فى ميلاد النبى
الأكرم ... ميلاد منهج جديد
محمود جابر
العقل البشرى يحكمه منهجان من التفكير منهج الثبات والتقليد والمحاكاة ،
ومنهج التجديد والإبداع والتطور ....
فقط الشجعان والأذكياء والانقياء والمناضلون والقادرون هم وحدهم من يخضون
غمار التجربة، بحثا عن تطور وعن عالم أفضل، وبحثا عن حال المشكلات العالقة التى لا
حل لها، معتبرين ان التجديد والتطور من سنة الله فى كونه، وانهم بذلك يقدمون الخير
للعالم وللإنسانية .
أما هؤلاء التقليديون والثابتون والسلفيون، فإنهم يريدون أن يبقى كل شىء
كما هو عليه فلا حل للمشكلات ولا تطور ولا تقدم، لانهم خائفون وعاجزون، ويضفون على
عجزهم هذا حالة من القدسية المزيفة ويستنطقون الدين على هواهم ويصنعون من غير
المقدس حالة تقديس ....
هذه مقدمة هامة لابد منه فى تناول سيرة وحياة النبى المصطفى صلوات الله
عليه ....
فقد كان صلى الله عليه وآله مبدعا أيما إبداع شجاعا مجددا، يحب التطور الذى
يضفى على الحياة حالة من الراحة هى تسبيح فى المسار الطبيعي للعبودية لله تعالى .
شب النبى فى وسط الأمانة فيه نادرة، رغم ان الأمانة والاستوثاق فى
المعاملات هى من صميم الحفاظ على مكانة مجتمعه القرشى الذى يعمل بالتجارة، التى
فيها صحاب تجارة والوسيط والمشترى والعاملين على هذه التجارة بيعا ونقلا وحراسة
...
وشيوع حالة الخيانة والغش وأكل الحقوق هو مجموعة من الفيروسات التى تعلق
بالمجتمع من اجل أن تؤدى به الى الانهيار، ولهذا حاول النبى منذ اشتغاله بهذه
المهنة أن يعيد صورة التاجر والعامل فى هذه التجارة بأن الربح يرتبط ارتباطا وثيقا
بصدق المعاملة والأمانة حتى يثتوثق أصحاب المال فيه، وكان يثق المشترى فيه ومن هنا
علم النبى ان نجاح هذه التجارة يمر عبر بوابة الشفافية والصدق والامانة .....
وقد أدى اعتماد هذا المنهج الى نجاح غير عادى جعل الجميع يحذوا حذوه ويكون
هو النموذج فى الشرف والأمانة والكسب المشروع، ويكون محط لوضع الأمانات وحفظها ...
وكان هذه هى اللقطة الأولى فى وجود مصلح فى محيطة الاجتماعي .
أما فكرة الإيمان بالعلم والقراءة، والتى هى مخالفة لفكرة العلم فى الراس
مش فى الكراس، فإن العلم الحقيقى هو علم الكراس وليس علم الفهلوة وادعاء المعرفة،
ومن هنا جاءت الآيات الأولى لسورة القلم، السورة هى القلم، والقلم هو أداة من أدوات
التعلم، والترقى والتقدم والتجديد، والسورة تتحدث عن القراءة، والقراءة لها معنيان
الأولى معنى قريب والثاني معنى بعيد، اما المعنى القريب فهو القراءة التى نعرفها
جميعا، ام القراءة بمعنى المقارنة والتسجيل والمتابعة والتى تعنى المسح ومتابعة
النتائج وأخذ عينات الى ما غير ذلك من هذا العلم الذى هو منهج التفكير العلمى فقد
وجدناه فى هذه السورة والتى طبقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى حياته
وعلمها أصحابه وعلمها من جاء بعدهم ( الأمة – العالم) .
فكانت دعوته ليست على طريقة شمشون أو من يبايعنى على الموت، ولكن كانت
دعوته هادىء تختار من له استعداد نفسى للتصديق، مبتعدا عن أولئك المعاندين
والمتعصبين، يختار من أصدقائه ومن أقاربه من لديه استعداد من اجل صناعة نواة صلبة
تستطيع أن تتوسع وتكون دوائر حيوية للدعوة تكسب من خلالها أناس جدد وأرض جديدة .
وحينما استنفذ قريش من استخلاص ما بها من أناس لديهم استعداد لدعوته، لم
يقف محتارا أو ساكنا او صامتا او مصابا بإحباط من موقف هؤلاء الأهل والقوم الذين
يعيش بينهم، ولكنه سعى طلبا فى مصادر جديدة لدعوته مصادر على مستوى البشر ومستوى الأرض
وإحداث جدل ومن اجل الا يحاصر فى وسط متشبع بالرفض والبغض والكراهية يمكن أن
يقتلوه أو ينفوه أو يقضوا على دعوته .
كما ان دراسة البيئات الجغرافيا الاجتماعية والبشرية للبيئات المحيطة جعله
يحدد هدفه فى نقل دعوته لبيئة أكثر استجابة، وقادرة على حمل هذا المنهج الجديد
ودفع ضريبته وتحمل المشاق فى سبيل إنجاح هذه التجرية ....
الحديث عن التجديد والابتكار وخوض التجربة فى حياة النبى صلى الله عليه
وآله وسلم حديث لا ينتهى وهو بحر فياض بالدروس والعبر، ولكن الدرس الأهم فيه أن
السلفية والسكون والثبات لم يكن يوما منهجا لدى النبى ولام يكن منهجا مختارا عنده
صلى الله عليه وآله وسلم
0 تعليقات