آخر الأخبار

عقلية القطيع






عقلية القطيع

د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق

‏"الإدعاءات غير الاعتيادية تتطلب أدلة غير اعتيادية" مقولة شهيرة لعالم الفيزياء الكونية الأميركي (كارل ساجان). مضمون هذه المقولة المنطقية يصطدم مباشرة بلا منطق وعالم "السوشيال ميديا" حيث الادعاءات كبيرة كانت أو صغيرة بلا أدلة أصلا، ‏والمعلومات المزيفة تستطيع أن ترتدي ثوب الحقيقة بسهولة لتنتشر دون أن يتوقف أحد ليفحصها أو يبحث عن براهين لإثباتها أو نفيها. ‏طبيعة مواقع "السوشيال ميديا" فرضت نمطا ثابتا لأسلوب تدفق المعلومات، فسرعة الانتشار والأسماء المستعارة والقدرة على الحشد والتوجيه، عوامل ثلاثة حولت كثير من المعلومات المزيفة الى تيار متدفق سريع، يجعل مستخدم هذه المواقع أمام خيارين إما ركوب هذا التيار وإما الوقوف ضده والتصدي له في مهمة شبه انتحارية، وقد يكون هناك خيار ثالث هو الصمت لتجنب هذا التيار المعلوماتي الجارف، لكن حتى الصمت في مواقع "السوشيال ميديا" يحمل دائما دلالات تضع صاحبها مع أو ضد التيار.
‏أكثر أنواع المعلومات المزيفة نجاحا هي "أشباه المعلومات" التي تمزج بين معلومات حقيقية وأخرى مدسوسة، وتحت غطاء المعلومات الحقيقية تمر المعلومات المدسوسة دون أي إثبات لصحتها.

‏لكن لماذا يميل الكثير من الناس عموما الى تصديق "شبه المعلومة" بدون دليل؟؟

‏أحد الأسباب هو ظاهرة "الانحياز التأكيدي"، فالإنسان عموما يميل الى تصديق المعلومة التي تدعم قناعاته هو شخصيا، فإذا كنت على خلاف مع مديرك في العمل لأسباب إدارية بحتة ثم جاء من يخبرك أن هذا المدير مرتشي ستميل الى تصديق هذه المعلومة ولن تسأل عن مصدرها أو أدلة صحتها. والعكس صحيح ...

‏إذا "الانحياز التأكيدي" لا يغير وجهات النظر لكن يؤكدها، وهذا ما يمكن رصده عبر "السوشيال ميديا"، حيث تستطيع التنبؤ بموقف فلان أو إعلان من "شبه معلومة" منتشرة، لكن كيف تنجح هذه المعلومة المزيفة في تغيير وجهات النظر؟؟، هنا يظهر عنصران مهمان هما "الانحياز العاطفي" و"عقلية القطيع"، في حالة "الانحياز العاطفي" يميل الإنسان الى تصديق معلومة بناءا على الأداء العاطفي المؤثر، فإذا شاهدت مقطع "فيديو" لطفلة تبكي بكاءا مريرا ثم قرأت المنشور المصاحب لهذا المقطع متضمنا بعض المعلومات مثل أن هذه الطفلة تعيش مع زوجة أبيها الفلانية في الشارع الفلاني، (وهذه معلومات حقيقية) ثم تأتي (المعلومة المدسوسة) وهي أن زوجة الأب تعذب الطفلة بالطريقة الفلانية، هنا قد تجد نفسك تلقائيا تقوم بالتعليق على الفيديو المؤثر لتصب اللعنات على هذه السيدة المجرمة، تعليقك وتعليقات غيرك ستتحول الى تيار متدفق من المعلومات المزيفة التي لا يدعمها أي دليل‏، وهنا تظهر "عقلية القطيع" فعند انتشار "أشباه المعلومات" يميل كثير من الناس الى اعتبارها حقائق ثابتة طالما أن هناك إجماع عليها.

‏هذه العناصر التي تساهم في اتساع تأثير "أشباه المعلومات" تلقائيا لكن ماذا لو لم يكن الأمر تلقائيا وكان تيار المعلومات المتدفق بفعل فاعل؟؟ هنا يمكن توجيه الآراء وتغييرها وهذا ما تقوم به الحملات الممنهجة عبر "السوشيال ميديا"، إما باستغلال واقعة حدثت بالفعل، أو باختلاقها من العدم.
‏لكن يبقى الهدف الكبير واحدا وهو تشكيل صورة ذهنية سلبية عن شخص أو مجموعة بشرية أو نظام سياسي ..الخ، وهذا هو أخطر أهداف هذه الحملات التي لا يزال البعض يظنها عشوائية، أو مجرد وسيلة للتنفيس "الحميد" عن الغضب أو الحقد الدفين.




إرسال تعليق

0 تعليقات