الإمامة والنبوة (1)
محمود جابر
إنَّ
الإمامة قضية من أهمّ وأعظم القضايا التي دار حولها الجدل والخلاف بين المسلمين،
ولم يكن الجدل الدائر حولها زمانيا بعد وفاة النبي كما ذهب الكثير، بيد أن المدقق
الحصيف يرى أنها كانت مسارا للجدل منذ اللحظة الأولى من تاريخ الرسالة المحمدية،
فقد كانت مسار خلافا منذ بيعة الدار(1)، ومنذ مبيت الإمام فى فراش النبي وهجرته،
وكانت خلافا فى مبادرة المُؤاخاة (2)، وكان واضحة فى زواج الزهراء من أمير
المؤمنين(3)، وكان بينة فى غيرة البعض منه ومرتبطة بنبوءات المستقبل، وكانت أوضح
فى قيادة المعارك والنصر الحاسم (4)، كما
كانت فى تبوك وكشف الطابور الخامس (5) وكل تلك الأحداث كانت مقدمة للإعلان العام
المحدود فى أول موسم للحج الإسلامي(6) ثم
كانت نهاية هذا الجدل يوم الغدير (7).
لتكشف
حادثة الوصية ورزية الخميس طرفا من هذا التيار المعارض لإرادة الله، حتى إذا ما
جاء يوم السقيفة وجدنا أنفسنا أمام تيار متبلور ومتجسد ورافض وحاسد لنعمة الله
واصطفاءه، وكيف أنهم لما فشلوا فى حجب الوصي (الإمام) فى كل مراحل الإسلام عمدوا
عن إبعاد الأمر عنه عنونه وإن اضطروا إلى قتل أو الحرق أو فرض الإقامة الجبرية ...
مدخل
موضوعى :
في
سورة الفرقان شكي النبي صلى الله عليه وآله قومه بهجرانهم القرآن، وأحد مظاهر شكوى
النبي صلى الله عليه وآله قضية الإمامة، التي تركوا نصوص القرآن الواضحة وأعملوا
رأيهم، بزعم أن الإمامة ملك وكيف يتولى الملك علينا فلان (!!)
قرينة
حالهم فى قول الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ )
البقرة : 246- 247.
المتأمل
فى مطلع الآيتين الكريمتين يجد أن هناك ( ملأ و نبى و ملك )، والملأ هم رؤوس الناس
وأصحاب الكلمة. والنبي هو المبعوث من قبل الله تعالى. والملك/ الإمام وهو عامل الاستقرار
و السلطة يوصل كل فرد من أفراده إلى كماله اللائق به، ويدفع كل ما يمانع ذلك،
والذي يلزم وجوده في نيل هذا المطلوب أمران: أحدهما: العلم بجميع مصالح حياة الناس
ومفاسدها، وثانيهما: القدرة الجسمية على إجراء ما يراه من مصالح المملكة[1].
من
خلال الأية السابقة والعديد من الآيات التى تذكر النبوة والإمامة الإبراهيمية،
نكتشف أن مفهوم الإمامة لم يكن واضحا فى الأديان السابقة، وإنما اقتصر الحال على
مفهوم محدود (( النبوة – الصديق – الملك ))
كقول
الله تعالى (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ
اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة :251. وقوله تعالى ( أُولَئِكَ
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) الأنعام 89.
ومن
هنا فكان أمر الله تعالى لنبيه بكشف اللثام عن مكنون الولاية ومفهومة منذ نزول قول
الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا
بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة :67.
والأمر هنا بكشف الخط المخفي من الإمامة والتى بها يكتمل
الدين وتتم النعمة، وقد ورد عن أمير المؤمنين ع :" أنزل الله عز وجل (الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة : 3.
فكانت ولايتى كمال للدين ورضا الرب جل ذكره"[2].
وبهذا
الإعلان أصبح خط الإمامة واضحا جليا وهو الخط المتمم للدين والنعمة، فالإمامة هى
الجانب العملي والتطبيقي للتشريع بمعنى تحقيق المنهج من خلال الحكم بالمعنى الأوسع
للحكومة، وإجراء الحدود وتطبيق العدالة الاجتماعية وتربية الأفراد على مستوى النفس
( داخليا)، وعلى مستوى التعامل ( خارجيا)، إذا الإمام هو المسئول الفعلي لإجراء
الأحكام وتربية النفوس، للوصول بالمجتمع إلى حالة الكمال البشرى والتماهى مع مراد
الله تعالى لبعاده فى مرحلة ما بعد التبليغ .
0 تعليقات