آخر الأخبار

مصر وإثيوبيا علاقات وتشابكات






مصر وإثيوبيا
علاقات وتشابكات

د. محمد إبراهيم بسيونى

عميد طب المنيا السابق

كانت تجمع الرئيس جمال عبد الناصر والإمبراطور هيلا سلاسي علاقة قوية، حيث كانت مصر تركز على الجانب الديني، فإثيوبيا في ذلك الوقت كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية بل وكانت الكنيسة الأم في مصر ترسل القساوسة من مصر للعمل في الكنائس الإثيوبية وكان للبابا السابق كيرلس علاقات شخصية بالإمبراطور هيلاسلاسي وكثيراً ما كان الرئيس جمال عبد الناصر يوظفها في خدمة المصالح المشتركة وكانت تتم دعوة الإمبراطور هيلاسلاسي في افتتاح الكنائس في مصر وكان البابا أيضاً يفتتح الكنائس في إثيوبيا.

عانت أثيوبيا في العقود الماضية ظروفا سياسية قاسية، كان من أسوئها الحكم الماركسي الدموي الذي جلب الخراب للبلاد وحكم بيد من حديد لمدة ربع قرن وانتهى في بداية التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. قادت السياسات إلى تخلف البلاد عن مسيرة التنمية العالمية ما تسبب في تدني معدلات النمو والدخل ورفع مستويات الفقر إلى مستويات قياسية حتى بات نصف سكانها تحت خط الفقر العالمي. بعد فترة من المناكفات السياسية بدأت إثيوبيا تشق طريقها نحو نهضة اقتصادية منذ نحو عقد من الزمن، وسجلت البلاد أخيرا معدلات نمو قياسية في إفريقيا ومن أعلى المعدلات العالمية التي لفتت أنظار العالم.

تملك إثيوبيا موقعا استراتيجيا جيدا فهي جزء من القرن الإفريقي وقريبة من الشرق الأوسط وأسواقه وتجاور دولا متعددة في شرق إفريقيا ووسطها. تحتضن إثيوبيا حاليا ما يزيد على 110 ملايين إنسان، وتأتي في المرتبة الثانية بعد نيجيريا في إفريقيا من ناحية عدد السكان. تعتمد إثيوبيا على القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في تشغيل معظم سكانها. بدأت القطاعات الأخرى وخصوصا الصناعة والخدمات تزدهر وتقود النمو الاقتصادي. تركز خطة التحول الحكومية للتنمية على قطاعي التصنيع والإنشاءات، وتبني في سبيل ذلك مجمعات صناعية كما تخصص جزءا كبيرا من إنفاقها على تطوير البنية الأساسية التي يمول جزء كبير منها بالاقتراض من الخارج. إضافة إلى ذلك تشجع الحكومة الاستثمار الأجنبي وتخصص الشركات العامة مع الإبقاء على قطاعات معينة كالاتصالات والمصارف خارج نطاق الاستثمار الأجنبي. تتدفق استثمارات كبيرة من الخارج خصوصا الصين التي تركز على الصناعة والبنية الأساسية حتى صارت الصين أكبر مستثمر في إثيوبيا وأكبر شريك تجاري لها.

إثيوبيا بلد فقير ولكنه ينهض بقوة، حيث حققت نموا اقتصاديا خلال الأعوام العشرة الماضية تجاوز 9 في المائة سنويا، حسب تقديرات البنك الدولي. ومن اللافت للنظر مصاحبة شمولية تحسن دخول الشرائح السكانية الفقيرة والمناطق الجغرافية المختلفة لمعدلات النمو المرتفعة. ونجحت البلاد في انتشال جزء كبير من الفقراء حيث انخفضت حصتهم إلى نحو 24 في المائة من إجمالي سكان البلاد بعد أن كان نصف السكان يقبعون تحت خط الفقر قبل الألفية الحالية. تشير توقعات المؤسسات الدولية إلى أن النمو الاقتصادي سيتواصل في إثيوبيا وبمعدلات قوية، حيث يطمح المسؤولون إلى رفع مستويات دخل البلاد إلى الدول متوسطة الدخل بعد عام 2025. تولي الحكومة اهتماما خاصا بالإنفاق على برامج دعم الفقراء التي تحظى بدعم العالم الخارجي.

نجحت إثيوبيا وقيادتها الحالية في مبادرات السلام مع الجوار ما خفض التوترات وشجع تدفق الاستثمارات ورفع من توقعات نمو منطقة شرق إفريقيا التي تعد الأسرع في القارة الإفريقية. في حال نجاح إثيوبيا في طموحاتها الاقتصادية فإن هذا سيجلب كثيرا من الإيجابيات لشرق إفريقيا ومنطقة البحر الأحمر حيث ستستفيد الدول التي تمر بها تجارة إثيوبيا ــ الدولة الداخلية ــ التي تعتمد على ميناء جيبوتي في تجارتها الخارجية، من المتوقع أن تعود إثيوبيا إلى استخدام موانئ إريتريا بعد تحسن علاقاتها معها.

نظرا لكبر عدد سكان البلاد وكونها أكبر اقتصاد في شرق ووسط إفريقيا ــ على الرغم من فقرها ــ فإن أي تحسن قوي في دخول سكانها يعني زيادة كبيرة في الطلب على السلع والخدمات من دول المنطقة المحيطة بها.

 ويرى بعض المختصين أن إثيوبيا وجهة استثمار قريبة ومناسبة لاستثمارات معينة سواء من الدول البعيدة عنها أو الدول المجاورة. تقع إثيوبيا على مقربة من المملكة، ويمكن الاستفادة من هذه الميزة في تشجيع وتحفيز التجارة معها والاستثمار فيها.

من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإثيوبي بمعدلات تراوح بين 7 و10 في المائة سنويا ما يعني تضاعف حجمه خلال أقل من عقد من الزمان، وانتعاشا قويا في تجارة البلاد مع العالم الخارجي. وسيدعم انتعاش الاقتصاد الإثيوبي ــ وبلا شك اقتصاديات دول المنطقة والتبادل التجاري فيما بينها ــ كما سيساعد على وقف أو على الأقل التخفيف من هجرة سكانها غير الشرعية.

إرسال تعليق

0 تعليقات