الصين والولايات المتحدة وجها لوجه
د. محمد إبراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق
الخلافات التجارية بين
الولايات المتحدة والصين بلغت مستوى الحرب. المفاوضات بينهما لم تقدم شيئا إيجابيا
حتى الآن على الرغم من مرور 15 شهرا على انطلاقها. هناك جولة جديدة من هذه
المفاوضات في الشهر الجاري، إلا أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية أن تحقق شيئا
خصوصا بعد أن صدرت مواقف متصلبة من كلا الطرفين الأمريكي والصيني.
المشكلات التي ممكن ان تصيب الاقتصاد الأمريكي أكبر
اقتصاد في العالم تؤثر مباشرة علي الساحة الدولية، ولا سيما في ظل مخاوف متنامية
من دخول الاقتصاد العالمي في دائرة الركود. هذا الاقتصاد يشهد تباطؤا مخيفا، بينما
تواجه دول متقدمة تراجع النمو، مثل ألمانيا، إلى جانب تراجع واضح للنمو في الصين
وصل إلى أدنى مستوى له منذ أعوام طويلة. الاقتصاد الأمريكي يمر بالفعل بفترة قد لا
تكون حرجة كثيرا، لكنها بالتأكيد حساسة جدا، ما أدى إلى تراجع الإقبال على السندات
الأمريكية، واهتزاز الأسواق المالية بصورة أو بأخرى. يتم ذلك، في ظل تصاعد الحرب
التجارية الأمريكية-الصينية التي بلغت حدا يتخذ فيه طرفاها إجراءات عقابية ضد
بعضهما بعضا من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع.
الاقتصاد الأمريكي يفقد حاليا سرعة نموه ما يضعه حتما
بالقرب من دائرة الركود، وهو آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي حاليا. فقد انخفض
هذا النمو إلى أقل من 2 في المائة. وهذا المستوى يعد على الساحة الأمريكية مؤشرا
إلى انكماش مقبل محليا. ومع ذلك يرى البعض وليس الكل، أن تحقيق النمو الأمريكي بين
1 و1.5 في المائة لا يعني أنه سيسقط في دائرة الانكماش. لكن جهات أخرى ترى عكس
ذلك. فالمؤسسات العالمية بدأت بالفعل تتحدث عن إمكانية حدوث هذا الانكماش قبل
نهاية العام الجاري، خصوصا بعد أن أظهرت بيانات مؤشر نشاط القطاع الصناعي، وصوله
إلى أقل مستوى له منذ أكثر من عشرة أعوام، ناهيك عن الأضرار الناجمة على قطاعات
أخرى "بينها الزراعة" من جراء الرسوم الجمركية الأمريكية الإضافية التي
فرضتها واشنطن على السلع الصينية المستخدمة في هذه القطاعات بصورة كبيرة.
ويبدو واضحا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي البنك المركزي
الأمريكي لن يتعاون مع الطلبات المتكررة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب بضرورة خفض
معدلات الفائدة لتعزيز النمو الاقتصادي. فهذا البنك أقدم بالفعل أخيرا على خفض
الفائدة لأول مرة منذ عقد من الزمن، وليس مستعدا لمواصلة الخفض وفق الوتيرة التي
يسعى إليها البيت الأبيض. لكن الرئيس لا يزال يضغط، إلا أنه لا توجد مؤشرات تدل
على أن هذه الضغوط ستثمر عن شيء على الأقل في الوقت المتبقي من العام الحالي. يحدث
هذا، بينما انطلقت بالفعل الحملات الخاصة بالانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهي
فترة معروفة بتراجع الاقتصاد الأمريكي خلالها، ما يعزز اعتقاد البعض بأن هذا
الاقتصاد ماض إلى مرحلة من الانكماش.
لا شك أن الولايات المتحدة تمتعت في الأعوام القليلة
الماضية بأطول فترة للنمو في تاريخها، لكن هذا الاستمرار في النمو يتوقف على مدى
قدرة المستهلكين الأمريكيين على الإنفاق، وهذه القدرة ليست قوية كما كانت منذ
عامين وفق كل المؤشرات الحكومية الصادرة. التحذيرات من مرحلة انكماش الاقتصاد
الأمريكي تشمل بصورة مرعبة الطلب على الأصول المالية الأمريكية. وهذه نقطة حساسة
جدا، خصوصا أن هذا الطلب شهد تراجعا بالفعل في الأشهر القليلة الماضية. وفي كل
الأحوال، فإن القلق الآن هو سيد الموقف على الساحة الاقتصادية الأمريكية، ما يعني
أن كل شيء بات محتملا في ظل تراجع النمو الصناعي، وهبوط الإنفاق الاستثماري،
وانخفاض وتيرة الوظائف في البلاد. إنها مرحلة حرجة بالفعل تؤثر بصورة مباشرة في
الاقتصاد العالمي.
0 تعليقات