آخر الأخبار

التعليم والتربية السياسية





التعليم والتربية السياسية


د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
معروف لمعظمنا إن الديمقراطية الليبرالية هي أفضل نظام سياسي توصل له الإنسان حاليا لأنه نظام مرن ولا يعتبر حل نهائي لكن قدرته على تصحيح نفسه (نظريا) تعطيه أفضلية على سائر النظم، لكن هناك عيب معروف في هذا النظام وواضح للكل إنه ببساطة الديمقراطية ليست شرطا ان تأتي بأفضل الناس، لكن في العادة تأتي بالأنجح في البروباجندا، صحيح إنها تصحح نفسها بعد التجربة والخطأ، لكن لو أتي شخص مثل هتلر مثلا ممكن يقوضها تماما وفكرة التصحيح الذاتي هذه تلقي في أقرب مقلب قمامة. العجيب إن العيب هذا موجود من أيام سقراط، الرجل انتقد النظام الديمقراطي (بمعنى حكم الشعب) بشدة، قال ببساطة إنه لا يصح ان تعطي زمام السفينة لأحد لا يعرف كيف يقودها وتتوقع نتائج إيجابية، وفي كلامه هذا هو يضع الحل لهذه المشكلة، التعليم والتربية السياسية.

السياسة أمر مكتسب وليس فطري أبدا ونظرا لأهميتها الشديدة فالتربية السياسية وتعليم التفكير النقدي منذ الصغر من المفترض ان يكون أساسي مثل تعليم القراءة والكتابة لأن محو الأمية السياسية هي أول الطريق للشعب حتي يحكم نفسه ويكون النظام الديمقراطي مبني على أساس سليم. التعليم ضلع واحد، والإعلام أيضا ضلع أخر، عندما يكون الاجتهاد إن الإعلام يقدم حقائق وليست بروباجندا هذا أيضا سيساهم كثيرا في العملية السياسية السليمة، وكذلك تعليم الفكر النقدي من الصغر ممكن يعالج مشاكل كثيرة في الإعلام. المهم إنه منذ زمن سقراط لليوم لا أظن إن فيه نظام سياسي سواء لدولة متقدمة أو متأخرة اهتم بتربية سياسية مكثفة من الصغر مع التعليم الأساسي لعلاج مشاكل الديمقراطية وتأهيل الشعب للحكم، نعم هناك معلومات تقال لكن أغلب التربية السياسية والممارسة يكون في سن الجامعة، وعادة نتيجة لعمل الأحزاب أو الجماعات المختلفة أو حتى المبادرات الفردية، ليس هناك شك ان الوعي السياسي في بلدان أفضل من بلدان أخري، لكن في النهاية أمريكا انتخبت ترامب، اقصد إن هناك مشكلة في الديموقراطية وحلها معروف لكن لا احد يهتم بالحل فعلا. لا أريد أن أقول إنها مؤامرة حتي ان لا يكون الحكم فعلا للشعب، لكن ما أستطيع ان أقوله إنه خطأ كبير جدا لأن مصير بلدان بكاملها ويمكن العالم كله يكون مبني على اللحظة التي فيها أبسط مواطن سيختار مرشحه في الانتخابات.

أثناء حملة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر معنوياً أيام الرئيس أنور السادات، كتب السيد صلاح الشاهد كبير أمناء الرئاسة مع عبد الناصر ثم أنور السادات واقعة يستشهد بها على تجبر جمال عبد الناصر وجليطته مع رجال الدولة والوزراء الذين رافقوه فى رحلته البحرية إلى تسخالطوبوا بالاتحاد السوفيتي.

كان جمال عبد الناصر يتغدى وحده، بينما وزرائه يأكلون على سفح المركب.

طلب صلاح الشاهد أن ينقل مائدة جمال عبد الناصر إلى جوار مرافقيه، نقل له الأرز والفاصوليا باللحمة وطبق السلطة، ورأى عبد الناصر على المائدة أشكالاً غريبة من الطعام فسأل، قال صلاح الشاهد هذه بيكاتا شامبينيو، جريلد فيل، بروكولى سوب، فواجرا، أورديفر كانيلونى، بريانى، سيمون فيميه، ووو.

ثار عبد الناصر قائلاً وزراء عبد الناصر يأكلوا مما يأكل منه شعب مصر ورئيس مصر.

 هذا هو الرجل الذى قال عنه السيد عمرو موسى أنه كان يرسل ليستورد طعامه من سويسرا، وهذا هو الرجل الذي رأى فيه السيد عمرو موسى أنه تسبب فى كل مشاكل مصر، وأن ٥ يونيو لم تكن نكسة، فهى هزيمة ثقيلة جداً، وأنها كانت بداية لطريق طويل انتهى بثورة يناير. وهنا أعجب كيف لا يعرف وهو الوزير الكبير أن الحرب صورة من صور الصراع السياسي، وأن خسارة معركة لا تعد هزيمة مادامت لم تكسر إرادة الأمة، بدليل أن عبد الناصر هو الذي أقام حائط الصواريخ فى رأس العش وتدمير إيلات وحرب الاستنزاف، وهو الذى وضع خطتى جرانيت ١و٢ التى كسبنا بها حرب أكتوبر.

وكيف لا يعرف السيد عمرو موسى أن ما أدى إلى ٢٥ يناير هو انقلاب السادات ومبارك على مشروع ناصر فى الاستقلال الوطني وحولوه لتبعية مقيتة للولايات المتحدة وإسرائيل. إن الانقلاب على مشروع يوليو الناصرى فى التنمية والتصنيع وعدم الانحياز، والانتقال من العدالة الاجتماعية والاشتراكية إلى آليات السوق والرأسمالية المتوحشة هو ما أدى لثورة يناير.
ظهرت فكرة الإخوان المسلمين كجماعة بعد حقب تاريخية تحمل فكر معين بطابع سري وكان وجودها دوما مرتبطا أما بحقب انهيار أو قمع فكري. أكثر مراحل التاريخ وجودا لفكرة الإخوان المسلمين كانت مرحلة قمع الكنيسة في أوروبا لأي فكر مخالف لها والتنكيل به بشدة.

 عادة ما كانت جماعة الإخوان المسلمين تحافظ على سريتها خشية القمع واستطاعت أغلب الأحيان اجتذاب كتل بشرية ضخمة لفكرها مكنها الانتصار في بعض الأحيان. لم يكن وقت تأسيس جماعة الإخوان سنة ١٩٢٨ أي قمع فكري لكنها نشأت ضمن تيار إسلامي واجهه تيار قومي نشطا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. لم تتأثر مصر بالتيار القومي بعد انهيار الدولة العثمانية لاعتزازها بهويتها المصرية لذا لم ينشط بها إلا التيار الإسلامي بل هي التي مهدت مولده.

بعد سقوط الدولة العثمانية في ١٩٢٣ عانت مصر تشتت بالهوية بين المصرية والإسلامية وكان التيار القومي بعيد عنها حتى أتى الرئيس جمال عبد الناصر بشعاراته القومية. لم تكن جماعة الإخوان المسلمين سرية في بادئ الأمر بل أن حسن البنا كان يفصح عن نفسه وعن جماعته بل وحاول تأسيس حزب سياسي للمنافسة على السلطة. انضم لجماعة الإخوان جموع شكلت نسبة من الشعب المصري قبل مجئ الرئيس جمال عبد الناصر لذا سمحت إمكانيات الجماعة البشرية الضخمة بالتواجد على كل صعيد. كان تحالف الرئيس جمال عبد الناصر مع الإخوان واحد من أسباب صعوده للسلطة ١٩٥٤ لشعبيتهم في مصر وقتها بعد الإطاحة بالرئيس محمد نجيب.

كان الرئيس محمد أنور السادات محاصرا برجال الرئيس جمال عبد الناصر وهم الذين يحركون الشارع ضدّه، ففتح الباب لعودة الإخوان لمقاومتهم خاصة بالجامعات المصرية. تزامنا مع إخراج الرئيس أنور السادات لقادة الإخوان من السجون والسماح لهم بالعمل السياسي قدم نفسه بالرئيس المؤمن ليحقق شعبية جمال عبد الناصر لكن برداء ديني.

 بمجرد عودة الإخوان للساحة بعد إخراج الرئيس أنور السادات لقادة الجماعة من السجون استطاعوا ضم أعداد من الشعب للجماعة ثانية خاصة خارج القاهرة والإسكندرية.
 أما علي الصعيد العربي انتشر فكر الإخوان المسلمين بكل البلاد العربية واستطاعوا البقاء تحت مظلة الأنظمة بعامل السرية التي انتهجوها. تواجد الإخوان في دول الخليج فسببه كان الصراع بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل رحمة الله عليه، الذي احتضنهم واستفاد منهم حيث معظمهم كانوا كفاءات وقتها. بقاء فكر الإخوان وانتشاره بعض الشيء يرجع لازمة الهوية التي يعانيها العرب. بمجئ الربيع العربي كان الإخوان في مصر وتونس وليبيا واليمن الفصيل الوحيد الباقي بسبب سريته حيث تم قمع الجميع لعقود طويلة. أهم أخطاء قادة الإخوان استعجال تصدرهم المشهد السياسي بعد عقود فساد وتحالفهم مع الخارج والاطمئنان لهم رغم أن الربيع العربي قام ضد الفساد والقهر.



إرسال تعليق

0 تعليقات