آخر الأخبار

دراما التحرير








دراما التحرير

كريم السيد


في التظاهرات التي عشتها اليوم شاهدت وأحسست بشعور وطني غامر، رغبة شعبية في البحث عن الحياة الحرة الكريمة. غيرة عراقية تقشعر لها الأبدان وجموع وطنية أظهرت رغبة واضحة وصريحة في تغيير الواقع العراقي والخلاص من تجربة سيئة لم تجلب إلا المآسي والآلام وفقدان الشعور بالوطن وخيره.

هناك شعور جماعي ولسان حال تجده في الوجوه، الجميع يقف وكأنه يبرئ ذمته أمام العراق، إي والله، كل فرد يقف وكأنه يخاطب نفسه: أنا هنا أدافع عن حقي، أنا لست ساكت، هذه فرصتي كي أعبر عن رأيي بأني ضد الفساد والإفساد والسرقات وهذا النظام السياسي الأعرج برموزه وشخوصه وذاكرته.

في التحرير هناك شبان مجانين، شابات كأنهن زهور، بالغين وكهول نزلوا كي يشعروا بهذه اللحظة الوطنية الغامرة. لوحة وطنية عظيمة بهتافات وشعارات وأعلام الوطن فقط.

ورغم الخطورة الوشيكة من قنابر الغاز التي تهلهل من السماء وتتسبب بحالات الضرب المباشر والإختناق إلا أن روح التكاتف وعنفوان الشهامة والإيثار يطغى على المشهد برمته. شباب يتلقفونها ويرموها بعيدا في مشهد يفيض بالشجاعة، يتراكضون على كل حالة اختناق او إصابات يسعفونها سواء برش المشروبات الغازية والخميرة، مستلزمات السلامة الضرورية كالكمامة والمحارم وغيرها. "تكتك" يعمل كإسعاف فوري ونساء تداوي وتطبب بلا كلل، آخرين تكفلوا بنقل المستلزمات الغذائية التي ملأت أرض التحرير بخيرات زاد الحرية، عوائل تتشرف بإطعام المتظاهرين، بينما سيارات إسعاف وكوادر وزارة الصحة فلهم عظيم التحية والتقدير.

وفيما أحسسته وعشته كفرد، فبدأ منذ اللحظات الأولى التي تعرضت فيها لاختناق إثر وقوع قنبرة قريبة، وجدت شباب يتلقفوني ويرشون على وجهي ويتصارخون (اسحب نفس). بينما عيوني أغرورقت وأنفاسي ضاقت. وفي لحظة لا شعورية مني وجدتني أنا الآخر أندفع مع الشباب نحو جسر الجمهورية لأرى بعيني ما يحدث هناك، الفضول الصحفي قادني لأشاهد بعيني ما الذي يجري لأكون أمينا في نقل الصورة ولا أحكي بلا نظر. لقد رأيت العجب العجاب في شباب لا يهابون الموت ولا يرجف لهم من رمش الحياة جفن خوف. هل هذا معقول؟ شاب بريعان الشباب يقف عريانا أمام إطلاقات قوات فض الشغب وكأنه في نزهة. يضحكون، بل يلعبون مع قوات الأمن ويستلذون بالكر والفر والتقدم والعودة.

في واحدة من المشاهد الخطرة كنت والصديق الإعلامي طه ابورغيف في المقدمة، ولولا إني سحبته من يده لكان حل برأسه كارثة من قنبرة نزلت من السماء وشحذت آذاننا من سرعتها فأدخلت الرعب في قلبي.

في مشهد آخر وحدت نفسي اجهش ببكاء لما اشاهده حيث مسحة روح وطنية سيطرت علي دون ان املك نفسي، فجأة وجدت شاب يحتضنني ويربت على كتفي واخر اعطاني قنينة ماء.

ختام هذه الشهادة التي استغرقت ساعات بسيطة أتمنى فيها ان ينتبه السياسيون للجدية التي برأس هذه الشباب، للرغبة في تغيير وضع البلاد والإحساس بمسؤولية مستوى الخطر الذي يمكن ان يصنعوه بعنادهم مع جيل لا يقل عناد ورغبة هو الآخر.

إرسال تعليق

0 تعليقات