آخر الأخبار

التغيير الشكلي والتغيير الفكري







التغيير الشكلي والتغيير الفكري

د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق

خلال القرن الماضي نشر المثقفون العرب مشروعاتٍ نقدية وإسهامات فكرية لغرض تفكيك عقدة التخلف، كانت الرؤية الأساسية لتلك الإسهامات أن التغيير الفكري أساس أي تغيير.

التغيير في المجتمع المتخلف عن ركب المعرفة والحضارة العالمية، إذا ما أراد اللحاق فعلاً بهم فعليه التغيير في الجذور المُكونة له، تغيير في محتوى التعليم وآلياته، تغيير في الركيزة الأساسية التي تسببت في تخلفه وجموده.

ببساطة، إذا كان التغيير لا يمسُّ المنبع، فلا جدوى من الجهد المبذول في تحسين الشكل، لأن ممارسة الشكل دون امتلاك الفكرة وراءها لا يُعد تغييرًا، بل تزييفًا للشعور والممارسة نفسها.

التغيير المؤدي لتغيير فكري حقيقي يتطلب تغييرًا في أساسيات بناء المجتمع نفسه، ليقوم هو بذاته في صناعة الحضارة والمعرفة والفنون، وليس العكس، مثلاً، هنالك فرق بين مجتمع يزاول الفن كثقافة ويتعلمه كتخصص دراسي ليتمكن من تذوقه وحضوره والاحتفاء به، ليصبح مجتمعًا مرنًا متفهمًا ومُتقبلاً، ومجتمع آخر قائم على فكر آحادي وموّجه عنوةً للاحتفاء بالفنون، كموضة دارجة للمُتلقي، وتجارة للمُلقي، مجرد صفقة تجارية لحظية.

لا يمكن اعتبار السلوك حقيقيًا، ولا الرغبة حقيقية، طالما لم تنبع من فِكر راسخ لدى الفرد، لا يمكن قفز مراحل التغيير، قد يمكن ابتياع مظاهر الحداثة والحضارة، لكن لا يمكن شراء الفكر والسلوك الحقيقي.
نتائج التغيير الحقيقي هي النتائج الصادقة، حتى في أتفهِ السلوكيات العامة، دور منظومة التغيير خلق البيئة الصحية للاختلاف والتطور، بالتعليم والقانون، وليس دورها جلب النتائج والسلوكيات والإتجار بها. المثل الشهير، علمني كيف أصطاد، لا تعطيني سمكة.
ختامًا، التغيير الحقيقي ينطلق من الركائز، هي عملية تبدأ من الخطوة الأولى للتحصل على النتيجة، وليس شراء النتيجة والتباهي بها، لأن امتلاك الشيء دون المرور بمخاض ولادة الفكرة، لا قيمة له ولا أثر.

التغيير الذي لا يصدر من الفِكر الحُر والتعليم المُحياد، لا يمكنه إحداث فارق لأنه ليس تغيير بل مجرد قناع جديد.

القفز إلى استهلاك نتائج الحرية دون الحرية ذاتها لا يصنع حضارة وحياة جميلة كما يُظن، بل حالة فوضوية مليئة بالتناقضات، لأن الفرد المؤدلج، والمحافظ، لا يُحسن استخدام نِتاج شيء لا يعرفه ولا يؤمن به، هو يمارس أدوات وفعاليات الحداثة بعقليته البدائية، يحضر حفلاً فنيًا ويرمي المخلفات في الأرض.


إرسال تعليق

0 تعليقات