آخر الأخبار

طومان باى آخر سلاطين المماليك





طومان باى آخر سلاطين المماليك

في مثل هذا اليوم 11 اكتوبر1516م..
تنصيب المملوك طومان باي سلطانًا على مصر خلفًا للسلطان قانصوه الغوري الذي قتل في معركة مرج دابق.
الأشرف أبو النصر قانصوه من بيبردى الغورى الجركسي الجنس هو من سلاطين المماليك البرجية.ولد سنة (850 هـ- 1446 م). ثم امتلكه الأشرف قايتباى وأعتقه وجعله من جملة مماليكه الجمدارية ثم أصبح في حرسه الخاص وارتقى في عدة مناصب حتى ولي حجابة الحجاب بحلب.

 وفي دولة الأشرف جنبلاط عين وزيرا. بويع بالسلطنة سنة 906 هـ- 1500 م وظل في ملك مصر والشام إلى أن قتل في معركة مرج دابق شمال حلب سنة 1516.
كان الغوري مغرماً بالعمارة فازدهرت في عصره، واقتدى به أمراء دولته في إنشاء العمائر، وقد خلف ثروة فنية جلها خيرية، بمصر وحلب والشام والأقطار الحجازية. واهتم بتحصين مصر فأنشأ قلعة العقبة وأبراج الإسكندرية. وجدد خان الخليلى فأنشأه من جديد وأصلح قبة الإمام الشافعى وأنشأ منارة للجامع الأزهر. وله مجموعة أثرية مهمة في حلب مكونة من ابنية وجامع ومدرسة.
ظهرت الدولة الصفوية الشيعية في الشرق في إيران والعراق عام 1501 وبرزت تطلعاتهم نحو الشام مبكراً، ففي عام 1507 قامت قوة صفوية بمهاجمة حامية ملطية التابعة للمماليك، ورد الغوري بقوة إذ أمر بحشد 1500 من قواته واستعدوا لحرب الصفويين وقبل أن تخرج القوة من القاهرة وصل رسل من الشاه إسماعيل تقدم اعتذاراً عما حدث وزعمت أنه لخطأ ما، وبدا الرسل ريفيين أجلافاً وهم بداخل قصر القاهرة الأنيق مما حدا بقانصوة لإهمال الصفويين، وبرغم تكرارهم للهجمات لاحقا إلا أنه اكتفي بإرسال أمير عشرة لمعسكر الصفويين لأمرهم بالإنسحاب.

غير السلطان من نظرته للصفويين تماما عام 1511 إذ وقعت في يده رسائل من الشاه إسماعيل لملوك أوروبا يستحثهم على حرب المماليك والعثمانيين من الغرب بينما يهاجمهم هو من الشرق، أخذ السلطان التهديد الصفوي على محمل الجد وارتاب من تحركات الشاه إسماعيل. تطورت الأحداث بعد ذلك بين الشاه إسماعيل والسلطان سليم الأول سلطان العثمانيين وبدت الحرب على مقربة بينهم وبحث كل من الطرفان على مساعدة السلطان الغوري ضد الأخر فآثر التزام الحياد، وانهزم الصفويين هزيمة شنيعة في معركة جالديران على يد السلطان سليم في 1514 م الذي قام بعد المعركة بالهجوم على إمارة ذو القدر التابعة للمماليك وإبادتها، مما أدى لزوال كافة الدول العازلة للمماليك عن العثمانيين.
الغوري ومرج دابق:
مع تطور الأحداث لم يجد السلطان الغوري بدا من ملاقاة العثمانيين لصد خطرهم على الدولة المملوكية والتى كانت مركزا للخلافة الإسلامية العباسية، ومن ثم تقابلت الجيوش المصرية بقيادة السلطان قانصوه الغوري مع الجيوش العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول وذلك في منطقة مرج دابق بالشام في أغسطس 1516 ميلادية ونتيجة لخيانة بعض القادة للغوري (خاير بك - القاضي يونس - جان برد الغزالي) هُزم الجيش المصري بقيادة الغوري ولقى الغوري حتفه تحت سنابك الخيل العثمانية.

الأشرف أبو النصر طومان باي آخر سلاطين المماليك الشراكسة في مصر، فهو السلطان الوحيد الذي شنق على باب زويلة. استلم الحكم بعد مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق عام 1516م بعد أن عينه نائباً له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد قتله أجمع الأمراء على اختياره سلطاناً لمصر، وقد امتنع في بداية الأمر بحجة ضعف الموقف العام وتشتت قلوب الأمراء وحصول فتنة من قبل بعض المماليك حيث كان قد نُهِب خان الخليلي وقُتِل جميع التجار الأورام بحجة أصولهم العثمانية، لكنه عاد بعد إلحاح وبعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة وقد حضر البيعة يعقوب المستمسك بالله الخليفة المعزول وذلك لوجود ابنه الخليفة العباسي المتوكل على الله الثالث أسيراً بأيدي العثمانيين بحلب و هزم بالريدانية 1517م.

جمع طومان باي من الجند المماليك والأهالي وأراد الخروج لقتال العثمانيين ولكنه واجه تخاذل المماليك واستهانتهم بخطورة الموقف، وخلال تلك الفترة أرسل السلطان سليم رسالة إليه يعرض عليه تبعيته للسلطنة مقابل ابقائه حاكماً لمصر، غير أنه رفض العرض.

وخرج طومان باي إلى الريدانية وتحصن بها وحفر خندقاً على طول الخطوط الأمامية. لكن عندما علم العثمانيين بخطة المماليك تحاشوا عنهم واتجهوا صوب القاهرة فتبعهم طومان باي والتحموا بمعركة هائلة قتل فيها سنان باشا الصدر الأعظم بيده ظناً منه بأنه السلطان لكن بسبب كثرة العثمانيين وقوتهم لم يتمكن المماليك من وقف زحفهم، وهرب العسكر الذين كانوا حول طومان باي فخاف أن يقبض عليه العثمانيين فهرب واختفى.


تحاشى السلطان سليم دخول القاهرة بعد المعركة بسبب وجود طومان باي طليقاً وأيضاً وجود جيوب للمماليك فيها، ودخلها بعد ثلاث أيام يوم الإثنين الموافق 3 محرم 923 هـ الموافق 26 يناير 1517م في موكب حافل يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة واحاط به جنده يحملون الرايات العثمانية الحمراء. ثم حدث ما كان يتخوف منه فقد باغتهم طومان باي في ليلة 5 محرم الموافق 28 يناير في بولاق، وجرت معركة طاحنة في أزقة المدينة بين الجنود العثمانيون والمماليك واشترك معهم الأهالي المصريون في تلك الحملة المفاجئة بمن فيهم النساء فقد كانوا يقدمون المساعدة لطومان باي، حتى ظن الناس أن النصر آت لامحالة واستمرت المعركة من ثلاث إلى 4 أيام وليال وظهروا فيها على العثمانيين، حتى أنه خطب لطومان باي في خطبة الجمعة وقد كان خطب للسلطان سليم بالجمعة التي سبقتها، وكلفت الفريقين الكثير من القتلى إلى أن تمكن العثمانيون من إنهائها لصالحهم وذلك عندما لجأوا إلى سلاح البنادق وامطروا به من فوق المآذن الأهالي والمماليك فأجبروهم على الفرار وهرب طومان باي إلى بنها شمال القاهرة بعدما رأى عدم تمكنه من الاستمرار بالمقاومة. أما الأمراء بمن فيهم جان بردي الغزالي فقد استسلموا للقوات العثمانية. وبتاريخ 7 محرم استسلمت المدينة مرة أخرى للعثمانيين بعد أن طلب الأهالي الأمان فأعلن عفواً عاماً عن جميع الذين استسلموا من جراء انفسهم وكما أمر بمعاقبة كل من رفض الاستسلام.
محاولات طومان باي:
رغم ذلك إلا أن طومان باي لم يستسلم وراح ينظم الصفوف وصار هناك الكر والفر لكلا الطرفين حتى كاد أن يقتل السلطان نفسه بإحدى الغارات في بولاق، مع ذلك فالمعركة من حي إلى آخر حتى المعركة الأخيرة بمنطقة وردان (امبابة حالياً) حيث انكسرت شجاعة المقاومة أمام القوة الهائلة والعتاد الضخم، فهرب طومان باي ولجأ إلى الشيخ البدوى حسن بن مرعي الذي أخرجه من السجن كان قد دخله أيام عمه السلطان غوري ولكن الشيخ وشي به وأبلغ عنه السلطان سليم فقبض عليه، وقد أعجب السلطان بشجاعته وبحواره الصلب أمامه ومع ذلك فقد أمر بشنقه.

قتل في تلك المعارك التي دارت ما بين الطرفين في أحياء القاهرة وشوارعها أكثر من خمسين ألفا نسمة في معارك طويلة وهمجية ..


أزعج طومان باى العثمانيين كثيرا بحرب العصابات والضربات المباغتة عندما كان السلطان سليم في القاهرة. ولكن العرب الذين كانوا يكرهون الشراكسة (المماليك) دلوا على مكانه، فأُسر ..
وضع السلطان سليم الأول عرشا بجانبه وأجلس عليه الحاكم المملوكي الجديد. تكلم طومان وخاطب السلطان سليم بكلام خال من اللياقة، قائلا له أنه لم ينتصر على المماليك بشجاعته ، وإنما انتصر بمدافعه وبنادقه، فأجابه السلطان سليم الأول متسائلا، لماذا لم يتزود وهو على رأس دولة كبيرة بهذه الأسلحة؟ ..
كان الفرق بين المدفعية العثمانية والمملوكية في معركة الريدانية فرقا يزيد على نصف قرن. فمنذ 1410م ، كان السلطان المملوكى قد طلب من سليمان الأول مدفعيين وبحريين أتراكاً، وأُجيب إلى طلبه ، إذ كانت تركية تفوق مصر حتى في ذلك التاريخ
وقد كانت عملية إرسال المهمات الاستراتيجية ، والمدفعيين ، والبحارة والفنيين إلى مصر في عهد بايزيد الثاني ، قد اكتسبت أهمية كبيرة، فعلى سبيل المثال، أرسل إلى مصر في عام 1511م عدد 400 مدفع وكميات هائلة من البارود والنحاس ..
أما القادة الأتراك الدهاة المقتدرين مثل عروج بربروس ، وسليمان ريس ، وكمال ريس، فإنهم إما التحقوا بالبحرية العثمانية في مصر، أو قاموا بنقل المهمات الاستراتيجية والموظفين الفنيين إلى مصر ..
كان الشراكسة الذين كانوا مع المماليك ثم التحقوا بخدمة العثمانيين يخشون نقمة طومان عليهم فأخبروا السلطان سليم الأول بأن طومان باي لايزال يسعى وراء سلطة مصر، وشرحوا له ذلك بإسهاب وأقنعوه بوجوب إعدام طومان باى. فسُلِّم طومان باى إلى على باشا دلقدار أوغلو ليعدمه على باب زويلة، وكان المماليك قد أعدموا شهسوار بك والد على باشا دلقدار أوغلو قبل 40 سنة (في أغسطس 1472م) على نفس هذا الباب لصداقته مع العثمانيين..
وفى 26 أبريل، أُقيم لطومان باى احتفال تشييع جثمان لامثيل له، بحيث لو مات وهو على العرش لما أقيم له مثل هذا الاحتفال ورغم أن السلاطين العثمانيين يحملون في بعض الأحيان توابيت آبائهم ولايدخلون تحت أى تابوت آخر يحملونه، إلا أن السلطان سليم الأول اكتنف تابوت طومان باى الثاني ..
حضر مراسم تشييع الجثمان الرسمي كافة الرجال العثمانيون والمماليك معا، ووزع السلطان سليم الأول على الفقراء تطييبا لروح السلطان طومان باي رحمه الله، النقود الذهبية لمدة 3 أيام ..
نهايته:
يقول المؤرخ ابن إياس وهو شاهد عيان على ماحدث:
«عند باب زويلة توقف ركب السلطان الأسير طومان باي.. كان في حراسة 400 جندي من الانكشارية.. وكان مكبلاً فوق فرسه.. وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر..وتطلع طومان باي إلى (قبو البوابة) فرأى حبلاً يتدلى، فأدرك أن نهايته قد حانت.. فترجل.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت إلى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع إليهم طويلاً.. وطلب من الجميع أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته.»
وقد ظلت جثته معلقة ثلاثة أيام ثم دفُنت في قبة السلطان الغوري، وبموته انتهت دولة المماليك وسقطت الخلافة العباسية، واستتب الأمر للسلطان سليم بمصر والشام، وأصبحت مصر ولاية عثمانية...!!


إرسال تعليق

0 تعليقات