آخر الأخبار

مصر وإثيوبيا والمياه الافتراضية





مصر وإثيوبيا والمياه الافتراضية


د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق


أعلنت وزارة الموارد المائية والري، تحديد موعد اجتماع سداسي في 15 سبتمبر؛ لبحث المقترح الذي تقدمت به مصر للجانب الإثيوبي بخصوص الأمور الفنية لسد النهضة. وأوضح أن المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا تسير ببطء شديد، مشيرًا، إلى أن الجانب الإثيوبي لديه حساسية خاصة فيما يخص التعاون الثنائي من خلال لجان مشتركة تعرض حالة النيل وما تم تخزينه وحجم التأثير على المناسيب التي تصل إلى مصر. وكانت وزارة الموارد المائية والري، تقدمت بمقترح إلى المسؤولين في إثيوبيا، لإدارة وتشغيل سد النهضة وفقًا للمتغيرات والظروف الخاصة بالفيضان والجفاف. ولفت المصدر، إلى أن المقترح يحتوي على 6 بنود أهمها، إخطار مصر بحجم الملء والتخزين خلال سنوات الجفاف، ومواعيد صرف التفريغ والكمية المحددة؛ حتى لا تتأثر السدود الخلفية لسد النهضة في السودان أو السد العالي، مضيفًا: "أننا على استعداد كامل لإرسال فريق فني متخصص لديه خبرة عالية للتعاون".


إثيوبيا ليست بعيدة جغرافيا بل هي في دائرة اهتمام مصر بالجغرافيا الاقتصادية والسياسية. يبلغ سكان إثيوبيا أكثر من 100 مليون، كما أن لدينا معها بعض التقاسمات التاريخية. عانت إثيوبيا أمنيا واقتصاديا وسياسيا منذ سقوط الإمبراطورية في 1974 مرورا بالحقبة الشيوعية إلى أن تولى ملس زيناوي السلطة.
في ظل الاستقرار تحت سلطة ملس زيناوي بن امليص (8 مايو 1955 - 20 أغسطس 2012)، استطاعت إثيوبيا تحقيق نسبة نمو حقيقي عالية مقارنة بدول إفريقيا والشرق الأوسط على الأقل تلك التي بحجمها السكاني والجغرافي. نجح في تحقيق نمو حقيقي عال، فمنذ نحو 35 عاما مضت حقق نسبة 5.6 في المائة، وفي الأعوام العشرة الماضية حتى 2017 نسبة تصل إلى 10.6 في المائة، إلا أن النمو سجل انخفاضا ليصل إلى 7.7 في المائة في آخر عامين. مازال الاقتصاد الإثيوبي زراعيا فإثيوبيا من أقل الدول قياسا على حجمها السكاني تمدنا، فسكان أديس أبابا نحو 5.5 مليون، أقل بكثير من القاهرة ولاجوس في نيجيريا.


إحدى خصائص الاقتصاد الإثيوبي الفقر في الطاقة فحتى بعد التقدم الكبير في توفير الكهرباء إلا أنه مازال 40 في المائة من المدن الصغيرة والأرياف غير مربوطة بشبكة الكهرباء الرئيسة ولذلك هناك عجز مقارنة ببعض دول إفريقيا والشرق الأوسط. نحو 97 في المائة من الكهرباء من الطاقة الهيدروليكية ولذلك إثيوبيا من أنظف دول العالم في مصادر الطاقة، لعل هذا المسعى يأخذ زخما جديدا بعد اكتمال مشروع السد الضخم (الموعد الجديد 2022) الذي تأجل إكماله بسبب قضايا مالية وإدارية، كذلك لهذا الموضوع أهمية قصوى بتأثيره في مصر خاصة والسودان بدرجة أقل.
كان البروفيسور جون أنتوني آلان John Anthony Allan من كلية كينجز لندن ومدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية أول من طرح مفهوم الماء الافتراضي، وذلك لدعم حجته أن البلدان في الشرق الأوسط يمكنها أن توفر من مواردها الشحيحة أصلاً من المياه العذبة بالاعتماد بشكل أكبر على استيراد الغذاء. وكان قد اقترح مصطلح «المياه الحقيقية»، أي الافتراضية، قبل عقدين من الزمن؛ ثم تعاقبت الأبحاث والدراسات التي تسعى إلى استكشاف واقع وآفاق هذا الطراز من المياه.
ان ندرة المياه مع تعنت دول المنابع بعدم إيجاد حلول منطقية لمشاكل المياه حتما ستؤدي لنشوب صراعات بين الدول على هذا المورد المهم للبشرية عموما وقد لا تكون بصيغة حروب عسكرية وإنما ستظهر بأشكال أخرى وأهمها الاقتصادية، فعندما تسرق حقوقك المائية من دولة ما وتنتج بهذه المياه مواد صناعية وزراعية وأخرى في بلدانها وتبيعها إليك فهي فعلا حرب اقتصادية يجب مواجهتها بنفس الأسلوب.
تعد المياه من أهم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه غالبية الأقطار العربية أسوة بالكثير من الدول النامية الأخرى في القرن الحالي وسوف تفوق أهميتها أهمية الطاقة في العقود القادمة. ظهر الى العالم اليوم مصطلح ونظرية "المياه الحقيقية" ويتداول على نطاق واسع في الدول الغربية المتقدمة التي بدأت تستخدمه بعض هذه الدول التي تعاني من مشكلة المياه. فالمياه الحقيقية تعني ببساطة هي كمية المياه الموجودة فعلا في الغذاء أو كمية المياه التي تستهلك من جراء العمليات الإنتاجية التي تتم لانجاز منتج ما.

 لقد أصبحت المياه الحقيقية مكون أساسي ومهما في إدارة المياه على المستويات العالمية حيث بدأت التجارة العالمية تأخذ بالحسبان قيمة المياه بتسعير أي منتج لها بالأسواق العالمية، لذلك يمكن القول ان مفهوم المياه الحقيقية سيساهم فعلا في زيادة الوعي لدى الناس ولتقليل الاستهلاك بالموارد المائية في الحياة اليومية.
يقول مروجي نظرية المياه الحقيقية "إذا استعملت نظرية المياه الحقيقية بحكمة فأنها ستساهم في حل الأزمات المائية العالمية والإقليمية".
تلعب العوامل الاقتصادية وتسعير الوحدات المائية دورا فعالا في مجالات ترشيد استخدامات المياه لذلك إذا لم تتخذ خطوات واقعيه بمسألة تسعير المياه فلن تعطي الوسائل الحديثة التي تستخدم بمجالات استعمالات المياه أي نتيجة في الواقع فلا بد من ان يكون للعامل الاقتصادي بمجالات المياه ومعرفة تكاليف أنتاج وتوزيع المياه من جهة ومقدرة موازنة الحكومة لتحمل النفقات على إدامة وتشغيل مشاريع المياه ومراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمستخدمي المياه من جهة أخرى.

ان استرداد التكاليف ليس مجرد سياسة ماليه إذ مع زيادة الندرة للمياه وشحتها وتزايد الطلب عليها ظهر أسلوب استرداد التكاليف كأجراء هام في سياسة الحفاظ على الماء ويمكن لهذا الإجراء ان يحقق هدفا ذا شقين هما تحصيل الرسوم لخفض الأعباء على موازنة الحكومة وفي الوقت ذاته حث المستهلكين على توفير المياه من خلال ترشيد الاستهلاك.
لذا لابد من دراسة مشاريع الخدمات المائية وتحديد التكاليف للتشغيل والصيانة لغرض تحديد سعر معقول لوحدة المياه والاستفادة من الموارد المالية المستردة لإدامة المشاريع وتحسين كفاءتها والتقليل من استهلاك المياه لتجاوز الفجوة المائية الحاصلة من جراء قلة موارد المياه اليوم.




إرسال تعليق

0 تعليقات