك منفصل عن وضع الناس وحالهم معاشهم، ولهذا أنكرت عبارة قرأتها يوما تقول: خرج الحسين ليحارب شاربي الخمر ولاعبي القمار" وهذا غير صحيح، فإنّ شرب الخمر ولعب القمر لا يجابهان بالسيف بل بالنصح والتعليم، وأما خروج الحسين فكان يهدف إلى تغيير حكم فاسد.

وهذا الفهم أمر أدى إلى ما نشاهده من مجتمع متديّن شكليا، لذا كان تدينه يقترن دائما بالبؤس والتخلّف.
بقي أمر أخير وهو أن الثورة يمكن ان تغير وضعا سياسيا أي تصلح حال الجمهور في معاشهم، لكن الإصلاح الديني لا يحدث إلا بالتثقيف، بالفكرة، إنها مسؤولية المثقف.



إرسال تعليق

0 تعليقات