هامانات العصر
دأحمد دبيان
وتظل الأسطورة بتفاصيلها مفتاحاً لسبر شخصيات الشعوب .
على سبيل المثال وفى الملاحم الإغريقية مثل الإلياذة والأوديسة ، دور البطل
الفرد محدود ، الأبطال فيها متساوين فى المساحة ،
أخيل وهكطور ، وأجا ممنون وهيلانه وحتى باريس ، انتهاءا للأوديسة وبنيلوبى
ويوليسيس ، وبحارته .
هناك دور للبطل يوازيه دور لبطل آخر بل وأبطال متعددين ، وفى هذا كانت
لبنات التعددية قائمة جنيناً فى فلسفة الشعوب بإفرازاتها الميثولوجية .
على النقيض ، كان البطل الفرد فى الملاحم العربية بطلاً أوحد مساحته
البطولية تجعل ممن يجاوره ظلاً للبطل ،
الزير سالم ، سيرة سيف بن ذى يزن ، سيرة الظاهر بيبرس ، سيرة عنترة .
وفى احيان كثيرة كانت السيرة هى الإعلام السياسى الذى تصطنعه السلطة ،
لتجميل صورة الحاكم وإضفاء الشرعية الشعبية والزخم الجماهيري عليه كما فى سيرة
الظاهر بيبرس والتى اخفت بتأريخ اسطورى شعبى دوره فى مقتل عز الدين إيبك ودوره
الآخر فى مقتل سيف الدين قطز صانع انتصار عين جالوت .
ربما كانت السيرة الهلالية وتغريبه بنى هلال هى الإرهاصة
الأقرب للتعددية وان ظل البطل الفرد فيها هو المهيمن على المشهد العام .
ربما كانت تعددية الآلهة والأدوار على جبل الاوليمب رغم طرح زيوس كبيراً
لهم لا يطيعونه فى احيان كثيرة تعكس الطرح التعددي للبطولة فى الإلياذة والأوديسة
، بينما ظل الشرق المتأثر بهيمنة الثقافات الفرعونية والفارسية ، انعكاساً للإله
الفرد الطاغى المهيمن والمرسخ ، من آمون الى مردوخ ، والتى انتهت الى ترسيخ
الديانات الإبراهيمية باله فرد متفرد ممثلا فى يهوه ( الذى هو هو )
والالوهيم وايل ، والله بالنطق العربى .
جاء التجسيد الفرد المتفرد للإله فى الشرق ليصبغ كل السياسات الوضعية فى الحكم
البشرى لهذه المنطقة بل وتصديرها للفكر اللاهوتى بعد اعتناق الامبراطورية
الرومانية والوراثة للحضارة الاغريقية بتعددياتها وتحولها الرسمى للديانة المسيحية
وارثة اليهودية والتين تمثلان اثنان من كبرى الديانات الإبراهيمية .
تطورت نظرية الحكم الالهى ليستمد الملك الإمبراطور سلطته من الله ، وكان
هذا ميراثا مصدراً من آمون المصرى وفراعينه، ومردوخ البابلى وحكام بلاد النهرين .
جاء الاسلام تثويراً مجتمعياً مرسخاً لمساواة وشورى وضربا لمركزية القبلية
ممثلة فى قريش ، لم يستمر طويلاً حين القت الثورة الأموية المضادة بفقهائها
ومستشاريها من دهاقنة السلطة الدينية البيزنطية واعادت ترسيخ الحق الالهى وجعلته
نسيجاً أصيلًا لتعاطى فقه السلطة الرسمى .
كانت السلطة السياسية مطلقة تدعمها السلطة الكهنوتية الداعمة ، فكان لزاماً
وضع امتيازات حياتية لرجل الدين وإسباغ القداسة التى قد تصل الى ما يفوق مقام
الرسل والانبياء .
وبينما لم يذكر عن محمد عليه الصلاة والسلام انه قد امر بقتل من ينتقده فى
الشق الرسولي من غير المسلمين واية المباهلة فى الشق الدعوى أوكلت الامر لله .
الا ان الفقه السلطوي الاموى اسبغ القداسة على مؤسسه وكهنوته الداعم وكل من
يستدعى هذا الفقه المرسخ للطغيان .
الفقه السلطوي الاموى لم ينته بانتهاء الدولة الأموية فهو فقه ذهبى لكل
صاحب سلطان .
وهو استنساخ فعلى لفرعون وهامان
وهى تعريب ( ها -أمن )
او حاجب آمون.
وفى كل عصر سنجد فرعوناً مؤمناً يدعمه هامان مرسخ لطغيانه، يصل ايضاً
بالإعلام الموجه لمرتبة النبوة والقداسة حتى ولو أفتى بالقتل المباشر او غير
المباشر بالدعوة للعزوف عن طلب العلاج بتطوراته الزمنية وبتأويلات دينية يجانبها
الصواب ،ولننتهى بقداسة الاولياء لهامان وجنوده ممن يترحمون عليه ويترضون الهياً
عنه وينصبون مقاصل محاكم التفتيش لكل من يتعاطى فضيلة التدبر منتقداً قداسة مزعومة
لهامان هنا وهامان هناك.
0 تعليقات