عْاشُورْاءُ
السَّنَةُ
السَّادِسةُ
(٣)
نــــــــــــزار حيدر
عاشوراء منهجٌ لا يترك أَثرهُ في نفوسِنا
وحياتِنا وسلوكِنا اليومي إِلَّا بثلاثةِ شروطٍ هي التي وردت في زيارة الحُسين
السِّبط (ع) الواردة عن أَبي عبد الله (ع)؛
أَلَّلهُمَّ آجعل ما أَقولُ بلسانِي حقيقتهُ
في قَلبي وشريعتهُ في عَملي، أَلَّلهُمَّ اجعلنِي ممَّن لَهُ مَعَ الحُسين قدماً
ثابتاً وأَثبِتي فيمَن استُشهِدَ مَعهُ.
عاشوراء ينبغي أَن تكونَ حاضرةً في اللِّسان والقلب
والعمل [الجوارِح] شريطةَ الثَّبات الذي يعني الإِستقامةِ والدَّيمومةِ.
إِنَّها رسالةُ [اللِّسان] وإِيمانُ [القلب] ومنهج
عمل [شريعة] للجوارح.
وهي نفسها شرُوط الإِيمانِ بالله تعالى ودينهِ
التي أَشار إِليها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {الاِْيمَانُ مَعْرِفَةٌ
بِالْقَلْبِ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالاَْرْكَانِ}.
وهذا الإِنسجام حدِّ التَّطابق بين شرُوط
الإِيمان باللهِ تعالى وشرُوط الإِيمان بعاشوراء دليلٌ على أَنَّ النُّورَ واحدٌ
والمصدرَ واحدٌ والهدفَ واحدٌ.
ومن هَذِهِ الشُّروط يمكنُنا إِستنتاج حقيقة
مفادها أَنَّ النَّاسَ من عاشوراء على ثلاثةِ أَنواع؛
*فمنهُم مَن يقف على قبرهِ الشَّريف ويردِّد
الزِّيارة كلقلقةِ لسانٍ لا يفهم ما يَقُولُ ولا يعي ما يرِدُ على لسانهِ ولا يفهم
معاني الكلمات ولا يتخيَّل جوهرَها وعُمقها.
*ومنهُم مَن يَقُولُ بلسانهِ وقد استقرَّ
المعنى في قلبهِ وكفى من دونِ أَن ينعكسَ ذَلِكَ في سلوكهِ وأَخلاقهِ وعلاقاتهِ
وطريقةِ تفكيرهِ وعملهِ أَبداً.
*ومنهُم مَن يُشفِّع الإِمام المعصُوم
ليوفِّقهُ الله تعالى ليكونَ من شُهداء عاشوراء، قولاً ومنهجاً وعملاً، وهم الذين
استقرَّ ما يقولُونهُ في أَلسنتهم في قلوبهِم ثم تحوَّل إِلى منهجٍ إِستقرَّ في
كربلاء.
عاشوراء تبحثُ عن النُّموذج الثَّالث على مرِّ
التَّاريخ، وقليلٌ ما هُم، الذين صدقُوا بقولهِم {وَنُصرتِي لكُم مُعدَّة} وما
أَعظمها من عبارةٍ تقشعرُّ لها الأَبدان وتتدكدكُ بسببِها الجبالُ الرَّاسيات.
بمعنى آخر، فإِنَّ قُربنا وبُعدنا عن عاشوراء
يُقاسُ بحجمِ تأثيرها في سلوكيَّاتنا اليوميَّة سواء على الصَّعيد الفردي أَو على
الصَّعيد الإِجتماعي.
فعندما ندعُو في قنُوت صلاة العيدَين {اللّهُمَّ
أَدْخِلْنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ أَدْخَلْتَ فِيهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ،
وَأَخْرِجْنِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ أَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ (ص)}
فهذا يعني أَنَّ سلوكيَّاتنا يجب أَن تتطابق مع سلوكيَّات عاشوراء ومقدِّماتها
ومُخرجاتها.
يلزم أَن نلمس أَثرها في علاقاتِنا الأُسريَّة
وفي تربية الأَولاد وفِي علاقاتِنا مع الجيران وفِي طريقةِ تعاملنا مع الآخرين
وتحديداً مع الآخر الذي نختلف معهُ في الخلفيَّة الثقافيَّة أَو الدينيَّة
والمذهبيَّة أَو حتَّى السياسيَّة، فكلُّ ذَلِكَ نجدهُ واضحاً لا لبسَ فِيهِ في
عاشوراء وتفاصيلها.
كذلكَ يلزم أَن نلمسها في طريقةِ تعاملنا مع
الإِصلاح كمشروعٍ إِستراتيجي، ومع الفساد والفاسدين، والظُّلم والظَّالمين.
إِنَّها رسمت حدُود كلَّ ذلك ليسَ بالتَّنظير
والكلام والشِّعارات، أَبداً، وإِنَّما بالنُّموذج الذي أَضاء الحدُود بالتَّضحية
والدَّم والشَّهادة.
فمثلاً؛
عاشوراء تعلِّمنا كيفَ يُمكننا أَن نكونَ
سبباً لاكتسابِ الآخرين خيرَ الدُّنيا والآخِرة، فعندما حرصَ الحُسين السِّبط
الشَّهيد (ع) على أَن تبقى باب التَّوبة مفتوحةً على مِصراعَيها للإِلتحاقِ بهِ
حتى آخر لحظة قَبْلَ بدْء المعركة في عاشوراء، فهذا دليلٌ على أَنَّهُ (ع) لم
يتعامل مع الآخر بالعواطِف أَو بروحِ الإِنتقام والحقد والكراهيَّة أَبداً
وإِنَّما بروحِ الحُب، حبَّ الخير لكلِّ النَّاسِ ما لم يقع السَّيف بينهُ وبينهُم.
إِنَّها القاعدة التي رسمَ معالمها أَميرُ
المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ لولدهِ الحَسن السِّبط (ع) بقولهِ {يَا بُنَيَّ،
اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ
لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ
تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ
يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ،
وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا
لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ
يُقَالَ لَكَ}.
وهي القاعدةُ التي ترسم العلاقة بين أَفراد
المُجتمع الواحد بغضِّ النَّظر عن الإِختلاف في أَيَّة خلفيَّة، فهيَ تشملُ (غيرك)
بالمُطلق فلم تحدِّد دينهُ أَو مذهبهُ أَو خلفيَّتهُ أَو عشيرتهُ، على اعتبار
أَنَّ المُجتمع وحدةٌ واحدةٌ بلا تمييز، وبغيرِ هَذِهِ الطَّريقة من التَّفكير
فسوفَ لن يتحقَّق الإِستقرار الذي أَساسهُ التَّعايش والذي يتحقَّق بالإِعتراف
واحترام التعدديَّة والتنوُّع، أَلم يقُل ربُّ العزَّة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
ولنتصوَّر كم ستتغيَّر حياتنا إِذا التزمنا
بهذهِ القاعدة ولَم نحِد أَو حتَّى نغفل عنها.
سينتشرُ الخَير ويعمُّ كلَّ المُجتمع
كالأَواني المُستطرقة وسينحسر الشَّر شيئاً فشيئاً لأَنَّهُ لم يعُد في المُجتمع
من يتمنَّى أَن يُصابَ بهِ الآخرون بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال.
0 تعليقات