آخر الأخبار

الانعتاق من براثن الفقر





الانعتاق من براثن الفقر


د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق




اسمح لي أن احكي لسيادتكم قصة عن ابتكار ائتماني يساعد على تحرير الفقراء في مصر وإخراجهم من براثن الفقر وتحسين ظروف معيشتهم. إن الحاجة ماسة إلى مزيد ومزيد من عمليات التحرر، ويمكن لهذه العمليات مجتمعة أن تؤدي إلى تحسين معيشة الملايين من الناس. وأريد أن أعود إلى الوراء في رواية القصة، في نيروبي في كينيا. كان مسؤولون في البنك المركزي يراقبون تحويلات الأموال التي تتم عبر الهواتف المحمولة حينما لاحظوا زيادة كبيرة بدرجة مريبة في المعاملات كل صباح في نحو الساعة الثالثة صباحا. في بادئ الأمر، ظنوا أنها قد تكون مؤشرا لعمليات غسل أموال أو مخالفات أخرى، ربما يحاول البعض إخفاء معاملات في منتصف الليل.

لكن الحقيقة كانت مفاجأة، فقد اكتشفت الأجهزة التنظيمية أن الزيادة سببها قروض متناهية الصغر يحصل عليها كينيون أفراد، كثير منهم نساء يبيعون منتجات في السوق المحلية. ففي كل صباح، كان هؤلاء النسوة يأخذن قروضا متناهية الصغر حتى يمكنهن شراء بضائع مثل الخضراوات. وبعد ساعات طوال من العمل الشاق يبعن الخضراوات في السوق وفي وقت لاحق من المساء، يقمن برد القروض. إن التحويلات النقدية الرقمية في شتى أنحاء كينيا، تنتشر المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول. ويتيح برنامج إم بيسا M-Pesa للناس الذين يمتلك بعضهم أبسط الهواتف المحمولة تحويل الأموال بمجرد إرسال رسالة نصية. والآن، تستخدم 96 في المائة من الأسر خارج نيروبي برنامج إم بيسا. إنه يتيح للأسر فرصة لإجراء معاملات، وادخار المال دون تكبد بعض التكاليف والمخاطر التي ينطوي عليها في العادة التعامل بالنقد ومن خلال الجهاز المصرفي. وساعد برنامج إم بيسا منشآت الأعمال الصغيرة، ولا سيما رائدات الأعمال على الحصول على التمويل. ولهذا البرنامج آثار إيجابية واسعة، من حيث تمكين النساء من المشاركة في الاقتصاد والمجتمع؛ إذ إن القانون يرى أن الحائز للمال حيازة مادية هو المالك له؛ ولذا فمع وجود نظام رقمي لا يفرق بين الجنسين باتت النساء يتحكمن بدرجة أكبر في دخلهن وأموالهن. وتمخضت عنه تهيئة بيئة مؤاتية للشركات الناشئة في منطقة نيروبي الكبرى، ويشمل ذلك مطوري التطبيقات لمستخدمي برنامج إم بيسا.

كانت الخطوة الأولى المهمة هي سماح البنك المركزي لإحدى شركات خدمات الهاتف المحمول بدخول قطاع الخدمات المالية. وتمكن رواد الأعمال من إطلاق صناعة جديدة تحقق منافع حقيقية للناس. هذا هو نوع التحرير الذي ينبغي لنا إطلاق العنان له في أنحاء بلدان العالم النامية.


وقد لعبت مجموعة البنك الدولي دورا رئيسا في عدة مراحل خلال إنشاء كينيا نظاما فعالا للمعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول. ويساعد هذا النوع من النواتج الإنمائية بشكل مباشر على تحقيق هدفينا: إنهاء الفقر المدقع، وتحقيق نمو عريض القاعدة يعزز تقاسم ثمار الرخاء. لقد قطعت جهود الحد من الفقر وتخفيف وطأته شوطا كبيرا في كثير من البلدان، لكن 700 مليون نسمة ما زالوا يعيشون في فقر مدقع. ويعادل هذا تقريبا شخصا واحدا من كل 12 شخصا على وجه المعمورة. ويعيش كثير منهم في أماكن هشة قطع الصراع أوصالها ولا توجد فيها مؤسسات تقدم العون لمن يحتاجون إليه.

وأعتقد أن البرامج النقدية الرقمية قد يكون بمقدورها مد يد العون، سواء الأنظمة التي تتركز على المعاملات مثل نظام إم بيسا في كينيا، أو برامج التحويلات النقدية الإلكترونية التي يجري إنشاؤها في أماكن أخرى.

 إننا الآن على وشك التوصل إلى أنظمة مأمونة ستتيح للفقراء أن يتلقوا بوسائل إلكترونية التحويلات المالية، والمساعدات الأجنبية، ومدفوعات شبكات الأمان الاجتماعي، وإيرادات أعمالهم، ثم تمكينهم من الادخار وإجراء المعاملات بحرية. وسيكون هذا تطورا ثوريا لأنه يتيح للناس الحرية والفرصة التي يحتاجون إليها لتحسين ظروفهم المعيشية.


 وحينما يستخدم مزيد من البلدان هذه التقنيات، يتبين أن الابتكارات تمثل تقدما كبيرا في السياسة الإنمائية يعادل في أهميته التطورات التي مكنت الناس من الانتقال من اقتصاد المقايضة إلى اقتصاد السوق.

إرسال تعليق

0 تعليقات