الإرهاب بين تقديس
الدين وتقديس التاريخ
د . محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
اعتقد أن احد الأسباب المهمة للإرهاب فى العالم هو الصورة المزيفة التي
تستخدمها هذه الجماعات لتاريخنا الإسلامي والتى تختزل الحل السحري لمشاكلنا فى
التعليم والصحة والحكم والاقتصاد وغيرها فى هدم المجتمعات القائمة والعودة الى الصورة
الذهنية المزيفة لعصور الإسلام الأولى بعد وفاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام،
وتطبيق الشريعة وهذا غير واقعى وغير حقيقى.
فلقد تمكن الإسلاميين والمتطرفين
من بسط سيطرتهم على مناطق شاسعة فى عالمنا العربى فى العراق وسوريا وليبيا وفى
أفغانستان ولكنها جميعها باءت بالخراب والفشل ناهيك عن القتل على الهوية والدمار
والهدم لجميع مكتسبات الحضارة الحديثة ذلك لانهم جميعا كانوا يطبقون الصورة
الذهنية المزيفة المطبوعة فى عقولهم عن انهار اللبن والعسل التى سرعان ما تنهمر
علي المجتمعات التى يحكمونها بمجرد تطبيق شرع الله المتصور فقط فى عقولهم.
وهكذا مازال آلاف الشباب ينزلقون الى العنف المؤدلج لاعادة هدم المجتمع
وبناءه، ولو عرف هؤلاء التاريخ الحقيقى لهذه الحضارة بمثالبها وروائعها وتراثها
وقيمها العليا التى قامت على التسامح وفق مقاييس عصرها، بل وإتاحة المجال أمام الرأي
الآخر مهما بلغ شططه ايضا وفق مفاهيم عصرهم، بل واحترامهم ديانات الآخرين وعدم
التدخل فى عبادتهم، ما وصلنا الى هذا الحال المزرى من ارتباط العنف بالاسلام، واذ
انت خاطبت فقهائنا لضرورة شرح الماضى بمحاسنه وسيئاتها ليكون عونا لنا على بناء
المستقبل وانه لا يمكن استنساخ الماضى ابدا لسبب بسيط انه غير موجود بالاساس فسوف
تتهم فورا فى عقيدتك لتنتقل من موقف الهجوم والنقد الى موقف الدفاع عن نفسك خوفا
من اهدار دمك. ليت فقهائنا يعون هذه الحقائق ويتوقفوا عن تزييف التاريخ الإسلامي
الحقيقي الذي زيفه بعض الفقهاء والوعاظ وصوروا لنا رجالا لا يأتيهم الباطل ولم
يقولوا لنا ان هؤلاء العظام اخطاؤا وأصابوا، ولكنهم فى سبيل بناء دولتهم كان
التفكير العقلانى والدهاء رائدهم وكان الأخذ بأسباب العلم وفق مقاييس عصرهم هو
السبيل لبناء حضارتهم الإسلامية العظيمة.
للاسف لا لقد زيفوا التاريخ عن الفترة التى تلت وفاة سيدنا الرسول صلى الله
عليه وسلم، ورسموه لنا على انه يوتوبيا أرضية لقديسين عاشوا على الأرض ولم تك تشغل
بالهم امور سوى الصلاة والصوم والنقاب والحجاب وإطالة الحى والمداومة على الذكر مع
غض البصر وهكذا كانت سيرتهم فانفحت أمامهم أبواب الخير من كل حدب وصوب.
لكن كانت هناك خلافات وصراعات حدثت اعتبارا من خلافة سيدنا ابى بكر وعمر بن
الخطاب وعلى بن ابى طالب وعثمان بن عفان ومعاوية بن ابى سفيان، وعمرو بن العاص
والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة وغيرهم كثر والى نهاية الفترة
الاموية تقريبا.
فهؤلاء العظام بشرا يخطئون ويصيبون تلهيهم السلطة والمجد وتتناوشهم
الخلافات، يضعف بعضهم امام القوة ويلوى اخرون عنق الحق والعدل فى سبيل امارة او
ولاية. هم بشر بكل معنى الكلمة ولكنهم فى النهاية استطاعوا ان يضعوا الاساس لحضارة
اسلامية زاهرة كانت مركز العالم لقرون عديدة.
0 تعليقات