آخر الأخبار

الوهابية فى مصر المحروسة










الوهابية فى مصر المحروسة


د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق

بدأ الفكر الوهابي في اختراق الدولة المصرية ثقافياً واجتماعياً في منتصف السبعينيات، حين دشن الرئيس السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي. وقد شهدت حقبة الانفتاح الاقتصادي هجرة المصريين إلى دول الخليج وتحديداً المملكة السعودية وحين عادوا كانوا محملين بالعادات والتقاليد وأنماط التدين السعودية وبالقيم الوهابية، فاخترقت هذه الثقافة الجديدة الخصوصية الثقافية المصرية وغيرت ملامحها التي كانت تميزها.

وإذا سرت في شوارع مصر اليوم فستجد نساءاً مُتشحات بالسواد من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، ورجالاً يرتدون جلابيباً بيضاً قصار وكلها أردية جديدة ومُستحدثة بشكل لا علاقة له لا بتراث الشعب ولا بطقس البلد. وإذا ركبت إحدى وسائل المواصلات العامة فستعجب من جدوى الجدل التافه حول حرمة الأغاني من عدمه.

وعندما تعود لبيتك وتفتح تلفازك فربما عثرت في جولتك بين قنواته في صرخات رجل ملتح يسب هذا أو ذاك، مكفراً أو مجهلاً في أحسن الأحوال. فإذا تركته وذهبت لصلاة الجمعة فستجد شبيلاً من أشباله يصرخ مزلزلا أركان المسجد مقلداً شيخه عله يصل يوماً.

فمنذ زمن والمثقفون المصريون يحذرون من المد الوهابي السعودي وما يحويه من أفكار دينية متطرفة بعيدة تماماً عن المجتمع المصري. وتعالت الأصوات التي تطالب بضرورة تشكيل حركة ثقافية مناهضة لهذا المد وخاصة في الفترات التي شهدت انتشار ظاهرتي "الدعاة الجدد" و"التكفير".

وإذا ما عدنا بالذاكرة لمائة عام فقط، عندما كان المثل النموذج لرجل الدين لا هذا أو ذاك من الرجعيين والمرتزقة. بل قادة مجددين ومجتهدين بمرتبة الحكماء كجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده وغيرهم. قادة ممن وعوا القضايا الحقيقية الملحة لمجتمعاتهم الحاضرة، فقاتلوا في سبيلها، ووعوا كيف يجب أن يكون المستقبل، فلم يستعبدهم الماضي، فإضطلعوا بمهمتهم في التنوير والتثوير، وأسسوا للبناء لا الهدم. أن الفكر الوهابي وصل إلى مصر في بدايات القرن العشرين، وليس مع هجرة المصريين إلى الخليج في منتصف السبعينيات.

وبدأ المذهب الوهابي يشق طريقه في جسد المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين عبر شخصية بارزة هي محمد رشيد رضا الذي كان أول من أدخل ابن تيمية إلى الفكر المصري. وتبنى رشيد رضا المذهب الوهابي في الفترة التي استشرى فيها الخلاف بين آل سعود والشريف حسين الذي وقف موقفاً مناهضاً للحركة الوهابية في ذلك الوقت. ويعتبر مبروك أن تبني رشيد رضا، أستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين للمذهب الوهابي يؤكد الروابط الخفية بين فكر الإخوان والفكر الوهابي.

ويلفت إلى أن هذه الروابط توضح لنا لماذا كانت السعودية وجهة الإخوان المسلمين أثناء صدامهم مع الدولة المصرية في الحقبة الناصرية. وإن المصريين عندما سافروا إلى دول الخليج وجدوا أنفسهم أمام مجتمعات تتميز بالثراء البالغ فتصوروا أن هذا الثراء مرتبط بأنماط التدين والسلوك أي مرتبط بنمط ثقافي معين ولم يفسروه بأنه جاء نتيجة لفوائض النفط والصراع الدولي عليه.

وللحديث بقية ...


إرسال تعليق

0 تعليقات