لماذا يرى العالم أن
انتخابات ديسمبر ٢٠١٩ هي الأهم في تاريخ المملكة المتحدة المعاصر…
هانى عزت بسيونى
… تعتبر الانتخابات البرلمانية القادمة الأهم في تاريخ بريطانيا المعاصر لأنها
تخاطر بتقسيم المملكة المتحدة فهي لن تؤثر على البريكست فقط بل ستؤثر أيضاً على
احتمال إجراء استفتاء ثان على عضوية بريطانيا بالاتحاد الأوروبي وكذلك على إجراء
استفتاء استقلال ثان في إسكتلندا وعلى السياسة الخارجية والأمنية لبريطانيا وكذلك
على مكانة بريطانيا في النظام الدولي ككل ، فوفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة "Hope and Hate
Foundation" يعتقد ٧٧٪ من البريطانيين الآن أن البريكست يغذي شعور
التعصب ويزيد من انقسام بريطانيا أكثر من أي وقت مضى ، كما أعتبر نحو ٦٧٪ من
الناخبين من ذوي الأصول الأفريقية والآسيوية بالإضافة إلى بعض الأقليات العرقية أن
العنصرية آخذة في الازدياد ، فقد ذكر نحو ٥٦٪ منهم إنهم تعرضوا لبعض أشكال
المضايقات في العام الماضي كما أن ٧٠٪ ممن تتراوح أعمارهم بين ١٨ إلى ٢٤ عام قد أكدوا
أنهم يتعرضون للترهيب العنصري خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لكن الانقسامات
المريرة والمتفاقمة تمتد إلى ما وراء هذه البيئة المعادية وتتخطى المعركة الحالية
بين المؤيدين والمعارضين للبريكست ، فبريطانيا مقسمّة الآن بشكل أكثر حدة بين
الشمال والجنوب وبين الأغنياء والفقراء وبين الدول الأربع التي ظلت متماسكة وساعدت
على تشكيل المملكة المتحدة وهي إنجلترا وإسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية .
وبالعودة إلى أجواء الانتخابات العامة البرلمانية ندرك التباين الواضح بين
طرفيها الأساسيين وهما حزبي المحافظين والعمال في مواقفهم حيث يبني زعيم المحافظين
Boris
Johnson حملته على برنامج شعبوي يتهم الاتحاد الأوروبي والمعارضة بعرقلة
إرادة الشعب وخيانة نتيجة استفتاء بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي في يونيو ٢٠١٦
والذي مثّل نقطة انطلاق العملية بأكملها ، فيما يجد حزب العمّال صعوبة في تشكيل
رسالة متماسكة فبعض أطرافه تريد التفاوض على صفقة مع الاتحاد الأوروبي بينما تريد
أخرى عقد استفتاء آخر لدراسة رأي البريطانيين من جديد فيما يتعلق بخروج بلادهم من
الاتحاد الأوروبي ، وتشير مجمل استطلاعات الرأي إلى تواصل رغبة جزء كبير من
الناخبين في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وذلك بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء
، وقد يؤدي هذا إلى انتصار مؤيدي الخروج مما يمكن أن يزيد من فرص تحقيق ذلك دون
صفقة قبل نهاية يناير ٢٠٢٠ .
كما تشير استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن زعيم المحافظين Boris Johnson على وجه
العموم أصبح يكتسب ثقة لدى الناخبين أكبر من Jeremy Corbyn بخصوص
التعامل مع قضية بريكست والوضع الاقتصادي ، بينما يميل Jeremy Corbyn زعيم العمال
إلى التركيز على القضايا المرتبطة بالصحة وتأميم وسائل الخدمات العامة بشكل جزئي
بما قد يمكن حزب المحافظين بالفوز بأغلبية المقاعد ومن ثم إقرار مشروع قانون
اتفاقية الانسحاب الذي توصل إليه رئيس الوزراء Boris Johnson في أوائل
عام ٢٠٢٠ ، لكن هذه الاستطلاعات تخفي أيضاً الكثير من التحولات الأخرى التي من
الممكن أن تحدث لتجعل نتائج الانتخابات العامة لعام ٢٠١٩ غير متوقعة ، يمثل أحد أهم
هذه التحولات ما يتعلق بكاريزما القيادة ، فبينما يتمتع المحافظ Boris Johnson بسمعة
قيادية أقوى من العمالي Jeremy Corbyn إلا أنه يجب أن نتذكر أن ما يميز الجيل الحالي من قادة الأحزاب في
بريطانيا هو أنهم لا يتمتعون بشعبية ، ففي حين أن زعيم المحافظين Johnson يسجل أدنى
التصنيفات لأي رئيس وزراء جديد فإن Jeremy Corbyn زعيم حزب العمال يسجل أدنى تصنيفات لأي زعيم
معارض.
واستناداً الى ذلك نجد أنه من أبرز مفارقات خروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي تحول أحد أكثر الأنظمة الحزبية استقرارا في العالم إلى سباق من أربعة
أحزاب في ظل تشكيل حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض لخروج بريطانيا من الاتحاد
الأوروبي وكذلك حزب البريكسيت المتشكك بالأساس في الاتحاد الأوروبي ، بما يمثل
تحدّيا خطيراً للحزبين الرئيسيين المحافظين والعمال ، ويستشهد بذلك أرقام أحدث
استطلاع للرأي والذي جاء فيه أن حزبي العمال والمحافظين لا يجذبان سوى ٦١٪ من
إجمالي الأصوات فقد تحول عدد كبير من الناخبين الذين صوتوا لصالح حزب العمال في
انتخابات ٢٠١٧ ( أي واحد من كل أربعة ) إلى التصويت لصالح حزب الديمقراطيين
الأحرار الذين يعدون بإلغاء المادة خمسين من معاهدة لشبونة والتي تعني إلغاء خروج
بريطانيا بالأساس من الاتحاد الأوروبي ، بمعنى أن هذا الانقسام في التصويت سيؤدي
إلى احتمال ظهور نتائج غير متوقعة على مستوى الدوائر الانتخابية.
وفي الطرف الآخر من سباق الأحزاب يتصارع حزب المحافظين في ظل مواجهته
تهديداً مماثلاً ولكنه أقل خطورة حيث يجذب حزب البريكسيت الجديد نحو شخص من كل
عشرة أشخاص صوتوا لصالح حزب المحافظين في عام ٢٠١٧ ، مما سيجعل مهمة زعيم
المحافظين Boris
Johnson المتمثلة في الاستيلاء على مقاعد حزب العمال المؤيدة لخروج
بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصعب.
هذا ويمكن التنبؤ قليلاً بما سيحدث في المرحلة القادمة من خلال تصنيفات
القيادة حيث نجد أنه في حين ان ٨٠٪ من الناخبين في حزب البريكست يفضلون Boris Johnson عن Corbyn ، فإن ٢٥٪
فقط من ناخبي حزب الديمقراطيين الأحرار يفضلون Jeremy Corbyn عن Boris Johnson ، وقد تكون
محاولة Johnson لدمج تصويت “مغادرة
بريطانيا للتكتل الأوروبي” أسهل من محاولة Jeremy Corbyn لدمج تصويت ”البقاء وإجراء استفتاء جديد” وذلك
وفق دراسة قام بها المعهد الملكي للشئون الدولية "Chatham House" .
تجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات تعد الخامسة على مستوى بريطانيا خلال
أربع سنوات فقط بعد الانتخابات العامة عام ٢٠١٥ واستفتاء الخروج من الاتحاد
الأوروبي عام ٢٠١٦ والانتخابات العامة عام ٢٠١٧ وانتخابات البرلمان الأوروبي عام ٢٠١٩
حيث أصبح النظام السياسي والناخبون البريطانيون في حالة تقلب مستمر وقام عدد كبير
من الناخبين بإعادة تقييم اختياراتهم ، وقد أوضحت دراسة بشأن عمليات التصويت في
الانتخابات البريطانية إن المعدل الحالي لتبديل الأصوات في السياسة البريطانية لم
يسبق له مثيل في تاريخ المملكة المتحدة المعاصر من خلال حملات الانتخابات الثلاثة
التي أجريت في أعوام ٢٠١٠ و ٢٠١٥ و ٢٠١٧ فقد قام ٤٩٪ من الناخبين بتغيير أصواتهم
، ولكن لا يعد هذا التحول اللافت في السياسة البريطانية وتغيير الولاءات الحزبية
التقليدية بأنه يرتبط بالضرورة بصفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، فالتعلق
بالأحزاب الرئيسية يضعف منذ الستينات لكن بريكست سرّع من هذه العملية وأعطاها الأسباب
التي تجعلها أكثر وضوحاً .
كل هذا يجعل من انتخابات ديسمبر ٢٠١٩ الأهم في تاريخ المملكة المتحدة
المعاصر ، ولننتظر إذن ماذا ستحمل لبريطانيا والعالم من جديد القادم لمستقبل
المملكة المتحدة .
0 تعليقات