آخر الأخبار

من هم المصريون






من هم المصريون

د.أحمد دبيان


فى عام ١٩١٩ م ذهب أعضاء الوفد المصرى الى المعتمد البريطاني ، ممثل السلطة البريطانية المحتلة ، حاملين مطالب الشعب المصري فى الحرية والاستقلال .

فباغتهم بسؤال من ثلاث كلمات ،

من هم المصريون ؟

ولم يملك احدهم رداً .

لم تكن السلطة البريطانية هى السلطة الأجنبية الوحيدة التى حكمت الوادي ، بل سبقها فى ذلك يونانى الباني يدعى محمد على وسبقتها أيضا الحملة الفرنسية وسلطة ثورتها، وظلت ترسف تحت الحكم التركي العثماني قرابة أربعة قرون ، ومن قبلهم ظلت محكومة بعبيد مجلوبين ، يتم تربيتهم تربية اسبرطية عسكرية ، لحماية السلطة الكردية ممثلة فى نسل صلاح الدين ، وسيسبقه أيضا حكم مغاربة جاءوا وانتسبوا للسيدة فاطمة الزهراء وأسسوا لخلافة قوية نافست الخلافة العباسية المهيمنة .

وليسبقهم فطولونيون،  فإخشيديون فعرب ارتحلوا وسكنوا الوادى فى قبائل عربية كان لها موروثها الحضارى عمل بعضهم بالتجارة ، منذ البداية فى حضرية الموقع الجغرافى ، وظل بعضهم على بداوتهم فسكنوا ارض جوشن ( الشرقية ) وسيناء .

اختلطوا وتصاهروا وانصهروا وليسبقهم رومان وإغريق وبطالمة عاش بعضهم فى طبقية الانعزال ، واختلط بعضهم بعامة الشعب فأخذوا من المصريين القدماء بعض عاداتهم فى الدفن على سبيل المثال وأضفوا بصماتهم وسماتهم فى هجين وتبادل وامتزاج حضارى فكانت لوحات الفيوم .

عبر الزمان والمكان والهجرات ، انصهر الجميع فى البوتقة المصرية وتشربوا بسماتها .

كانت اكبر الهجرات العربية من اليمن ، ولا زال النطق اليمانى لحرف الجيم سمة من سمات النطق فى اللهجة المصرية الناطقة للعربية .

عبر الانصهار ظهر فلاسفة التمازج فكان أفلوطين المصرى وفيلون السكندري وفقهاء ومتصوفة حملوا الجينات العربية وتحور موروثهم بفعل الاحتكاك الجغرافى والمناخي والموروث المصرى المكتسب بالمصاهرة وبالتفاعل ، فكان الليث بن سعد وكان ذو النُّون المصرى .

سبقت الهجرات العربية ، هجرات إغريقية يونانية عبرانية من المحيط المتوسطى ومن فلسطين ومن الاجتياح الرومانى تفاعلت ، مع الموروث الجغرافى الحضارى المصرى القديم فظهرت اللغة القبطية .

يرى بعض المختصين ان اللغة القبطية هي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية التي تكلم بها وكتبها قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. والرأي السائد لدى العلماء أنها تنحدرُ من اللغة المصرية المتأخرة مباشرة، حسبما كانوا يتحدثونها في القرن السادس عشر قبل الميلاد مع بداية الدولة الحديثة.

مرت اللغة القبطية بمراحل،

و فى مرحلتها الاولى نرى ان أقدم بردية موجودة إلى الآن تسجل واحدة من الكتابات الأولى لكتابة لغة التخاطب المصرية بالحروف اليونانية (Proto Coptic) هي بردية هايدلبرج 414 التي ترجع إلى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد. و تشتمل على قائمة لمفردات قبطية بحروف يونانية مع ما يقابلها في المعنى باللغة اليونانية. و هي مكتوبة بواسطة مصريين. وربما سبقت هذه الوثيقة محاولات أخرى لم تصل الينا. وفى مرحلتها الثانية
والتى بدأت في العصر الروماني وهي المعروفة بالكتابة القبطية القديمة Old Coptic وترجع وثائقها إلى المصريين الوثنيين الذين عاشوا في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد. وهي وثائق لا علاقة لها بالمسيحيين لأنها تتصل بالسحر والتنجيم بالإضافة الي لافتات المومياوات وما شبة ذلك.

لا نستطيع ان نزعم مع امتزاج اليونان ، والبطالمة ، والهجرات المسيحية للحواريين من فلسطين، ثم الهجرات العربية ، بنقاء العنصر المصرى .

التركيبة المصرية خاليستى متنوعه ، ولكن الفارق فيها انها انصهرت دوناً عن العرقيات المختلفة فى البوتقة المصرية فاكتسب سماتاً سلوكية وطبائعية ، تحورت جيناتها السلوكية فأكسبتها السمات المصرية .

مع هذا الخاليستى الموجود، مصريين قدماء ، هجرات مسيحية، إغريقية ، تركية ، مملوكية مجلوبة ، ترى بعض الدراسات ان التركيب الجينى للمصريين متجانس فى ٨٥ فى المائة من السكان .

ربما يكون هذا لحجم الدراسة ، ( والشريحة التى تم دراستها) او بالفعل مع الامتزاج والانصهار اختلطت الجينات فى البوتقة الوراثية المصرية.

فى كل الأحوال الزعم بان مصر الحديثة ، فرعونية ، أو مسيحية ، أو إسلامية ، أو عربية ، كل على حدة ، هى محض تفكيكية عبثية لا تؤدى فى النهاية إلا للهدم و هو فى جوهره إخلال بالتركيبة المصرية الحديثة وهويتها .

مصر هى

Vector

أو القوة الموجهة

ومحصلة

Outcome

امتزاج الانصهار لهذه الثقافات والهويات .

ومحاولة فصل تركيبات الهوية كمن يحاول فصل توأم ملتصق مشترك فى القلب والدماغ .

يبقى ان نرصد ان الفنان محمود مختار ، فى تمثاله نهضة مصر والذى صاغه نحتاً فى محاولة لإجابة سؤال المعتمد البريطانى ، كان الرائد سبقا فى صياغة الهوية حين جسد التمثال ب

Sphinx

أبو الهول رابضا ممثلاً للموروث المصرى القديم ، وبجانبه فلاحة ترتدى طرحة وجلابية وليس رداءه فرعونيا تتطلع لتمثل مصر المستقبل ، و مصر الفتية الحديثة ناتج امتزاج المكونات الموروثة والمستحدثة المنصهرة فى بوتقة الزمن

إرسال تعليق

0 تعليقات