آخر الأخبار

مقاصد الخلافة والاستخلاف






مقاصد الخلافة والاستخلاف


د.أحمد دبيان

فى النص القرآني المنزل ، وردت اللفظة خليفة فى موضعين الأول كان مطلقا لخلافة الله على الأرض اى إقامة مقاصده فيها (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، والمقاصد هنا تم تحديدها بصيغة التضاد حين سأله الملائكة دهشة واستنكارا ، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟
اى ان المقاصد الكلية والفلسفة الإلهية من استخلاف آدم كممثل للجنس البشرى على الأرض هو عدم سفك الدماء او الإفساد على المطلق .
وكان الجواب الالهى تأكيدا لهذه الفلسفة الإلهية
( انى اعلم ما لا تعلمون )
لن ندهش حتى حين سفك قايين ( قابيل ) الدماء ، وقتل أخيه هابيل ، فكان الخرق للقانون الالهى ، وشرطية الخلافة والاستخلاف بتحريم القتل او الفساد والإفساد فكان التصوير التوراتى عاصفا ؛
َكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟»
فَقَالَ: «مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ.
فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ.
مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ».
فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: «ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ.
وجاء التصوير القرآنى لذات الحدث ببلاغة اللفظ الالهى المنزل ؛
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وكان القتل وسفك الدماء خرقا للناموس الشرائعى الالهى فكان الحكم نزعا للاستخلاف وإعطائه لأخيه شيث ونسله إقرارا بان قتل نفس واحدة بغير حق تم تحديده بالقصاص أو الإفساد والحرابة فكانت قتل الإنسانية كلها على اختلاف نحلها ومللها ونزعا للاستخلاف.


مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
جاء الذكر الثانى للقب الخليفة حين خاطب الله تعالى نبيه وملك بنى اسرائيل داوود
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
فكان شرطية الاستخلاف هنا الحكم بين الناس على اختلاف مشاربهم ونحلهم بالعدل وتنحية الهوى ، وكان الاستخلاف الأول لبنى اسرائيل وقد كانت مملكة يهوذا فى عهد نبى الله داوود وولده سليمان كملوك هى أقصى تمدد واتساع لبنى إسرائيل ولسبط يهوذا ، وليتم نزع الخلافة بعد ان سرى الفساد وتقسمت المملكة فى عهد ولده رحبعام حين خالفوا الأوامر الإلهية ورسخوا لاستعباد الأمم ، بمحاولة ترسيخ الخلافة وجعلها حكرا على بيت يهوذا .


وحين جاءت الرسالة المحمدية كان الاستخلاف أيضا بنفس شرطية العدل وعدم الإفساد
وحين غرق الإتباع فى الفساد والإفساد وتجارة الدين وتفصيل الفتاوى تبريرا لزهق النفس على اختلاف الملل كان القضاء قاطعا
( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )
فصار الاستخلاف والبقاء والعلو للأصلح والأكثر امتلاكا لأدوات العدل بإقامة مقاصده من رفعة وإعلاء لقيمة الإنسان دون النظر إلى دين أو ملة أو معتقد .


إرسال تعليق

0 تعليقات