الهدف الامريكى فى
الوثائق الإيرانية المسربة
محمود جابر
لا أحد ينكر النفوذ الإيراني في العراق، ولا أحد ينكر خضوع وارتكان أغلب
القوى السياسية العراقية لهذا النفوذ...
ومن هذا المنطلق نقول أن التقارير
الأمريكية حول الوثائق الإيرانية المسرية تندرج ضمن إطار الحرب الناعمة المتصاعدة
التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، وهو نوع من أنواع الضغط على
طهران ليس الإ، وتضاف إلى جانب سياسة الضغوط القصوى التي تمارسها لغاية الآن، فضلا
عن إدراجها ضمن مساعي واشنطن تقويض استقرار الحكومة العراقية الحالية برئاسة عادل
عبد المهدي في ظل توقيت حرج تعاني منه هذه الحكومة والطبقة السياسية برمتها من رفض
احتجاجي واسع أوقعهما في إطار أزمة شرعية وبقاء وإنجاز.
كما أن مضامين الوثائق لم تعطِ مستجدات ووقائع غير معروفة، أو غير متوقعة، لكنها جاءت مجتزئة، ولهذا نقول
أن هذه التسريبات ليس الا نوع من أنواع الضغط وليس القتل .
فقد استهدفت المعلومات المنشورة شخص رئيس الحكومة عادل عبد المهدي وبعض الشخصيات
والوزراء السابقين عن درجة ترابطهم مع إيران، إضافة إلى تدخل الأخيرة في تسمية
منصب رئيس الوزراء وبقية الكابينة والمناصب المهمة، وتغاضت عن شخصيات سياسية لها
علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الامريكية ودول إقليمية أخرى قد تكون الوثائق
أشارت إليها، ومنها شخصيات تعاونت مع إيران لكنها حجبت؛ لأنها غيرت مواقفها
وآراءها أو أنها أيدت المحور الأمريكي ومن يدور في فلكه، وأعلن عن أسماء محددة
كونها مرتبطة وداعمة للحكومة الحالية.
اختيار التوقيت كان مناسبا وحيويا بالنسبة لواشنطن، بعد اندلاع الاحتجاجات
في إيران والعراق، إذ تراهن واشنطن على تحشيد وضخ جرعات معززة لاستمرار وديمومة
تلك الاحتجاجات خاصة بعد تراجع حدتها في العراق وفي مطلع اندلاعها في إيران.
كسب عامل الزخم في تأجيج الأوضاع في هذين البلدين يخدم بشكل كبير المصالح الأمريكية
في تثبيت مصداقية مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط، ويخدم كذلك حلفاءها خصوم إيران
في الخليج ودول أخرى، إذ تبنت إدارة ترامب مقاربة لمواجهة النفوذ الإيراني في
المنطقة عبر سياسة تصعيد سوسيو اقتصادية، وتعمل مثل هذه الوثائق على شرعنة تلك
المقاربة وتعزيز رؤية إدارة الرئيس ترامب وتضاعف من حظوظ نجاح تلك المقاربة، مما
ينعكس بشكل كبير على حظوظه الانتخابية والتغطية على ملابسات عزله نتيجة التخابر مع
اوكرانيا حول منافسه جون بايدن.
تمتلك واشنطن قدرات هائلة في عملية الحرب السيبرانية وقدرات التجسس
والاختراق والتوظيف لمثل هذه الوثائق، ولا يشك أحد في وجود ملفات ضد قادة وساسة
ونافذين في العراق وكل بلدان العالم، لكن لا أحد يثق بسلامة نية واشنطن في غرض
وهدف نشر هذه الوثائق وما تفعله لا يتعدى تحقيق مصالحها وتخريب مصالح خصومها ونشر
حالة عدم الاستقرار في بلدانهم.
فاعلية هذه الوثائق -كما قلنا- قد لا تعني الكثير عند العراقيين لأنهم
يعرفون ما نشر، ولكنها تعني الكثير عند المستهدفين وحرق أوراقهم وفضح تناقضاتهم
وشبهاتهم تصبح مؤكدة وقائمة، وتعمل على إرضاخ أو اجتثاث وجودهم السياسي، لأن أمريكا
تراهن ضبط إيقاع حكومة عبد المهدى لصالحها أو فى أسوء الظروف إبعادها، وإبعاد كل
الشخصيات السياسية المقربة من إيران عبر استخدام تسريب تلك الوثائق.
لكن ما تم نشره يعد قطرة في بحر مما تملكه واشنطن من ملفات وتسجيلات حية
لمخالفات وجرائم وفساد عام لقوى سياسية عراقية مهمة وفاعلة، لأن ما تم تسريبه هو
وثائق إيرانية لبعض الساسة!
فكيف إذا نشرت الوثائق والتسجيلات الأمريكية ولساسة آخرين؟.
خاصة أن المجتمع العراقي مجتمع محافظ كما أنه متداخل ولهذا ستحسب الأحزاب
والشخصيات السياسية ألف حساب لتلك التسريبات مما يجعلها مؤثرة وفاعلة في مجريات
الساحة العراقية، وليس كما يشاع بأنها لن تغير شيئا من المعادلة كما نشرت وثائق
بنما وويكليكس وغيرها، إلا في حالة أن تنشر إيران وثائق مضادة لشخصيات سياسية
عراقية وغيرها تراهن عليها واشنطن أو أنها مقربة منها ومحسوبة عليها توقعها في
إطار التناقض والانتقائية وبالتالي تكون مردودات هذه الوثائق عكسية سلبية عليها.
نستبعد أن تأخذ هذه التسريبات مديات واسعة وتأثير فعال على ملف التظاهرات
في إيران والعراق، ونستبعد أن تنشر ملفات وتسجيلات أكثر خطورة لأنها قد تجعل
واشنطن متواطئة وشريكة، لكنها ستكون فاعلة في تليين صلابة الموقف الإيراني تجاه
دعم بعض الشخصيات السياسية في العراق، كما أنها تدفع بإتجاه إسراع تغيير الحكومة
الحالية أو احتواء تحركات وتوجهات تلك الحكومة ورئيسها تجاه إيران وتضطره لاستدارة
وتوازن في إدارة العلاقات العراقية مع كل من طهران وواشنطن كما كانت في مطلع حكومة
حيدر العبادي بما يخدم المصالح الامريكية.
إضافة إلى أنها قد تنجح في تقليص محدود للنفوذ الإيراني في العراق وتقديم
بعض التنازلات حول تركيز طهران على دعم شخصيات موالية لها على حساب المشروع
الإيراني، لضبط الأوضاع داخل إيران وعدم انتشار وتتزايد رقعة الاحتجاجات، ولتبديد
حالة الرفض الشعبي العراقي المتزايد للدور الإيراني في الفعل السياسي.
ولعل هذه هو الهدف المركزي والرئيس وراء تلك التسريبات التى لم تعد تعنى
سوى من قام بها وبعض الأطراف، وحتما فإن الشارع بمعزل عن التحرك وفق هذه التسريبات
.
0 تعليقات