آخر الأخبار

رؤية سياسية … سد إثيوبيا والحل السياسي …






رؤية سياسية …
سد إثيوبيا والحل السياسي …

السفير هانى عزت بسيونى


خالفت إثيوبيا القوانين الدولية وتحاول أن ترسخ نموذج للفوضى والاستفزاز في أفريقيا وزرع بذور نزاعات مسلحة من خلال قيامها ببناء سداً يمنع انسياب طبيعي للمياه للإضرار عمداً بدول وشعوب بحجة التنمية ، من دون الاستجابة للمطالب المصرية التي تؤكد ضرورة عدم الضرر والتعاون في ملىء السد وتشغيله وفق الاتفاقية الموقعة بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا والتي تشدد على التعاون بين الدول الثلاث في هذا الإطار الملزم لأطرافه .

لذا تطالب مصر أثيوبيا بتنفيذ التزاماتها بشأن اتفاق إعلان المبادىء الموقع بين أطرافه الثلاثة مصر والسودان وأثيوبيا استناداً إلى المادة العاشرة من الاتفاق بشأن مشاركة طرف دولي رابع في مفاوضات سدّ إثيوبيا للتوسط بين الدول الثلاث والمساعدة في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الجميع من دون الافتئات على مصالح أي طرف .
ويشير نص المادة العاشرة من الاتفاق إلى أن "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات والتفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلافات من خلال المشاورات أو من خلال المفاوضات فيمكن لهم "مجتمعين" طلب التوفيق والوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول / رئيس الحكومة" …
لكن من الواضح هنا ان طلب التوفيق والوساطة وفقاً لإعلان المبادئ يشترط موافقة الأطراف الثلاثة معاً ، وبالتالي فإن رفض الجانب الإثيوبي الغير مبرر يعطل الامر في إطاره الفني لكنه يفتح المجال للحل السياسي …

فتعثر المفاوضات لا يعني أبداً إغلاق باب التفاوض لذلك هناك أهمية بالعودة إلى التفاوض وإقناع إثيوبيا بالالتزام لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالبند العاشر المعلن في البيان ..

وعليه ولأن الرؤية لدى القاهرة أصبحت الآن أكثر وضوحاً وأصبح الحل ذو طابع سياسي وليس فني تسعى مصر إلى تدويل القضية ، فنهر النيل هو نهر دولي لا يجب ان يوقف مساره الطبيعي أي أحد وبالتالي يحق لمصر أن تطلب الإطلاع على الدراسات الخاصة بإقامة أي منشأ مائي عليه وفق ما تنص الاتفاقية العامة للأنهار بالأمم المتحدة لمعرفة الأضرار التي تتعرض لها دول المصب وهي مصر والسودان نتيجة قيام دول المنابع ممثلة في إثيوبيا بإنشاء مشروعات مائية على النيل دون موافقة من دول المصب والذي سيترتب عليه ضرر مباشر لدول المصب .

لقد التزمت مصر بمعايير التعاون وأثبتت حُسن نواياها من خلال التفاوض خلال السنوات الثمانية الماضية بما يفيدها عند اتخاذ قرار التدويل وحرمان إثيوبيا من التمويل الدولي أو توقيع عقود تشغيل و توريد من الدول الأوروبية حال قررت مصر هذه الخطوة.

وحول الانتهاكات القانونية الإثيوبية فقد بدأ ذلك منذ أن أعلنت أديس أبابا رسمياً في إبريل ٢٠١١ عن بنائها للسدّ بمواصفات فنية مغايرة تماماً عن تلك التي كانت تتفاوض بشأنها مع مصر والسودان قبل يناير من ذلك العام أهمها أن سعة السد التخزينية هي ١٤ مليار متر مكعب من المياه بينما قامت إثيوبيا وفي تصرف مفاجئ برفع تلك السعة إلى ٧٤ مليار متر مكعب" !
فعلت ذلك دون أن تخطر مصر بحقيقة الدراسات الفنية المتعلقة بالسدّ ، مخالفةً بذلك مقتضيات مبدأ الإخطار المسبق عند إقامة المشروعات المائية على الأنهار الدولية ومستغلة حالة الاضطراب داخل مصر نتيجة لتبعات ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ، مما شكل في حقيقته انتهاكاً جسيماً لمبادئ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية وأيضاً مبدأ عدم الإضرار فضلاً عن انتهاك إثيوبيا منذ البداية لمقتضيات مبدأ الإخطار المسبق .

وعلى الرغم من متانة وقوة الموقف القانوني المصري في مياه النيل فإن هناك ضرورة الآن للقيام بما يلي :

* الاحتجاج رسمياً و قانونياً من جانب مصر على الانتهاكات الجسيمة الإثيوبية للقانون الدولي على اعتبار أن هذا القانون يكفل الاحتجاج كحقّ مشروع للدول للإعراب عن اعتراضها رسمياً على أي تصرف أو واقعة مادية صادرة عن دولة ما في مواجهة دولة أخرى تعتقد أن من شأن هذا التصرف أو الواقعة التهديد أو الإضرار بحقوقها ومصالحها ، ونُذكر هنا بأن إثيوبيا نفسها قد استخدمت ورقة الاحتجاج ضد مصر دولياً بشأن حالة السدّ العالي وأيضاً اتفاقية ١٩٥٩ مع السودان ، كما نؤكد على أن الاحتجاج يفيد مصر في حالة تدويل الأزمة وذلك على غرار محضر إثبات الحالة في القانون الوطني.

* فمصر تماشت مع الجانب الإثيوبي في ما سمي بالمفاوضات لكنها في حقيقتها لا ينطبق عليها التوصيف القانوني للمفاوضات الدولية وفقاً لنص المادة ٣٣ من ميثاق الأمم المتحدة والذي أوجب توافر شرائط قانونية محددة للاعتداد بالمفاوضات كوسيلة دبلوماسية سياسية مهمة في تسوية وإنهاء المنازعات والخلافات الدولية وأهم هذه الشروط التي يجب توافرها أن تكون محددة للنقاط محل التفاوض وناجزة وأيضاً ضرورة توافر حسن النية ومباشرة الأطراف للتفاوض في ضوء احترامها لثوابت ومبادئ القانون الدولي الحاكمة لموضوع النزاع محل التفاوض ، كما انه وفقا للقانون الدولي نجد عدم توافر أو انطباق معظم الشروط على ما يعرف بالمفاوضات الخاصة بسدّ أثيوبيا بسبب سوء نية وتعسُّف الدولة الإثيوبية وعدم مراعاتها لوضعية مصر الواقعية والقانونية كدولة المصبّ المتضررة والأولى بالرعاية القانونية بموجب قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية لان معظم معايير تقاسم المياه المشتركة المعترف بها دوليًّا التي نصّت عليها الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية لعام ١٩٩٧ تنطبق تماماً على الحالة المصرية ، كما أن الإنصاف يوجب الإشارة هنا إلى أن هناك أسباباً أسهمت في تعامل مصر مع التعسف الإثيوبي هذا وأهمها التحديات وحالة الانفلات الأمني بعد ثورة يناير ٢٠١١ كما أشار الرئيس السيسي حيث أن محاولة إسقاط الدولة كانت من العوامل الضاغطة على المفاوض المصري فيما أساء الجانب الإثيوبي استغلال تبعات الثورة .

·   يمكن لمصر الاستفادة من التصرف الإثيوبي على الرغم من ذلك باعتباره يصب في خانة سوء النية والإضرار المتعمد وتعريض حياة الشعب المصري للخطر ودليل ذلك أن محكمة العدل الدولية قد أصدرت حكماً في إحدى المنازعات الدولية ذكرت في متنه أن الدولة التي تتفاوض مع دولة أخرى وتستغل إحداها الآثار المترتبة على تعرض الدولة الأخرى لكوارث طبيعية أو ثورات داخلية وتضغط بها في التفاوض مستغلة هذه الأوضاع فإن ذلك يمثل مخالفة صريحة للقانون الدولي وسوء نية من الدولة التي تستغل هذه الظروف ، ويمكن لمصر تعظيم الاستفادة القانونية من السلوك الإثيوبي المتعسف منذ ٢٠١١ حتى اليوم من خلال كشف حقيقته وكيف أن مصر قد مدّت يد التعاون والتشاور مع إثيوبيا رغم انتهاك الأخيرة لقواعد القانون الدولي وبما ينفي عن القاهرة ما تروج له أديس أبابا من أنها تقف ضد خطط التنمية وهو ما اتضح في خطاب الرئيس السيسي على منصة البرلمان الإثيوبي نفسه والذي يعد أكبر دليل على احترام مصر لحق إثيوبيا في التنمية .

وفي ما يتعلق بالحجج القانونية التي تمتلكها مصر فتأتي أهمها في نصوص معاهدة ١٩٠٢ وهي معاهدة حدودية وقع عليها إمبراطور إثيوبيا السابق نفسه "Menelik الثاني" مع بريطانيا متعهداً رسمياً بعدم إقامة أي مشروعات على أنهار السوباط وعطبرة والنيل الأزرق من شأنها عرقلة وصول المياه إلى مصر والسودان وأيضاً تعهد إثيوبيا بإخطار السودان عند عزمها إقامة أي مشروعات والتفاوض مع مصر والسودان قبل البدء في تنفيذها فضلاً عن معاهدات الحدود والتي تتميز بقدسية ومرتبة قانونية سامية عن سائر الاتفاقيات الدولية وهو ما أكدته اتفاقية فيينا للتوارث الدولي لعام ١٩٧٨ والتي وقعت وصدقت عليها إثيوبيا وعلى إثيوبيا احترام تعهداتها .

وأخيراً لا يزال أمام مصر الوقت لردع التعسف الإثيوبي حيث أن تماشيها مع إثيوبيا منذ ٢٠١١ لا يعد نقطة ضعف بل بالإمكان جعله نقطة قوة لنا مع ضرورة وثوق الجميع بقوة وصلابة الدولة المصرية في الدفاع عن حقوقها المائية في ضوء قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية فإقامة سدّ بمثل هذه المواصفات الفنية التعسفية دون أن يلقى احتجاجاً من القاهرة للإعتراض عليه قانونياً سيشكل سابقة واقعية وقانونية خطيرة تهدد الحقوق المكتسبة لمصر في مياه النيل فضلا عن أنها لن تستطيع منع إثيوبيا أو أيّ من دول الهضبة الاستوائية مستقبلًا من بناء سدود بمثل هذه المواصفات بما يعد سابقة خطيرة للفوضى والنزاعات في القارة الأفريقية والتي قد ينشأ عنها نزاعات مسلحة ، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان ان يتم منع استمرار هذه الفوضى وتكرارها من المجتمع الدولي وهو الامر الذي يجب ان تعمل مصر حالياً على إثارته مع جميع الدول وبصفة خاصة تلك التي لدى شركاتها مساهمة كبيرة في بناء السد الإثيوبي .


إرسال تعليق

0 تعليقات