حرب الفيديوهات من المقاول الإسرائيلي إلي الملثم
المجهول
محمد قياتى
يخطئ من يظن أن ما يجري منذ
ثلاثة أسابيع وأكثر على منصات مواقع التواصل الاجتماعي ، والقنوات والمواقع
المعادية هو تحرك عشوائي أو وليد الصدفة، ويخطئ من يظن أن هذا القصف المكثف بكل
أنواع الأسلحة الثقيلة التي تستهدف العقل والوعي العام المصري مجرد موجة لن تتلوها
موجات أخرى ربما تكون أكثر عنفا، والواجب في هذه اللحظات المرتبكة والمنذرة
بالفوضى أن نقف بشكل واضح ومحدد تجاه هذه الحملة المنظمة التي بالقطع تقف خلفها
دول معادية وأجهزة مخابرات مناوئة، ومن لا يرى البصمات الواضحة لهذه الدول
والأجهزة إما أن لديه قصر في النظر أو أنه يظن أن كل ضربة تستهدف جسد النظام هي
بالضرورة تصب في مصلحته كمعارض.
ولكن دعونا أولا نعرج على تلك
الفيديوهات المسمومة التي يظنها البعض علاجا لداء أصابه أو وجع ألم به أو ظلم تعرض
له، لا تخرج مجمل تلك الفيديوهات عن كونها محاولة لإسقاط الهيبة ونزع الثقة عن
مؤسسات الدولة وعلى رأسها وفي القلب منها الجيش المصري، ولا يوجد سلاح أكثر نجاحا
لتعرية شخص أو كيان وإسقاطه أمام جمهوره ومؤيديه من اتهامه بالسرقة والفساد ووضعه
محل شك واستهزاء، وهو بالضبط ما يحاولون فعله منذ اللحظة الأولى دون أي سند أو
دليل، والغريب أن أكثر المضارين من سقوط هيبة القوات المسلحة وقذف منصب وشخص رئيس
الجمهورية بكل التهم والموبقات هم من يشاركون بجهل وغياب وعي في هذه الحملة
الممنهجة التي تستهدفهم هم قبل أن تستهدف الجيش أو الرئيس، ويخرج أكثرهم اتزانا
ليطالب بتحقيق فيما قاله المقاول وأشباهه وكأن المطلوب من أن يقدم المتهم دليل
برائته من تهمة لم يقدم الشاكي عليها دليلا ولا حتى قرينة.
ومع أن الحملة كلها يكاد حبرها
أن ينطق بلسان عبري مبين فإن المقاول أراد أن يضيف جديدا على الشواهد ويقدم دليلا
بلسانه على تبعيته لأجهزة مخابرات معادية عندما راح يهذي عن قدرة إسرائيل على
احتلال مصر خلال ساعات، وأن الدولة العبرية لديها من التفوق ما يمكنها من هزيمة
الجيش المصري هزيمة ساحقة، ثم راح يردد هذيان جماعة الإخوان وحلفائها عن أن
الإرهاب صناعة أمنية ومخابراتية وأن ما يجرى في سيناء من عمليات إرهابية هي من صنع
الدولة للفت الأنظار وإلهاء الجمهور، وإذا كان أي شخص لديه قدر من الوعي والضمير
بل والأخلاق لا يمكنه أن يتقبل ويمرر مثل هذا الهذيان المفضوح، فكيف يمكن لنفس
العقل أن يتقبل كلاما من نفس الشخص عن فساد محتمل في القوات المسلحة أو حتى نقد
للواقع السياسي والاجتماعي الراهن، هل يمكننا أن نصطف في خندق شخص يدافع عن
الإرهاب ويروج لقوة إسرائيل وقدرتها على هزيمة مصر عسكريا.
أما آخر الفيديوهات المسمومة
فبثها شخص ملثم يدعي أن هناك صراعات بين الأجهزة الأمنية في مصر وتحديدا المخابرات
العسكرية والمخابرات العامة، وأن الأخيرة هي من تساند المقاول وتحميه بهدف الإطاحة
بالنظام، وأن على المصريين أن ينضموا لفريق المقاول لأنه الفريق الفائز "
المحمي مخابراتيا"، بل يؤكد أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على الرئيس
السيسي للتنحي عن منصبه والمجئ بالفريق محمود حجازي رئيس أركان القوات المسلحة
السابق أو رئيسها الأسبق سامي عنان، ويتوعد بإظهار فضائح خلال الفترة المقبلة تمس
القوات المسلحة وشخص الرئيس، وبصرف النظر عن موضوع الصراع بين الأجهزة الأمنية
والذي لا يقدم عليه شاهدا ولا دليلا، فإن الرسالة التي يريد ترويجها وتأكيدها هي
تشجيع الناس على التظاهر والخروح في مواجهة النظام القائم وتطمينهم بأن الخروج لن
يكون مكلفا لأن هناك أجهزة في الدولة تدعم الإطاحة بالسيسي ونظامه، والهدف واضح
خروج مجموعات أية كان حجمها ثم افتعال صدام يؤدي إلي سقوط قتلى أو القيام بعمليات
قتل مدبرة مسبقا لإشعال البلد ودفع آخرين للنزول والتظاهر .
لا شك أن فيديوهات المقاول أو
فيديو الملثم هي جزء من حملة منظمة تدار مخابراتيا، ولا شك أن تلك الفيديوهات ضمن
سيناريو معد سلفا وله مستويات متعددة سوف تظهر تباعا، فما يجري الترتيب له يوم
الجمعة هو مجرد بروفة أولية لها ما بعدها، والأزمة ليست في تلك الحملة وإن كانت
أشد تنظيما وضراوة من سابقتها، ولكن الأزمة الحقيقية في كيفية التعامل معها والرد
عليها وهو ما يمثل خللا واضحا يجب أن يعالج بحكمة وحرفية .
ختاما لا أبرئ النظام من
ارتكاب الأخطاء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، ولست بالقطع
أوافق على ما يجري في ساحة السياسة والإعلام على وجه التحديد، والضرورة تقتضي أن
تكون هناك وقفة مع هذه السياسات والتوجهات وأن يتم تعديل المسار والاستماع للجميع
دون إقصاء، غير أنني لن أسلم عقلي ووجداني وفطرتي لمحاولة مشبوهة لإشاعة الفوضى
والقفز إلي المجهول .
0 تعليقات