آخر الأخبار

هياكل التوحيد






هياكل التوحيد

علي الأصولي

معظم أصحاب النهضات الأصلية والفرعية والتنويرية في العالم بصورة عامة والإسلامي بصورة خاصة ، والشيعي بصورة اخص اتخذوا مسلك الأوائل من المفكرين والفلاسفة والمتأملين، ابتداءا ببعض فلاسفة الإغريق ومرورا بفلاسفة ومتفلسفة الإسلام، والتزموا بمجمل مقالاتهم وأفكارهم، ومنهم، الفيلسوف الأندلسي الأبرز أبو الوليد ابن رشد

ومن غير الصحيح فصل الحركة التنويرية بالفكر الأوربي عن جذوره الأندلسية بعد الترجمة منذ زمن ابن رشد ومحنته بين أبناء قومه ودينه، في البدء أصدر الفقهاء ( السنة ) فتوى قاسية ضد الفلسفة، كفروا فيها من يشتغل بها واعتبروها مخالفة لأصول الدين ولإجماع المسلمين. فألف ابن رشد بعض كتبه لبيان اللبس الحاصل في الذهنية الفقهية تجاه مقولة الفلسفة؛

حاول الفقهاء آنذاك تصوير الحياة الفاضلة هو بانتهاج سبل الشريعة ضاربين مقولات الطريقة والحقيقة عرض الجدار،

ووافقهم ابن رشد في ضرب مقولة ( الطريقة ) التصوف؛

ولكنه نافح بالدفاع عن الحقيقة التي اعتبرها من مخرجات الفلسفة وبهذا يكون عنده الحياة الفاضلة لا تنال إلا بالفلسفة والفهم الفلسفي والمنهجية الفلسفية،

وآمن بإن هدف الدين وهدف الفلسفة هو بالحقيقة هدف وأحد وغاية ما في الأمر تباين طرقها أو طرق الهدف،

لم يتحفظ ابن رشد من المنهج الفقهي المعمول آنذاك حيث اعتبره منهج خطابي جدلي يربك طلاب الحقيقة بينما في الفلسفة فالأمر مختلف حيث المنهج العقلي لا يناور في مساحاته سوى البرهان والمنطق،

ولم يخالف الفيلسوف مبدأ كون ما جاء به الدين هو الحق وفي قبال ذلك ما جاءت به الفلسفة أيضا حق،

والحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له،

وهنا دخل ابن رشد مرحلة التأويل في كل ما يقابله من نص يتعذر المنهج العقلي قبول ظاهره، واعتبر بإن العقل لا يتعارض بالأصل مع النص فلا يمكن رد النص ولا يمكن الحكم بضلال العقل في آن واحد، وما يحدث من تضاد وخلاف لا يرجع للحقيقة باعتبار كون الحقيقة واحدة بقدر ما يرجع لاختلاف فهم المتلقي، فالخلاف هو بحسب الظاهر النصي لا بحسب جوهر النص،

وهنا استشاط الفقهاء غيظا وحنقا على ابن رشد وأصدروا في حقه فتاوى التضليل والتكفير بل والنفي بعد حرق تراثه !

وبعد النقلة في الترجمة الفكرية لآراء ابن رشد عارض جملة من المفكرين مقولة ابن رشد في مسألة كون الحقيقة واحدة( الشرعية والفلسفية ) حيث ذهبوا إلى كون هذه المقولة من هفوات فيلسوف الأندلس، وذهبوا كون الحقيقة تقسم إلى حقيقة دينية وحقيقة علمية ولكل منهما وجود مستقل ولا معنى لاتعاب النفس والفكر والتوفيق بين الحقيقتين، وتعذر بعضهم لابن رشد كونه محكوم في بيئة ضاغطة لا يمكن له مخالفتها خوفا من سطوة الفقهاء والسلاطين، وعلى ضوء هذا الفصل تم التمهيد للأفكار الفلسفية المحظورة وأن خالفت النص الانجيلي أو التوراتي المتوارث، ودخل هؤلاء في صراع مرير مع الكنيسة وآبائها من جهة واتباع الكنسية من جهة ثانية والقياصرة من جهة ثالثة، وقد طرحت عدة تفسيرات دينية نصية للعبور من المشكل الخرافي المنتشر في ثنايا الكتب المقدسة عندهم،

إلا أن تمت سيطرة هذا الاتجاه على أوربا بشكل مطلق وتم عزل الفهم الكنسي واتجاه المحافظ في تكايا يوم الأحد للتبرك فقط،

بينما حاول ابن رشد ان يؤصل للاتصال بين الفلسفة والدين حاول من جاء بعده لفصل مقولة الفلسفة من مقولة الدين،

وبينما رفض الفيلسوف المستنير ان يوظف الدين لأجل الفلسفة جاء من بعده من يحاول أن يوظف الدين لأجل الفلسفة،

وكيفما كان: لم يستطع ابن رشد ونظريته التوفيقية بين الدين والفلسفة اقتحام هياكل التوحيد ولم يستطع أرباب الهيكل من إقناع من يحاول الفصل الديني والفلسفي بدعوى التنوير المتطرف.


إرسال تعليق

0 تعليقات