آخر الأخبار

اردعان والإخوان ونظرية الفوضى





اردعان والإخوان ونظرية الفوضى


د. محمد إبراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق


منذ زمن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة في ١٩٢٣ لم يحدث أن تكالبت المشاكل على رئيس من رؤسائها كما يحدث اليوم مع رئيسها رجب طيب أردوغان الذي يحاول استعادة ما كان لها ذات يوم من سطوة وتمدد زمن الدولة العثمانية. وقد رأينا ذلك في سياسات أنقرة تجاه مصر والعراق وسورية وليبيا.
 خطب الرئيس التركي أنصاره في ١٩ يونيو الجاري : "نحن، باسم (دولة) تركيا، سنتابع هذه القضية (وفاة الدكتور محمد مرسي) وسنبذل كل ما في وسعنا لضمان محاكمة مصر أمام المحاكم الدولية بسبب وفاة مرسي"، ودعا منظمة التعاون الإسلامي للتحرك من أجل الهدف نفسه.

 كما وعد أردوغان أنصاره بأنه سيثير مسألة وفاة الدكتور محمد مرسي في قمة مجموعة العشرين في اليابان. وأيضا في خطابه تجاه الخليج العربي حمل في ثناياه كثيرا من الغطرسة التي وصلت إلى حد التشكيك في أهلية المملكة العربية السعودية لرعاية المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

 وأيضا اصطفافه علنا إلى جانب قطر في مشكلات الأخيرة مع جاراتها الخليجيات، وأيضا أسلوب أردوغان وتعليقه في القمة الروسية - التركية - الإيرانية الأخيرة في أنقرة على الاعتداء الإيراني على منشآت النفط السعودية في "بقيق"، حينما قال "دعونا نتساءل من أعلن الحرب على اليمن؟"، بدلا من أن يدين الحدث الإرهابي صراحة.
ونتيجة لهذه السياسات والتدخلات التركية غير المسبوقة يقف أردوغان اليوم لوحده لا حلفاء له سوى موسكو ونظام الملالي في طهران.

فعلاقاته متوترة مع مصر، والثقة بينه وبين دول الخليج العربية عدا قطر معدومة، وحلفاؤه في ليبيا يحتضرون على أيدي قوات الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، وطموحاته في حيازة موقع استراتيجي في ميناء سواكن السوداني عصفت بها ثورة السودانيين ضد نظام عمر البشير، وتحالفاته التاريخية القديمة مع واشنطن تظللها الشكوك بسبب روابطه الجديدة مع موسكو، وابتزازه للاتحاد الأوروبي للحصول على مساعدات تحت تهديد إغراق الدول الأوروبية بالمهاجرين لم تنفعه بل أزمت علاقاته مع الأوروبيين أكثر فأكثر، وهيمنة حزب أردوغان الحاكم "حزب العدالة والتنمية" على القرار في كبريات المدن التركية "إسطنبول" ذهبت أدراج الرياح بفوز الشاب المعارض أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب المعارض" على رأس بلدية المدينة في الانتخابات التي أعيد إجراؤها في يونيو من العام الجاري.
ها هو أردوغان يقف اليوم عاجزا حتى حيال رص صفوف حزبه الحاكم ومنعه من الانفراط في ضوء استقالة كثير من رموزه الأقوياء الساعين إلى تكوين أحزاب سياسية بديلة منافسة بعدما طفح بهم الكيل من ديكتاتورية الرجل وتمرده على المبادئ الأساسية التي تم تأسيس حزب العدالة والتنمية على أساسها، وذلك طبقا لتصريحات ثلاثة من كبار رفاقه السابقين وهم أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، وعلي باباجان نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية والاقتصاد السابق، وعبدالله جول رئيس الجمهورية السابق.
أما في موضوع التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية القبرصية الذي اعترضت عليه حكومة أردوغان بصفتها حامية الجزء الذي استولت عليه أنقرة بقوة السلاح في عملية غزو مفاجئة سنة ١٩٧٤ زمن رئيس الوزراء الأسبق بولنت إجيفيت، وهو جزء يعرف بدولة قبرص التركية ولم يحظ إلا باعتراف أنقرة وحدها، فقد تلقى أردوغان صفعة من الاتحاد الأوروبي الذي اصطف مع قبرص باعتبارها عضوا في الاتحاد، وحذر من المساس بحقوقها في استخراج ثرواتها رافضا المزاعم التركية ومستهجنا في الوقت نفسه تهديدات أردوغان بفتح صنبور المهاجرين نحو أوروبا عبر شواطئ وجزر اليونان.
وبعد الصفعة الأوروبية جاءته صفعة طال انتظارها من السعودية في صورة التنسيق مع قبرص اليونانية والاعتراف بحقها في ثرواتها النفطية البحرية، طبقا لما جاء في بيان رسمي صدر في 12 سبتمبر الجاري في أعقاب زيارة تاريخية وغير مسبوقة قام بها وزير الخارجية السعودي إلى الشطر اليوناني من قبرص.
علما بأن مصر صبرت كثيرا على إساءة النظام الأردوغاني تجاهها وتجاه رئيسها وذلك من باب الحفاظ على روابطها مع الشعب التركي، لكن يبدو أن صبر القاهرة قد نفذ من المغالطات والأكاذيب التي يعيش عليها نظام أردوغان، فهو يصدر خطابا إعلاميا لجماعة الإخوان يدعون للتظاهر السلمي يوم الجمعة القادم لكن هذه الدعوة هي مجرد غطاء لنشاطهم الأساسي.

ينخدع الكثير من الشعب المصري في إدعاءات الإخوان المتعلقة بنضالهم السلمي، ذلك أن لا أحد منهم يتابع تعاليم الإخوان الموجهة إلي الكوادر والقواعد الاخوانية، ولا أحد يسأل نفسه لماذا أنشأت الجماعة تنظيما سريا مسلحا إذا كانت فعلا هي جماعة دينية دعوية سلمية لا تبغي إلا الإصلاح لوجه الله.

 السلطة في الفكر الاخواني لها طريق واحد هو القتل والحرق والاغتيال والتدمير ونشر الخراب والفوضي وكله لوجه الله، هذا هو الطريق السلمي الوحيد الذي حدده الاخوان للصعود إلي السلطة منذ اليوم الأول لنشأة الجماعة، فلقد كانت الدعوة إلي الله هي الستار الذي تواري خلفه التنظيم الأساسي للجماعة وهو التنظيم السري المسلح.

 إن دعواتهم المتكررة للتظاهر السلمي هي الغطاء الذي يصدرونه للعالم بينما النشاط الفعلي المركز الذي يجري إعداده خلف ستار التظاهر هو تحويل مصر إلي خرابة ينعق البوم علي شواهدها المحطمة.

 أذكر الجميع بما قام ويقوم به الإخوان حتي الآن باسم السلمية وباسم الله وباسم تحقيق العدالة والمساواة وباسم الحرية والديمقراطية من تفجير الكنائس وقتل النساء والأطفال، وقتل فلذة أكبادنا من شباب الجيش والشرطة وتعطيل عمليات التنمية والقضاء التام علي السياحة.

 لقد قال الدكتور محمد بديع ذات يوم من فوق منصة رابعة "سلميتنا أقوي من الرصاص، وبالفعل سلميتهم أقوي من الرصاص" فهي تبعثر أحشاء الأطفال في الكنائس والجوامع، وتذبح الأبرياء ذبح الشاة في ليبيا، وتحرق جثث جنودنا بعد قتلهم في شوارع القاهرة وفي سيناء، وتنشر الخراب والموت والدماء في سوريا.








إرسال تعليق

0 تعليقات