آخر الأخبار

العراق وليبيريا.... تجربة العبيد المثقّفين




العراق وليبيريا.... تجربة العبيد المثقّفين

عز الدين البغدادى

ربما استغربتَ عندما قرأت هذا العنوان، فما هي العلاقة بين العراق وليبيريا الدولة الصغيرة التي تقع في غرب أفريقيا؟

منذ تأسست ليبيريا سنة 1847 ولدت معها مشاكلها، وسبب المشاكل أنها ومنذ تأسيسها حكمها أشخاص وفدوا إليها من أمريكا بعد تحريرهم من الرقّ. إذ مع نمو حركة المطالبة بتحرير العبيد ففي أواخر القرن الثامن عشر، ظهرت في الولايات المتحدة فكرة عودة الأفارقة إلى بلاد أجدادهم التي انتزعوا منها قسراً، لاسيما إفريقيا الغربية، وسميّت هذه الفكرة "العودة إلى أرض الآباء".
وقد رجع أو أُرجِع كثير من الأفارقة الّذين كانوا مستعبدين إلى هذه الأرض حيث أنشئت دولة ليبيريا، وحدث نزاع بين الوافدين الذين أمسكوا بالسلطة والغنائم وبين وأصحاب الأرض. وذلك لأن هؤلاء العبيد رجعوا إلى أوطانهم وهم يرون أنفسهم أرقى من أهل الأرض، وأنهم "أمريكان" رغم أنهم لم يكونوا في أمريكا غير سوى. ولشدة تأثرهم وتفاخرهم بعبوديتهم في أمريكا فقد سميت الدولة الجديدة ليبيريا وهو اسم مأخوذ من كلمة ليبرتي والتي تعني الحرية. كما أقاموا حكومة على غرار نظيرتها في الولايات المتحدة ووضعوا علما يشبه العلم الأمريكي، بل وسموا عاصمتهم مونروفيا تيمنًا بجيمس مونرو الذي كان خامس رئيس للولايات المتحدة ومؤيدا بارز للاستعمار.
حكم العائدون من أمريكا البلد، واحتكروا القطاعات السياسية والاقتصادية، وظلوا مهيمنين على البلاد رغم كونهم أقلية لا تتجاوز 5% فقط من مجموع السكان. واستمر الأمر إلى سنة 1980 حيث حدث انقلاب قاده "صاموئيل دو" ضد عبيد أمريكا، وحدثت حروب أهلية ذهب فيها ربع مليون شخص إلى أن تم التوصل الى اتفاق سلام سنة 2003. تعد اليوم ليبيريا واحدة من أفقر دول العالم، حيث يقع 85% من السكان تحت مستوى الفقر.
تجربة عبيد أمريكا في ليبيريا تذكرني بتجربة عبيد أمريكا وغير أمريكا في العراق، وكما أن العبيد بقوا عبيدا مهما تكبروا على بني جلدتهم في ليبيريا، وكما أن أمريكا وغير أمريكا لم تنفع عملاءها في ليبيريا، وكما أنهم لم ينفعوا بلدهم بشيء، فمثل ذلك كله حصل في العراق...

مع فرق، أن العراق ليس دولة جديدة، بل كيان موغل في الثقافة والتاريخ، مهما ضعف مهما تعب، فإنه له بعدا ثقافيا وارثا معرفيا ونضاليا كبيرا، ولا بد أن يستعيد الشعب المبادرة وإن غدا لناظره لقريب.


إرسال تعليق

0 تعليقات