آخر الأخبار

عرض لكتاب ( الموساد في العراق ودول الجوار)





عرض لكتاب ( الموساد في العراق ودول الجوار)

تأليف: شلومو نكديمون



عرض لكتاب ( الموساد في العراق ودول الجوار)


راديو بغداد يكشف سراً :

حمل بدير خان مبادرة من البارزاني في 1 نيسان 1963 إلى إسرائيل، واجتمع مع بن غوريون، ومع غولدا مائير، ورئيس الأركان تسفي زامير، ورئيس الاستخبارات، وينقل عن شاه إيران حول الوضع الكردي في العراق (نحن نرغب في استمرار لهيب التمرد الكردي في العراق شريطة أن لا يتحول هذا اللهيب إلى حريق كبير). ومن ناحية أخرى، اعتبرت إسرائيل القضية الكردية بمثابة فرصة لا تثمن بالذهب، لإضعاف مخالب الجيش العراقي يذكّرها بالأيام الخوالي البعيدة، ولاعتبارات أخرى.

عملية أثينا بدأت في باريس :

يتحدث الكتاب عن لقاء تم بين موظف إسرائيلي رفيع وآخر إيراني يوم 30/6/1963 في باريس حيث قال الإيراني إن الأكراد يطلبون مساعدتنا ومصلحتنا تقتضي تقديمها لهم، بيد أننا لا نعتزم عمل ذلك دون موافقتكم، وسميت (عملية أثينا) وتعني اتفاقية دعم الأكراد بالمال ومحطة للإرسال، وإن المواد المرسلة من إسرائيل إلى الأكراد تمر عبر إيران بواسطة السافاك. وبنفس هذا الموضوع يذكر أن الباحث (آدموند غاريب) في كتابه (القضية الكردية في العراق) ذكر بإن الموساد والسافاك شكّلا جهاز مخابرات كردي متطور، لجمع المعلومات عن الحكومة العراقية، وأوضاع العراق وتنقل إلى السافاك والموساد. وكانت الدعاية الكردية تعتمد المبالغة والتهويل فمثلا حين تقتل حظيرة من الجنود العراقيين كانت تعلن عن مقتل مائتي جندي عراقي.

في تشرين2 (نوفمبر) 1963 وصل إبراهيم احمد وصهره الطالباني إلى السفارة الإسرائيلية في باريس وطلب الاجتماع مع ممثلي الموساد، وقالا بالحرف الواحد (نحن جائعون) وطلبا ذخائر حربية وأموال ومساعدات، وكان الإيرانيون قد بدأوا الغضب من تصرفات الأكراد لأنهم يباشرون مفاوضات سرية مع العراقيين لوقف النار.

وقد طرأ تغير جديد على المصالح الإيرانية في منتصف كانون الثاني (يناير)1964 وطلبت إيران من ممثل الموساد أن يستأنف عمليات إرسال السلاح إلى الأكراد، واستجاب لهم، لكن الإيرانيين لم يوصلوا الأسلحة بدعوى إن الأكراد توصلوا في شباط 1964 إلى اتفاق هدنة مع الحكومة العراقية.

وعاد التوتر في العلاقة بين الشاه والبارزاني. وفي تلك السنة بدأت القطيعة بين الطالباني والبارزاني حيث يصف الأول الثاني بأنه دكتاتور، ووصلت الخلافات إلى حد القطيعة وبدأ كل منهما يهاجم الآخر، واندلعت بينهما حرب دموية في تموز 1964 انتصر فيها البارزاني، والتزمت إيران جانب إبراهيم احمد والطالباني ضد البارزاني وقامت بتسليحهم.

جونسون يرفض رسالة من البارزاني : إسرائيل تتوسط

في عام 1965 بدأ البارزاني يتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية يطلب المساعدة، بعد أن صرّح بأن أي أمة أو دولة لا تستطيع التواجد والعيش إلا إذا حظيت بتأييد إحدى الكتلتين الكبيرتين، وبعد الموقف السوفياتي السلبي، طلب البارزاني من إسرائيل أن تساعده في طلب المساعدة من أمريكا، وحاولت السفارة العراقية في واشنطن أن تفشل جولة المبعوث الإسرائيلي ومارست ضغوطاً على الخارجية الأمريكية وحققت بعض النجاح حيث رفضت جميع الجهات الرفيعة – عدا بعض أعضاء مجلس الشيوخ – من استقبال فانلي – مبعوث إسرائيل – والتحاور معه، وكان رأي الخارجية الأمريكية (إن الوضع في العراق معقد بما فيه الكفاية، وإن الولايات المتحدة لا تريد أن توجه لها أصابع الاتهام بمعاونة الأكراد)، وحاول المبعوث الإسرائيلي لاحقاً أن يقنع أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب بالحملة التي تشنها الحكومة العراقية آنذاك ضد الأكراد وبمساعدة تسليحية من الاتحاد السوفياتي والجمهورية العربية المتحدة التي بعثت طائرات وأسلحة وجنود وإن هناك 12 طائرة تابعة لسلاح الجو المصري في مطار الموصل إضافة إلى 24 طائرة مصرية في كركوك كلها مستعدة لقتال الأكراد. وقد قامت إسرائيل بتزويد الأكراد بالسلاح من بنادق بازوكا والغام ومتفجرات زنتها تسعة أطنان هبطت الطائرة التي تحملها في طهران ونقلت إلى شمال العراق بواسطة السافاك.

طائرات ميغ تهاجم البارزاني وديفيد قمحي :

وقع اختيار إسرائيل على ديفيد قمحي لإجراء أول اتصال مباشر مع البارزاني، وقمحي هو من كبار رجال الموساد في بريطانيا ودخل قمحي من إيران إلى شمال العراق والتقى بالبارزاني، وأوضح له إن إسرائيل شديدة التعاطف مع القضية الكردية، وإن إسرائيل تدرك إن النضال سيكون طويلاً، وإن إسرائيل مستعدة لتدريب المقاتلين الأكراد على حرب العصابات وأعمال التخريب، وأكد له ان مجموعة قليلة من الأكراد يمكن أن تنفذ عمليات مؤثرة وفعالة داخل العراق.

وقال البارزاني : أنا معني بالتحالف مع إسرائيل، لقد يئست من العرب ولست مهتماً فيما إذا تم إعلان علاقتي معكم، ووعد البارزاني برد الجميل إلى إسرائيل حال نيله استقلاله، وكتب رسالة بنفسه إلى ليفي اشكول رئيس حكومة إسرائيل يهنئه بذكرى إنشاء إسرائيل وبقي قمحي فترة من الزمن في شمال العراق وارتدى الملابس الكردية، وخالط (البيش مركة) وحين عودته إلى إسرائيل كان تقرير قمحي مشجعاً وزاد الرغبة لدى غسرائيل بدعم الأكراد، وتم اختيار الضابط (ب) – لازال أسمه غير مصرح بنشره على راس وفد للتنسيق بين الموساد والأكراد، ووصل شمال العراق عن طريق السافاك الإيراني، وقد حرص الإسرائيليون على الظهور مظهر الأكراد، ولبسوا أزيائهم.

وشجع الإسرائيليون البارزاني على فكرة تدمير آبار النفط العراقية في الشمال، وتم إلحاق ثلاثة من الأكراد بدورة فنية في إسرائيل للتدريب على عمليات تفكيك حقول الألغام، وحصل الأكراد من إسرائيل على راجمات ذات قطر 120 ملم يصل مداها ستة كليو مترات. وقد اكتشف الجيش العراقي خلال عمليات التطهير نهاية 1965 عن الأكراد استلموا راجمات من إسرائيل وذكرت ذلك صحيفة بغداد نيوز يوم 1/11/1965 .

كما إن عدداً من الأكراد البارزانيين المختلفين مع مصطفى البارزاني فضحوا وجود الإسرائيليين في كردستان حيث صرح كل من عقراوي وعبيد الله البارزاني إلى محمد حسنين هيكل إن الإسرائيليين يرافقون الملا مصطفى باستمرار ويتصلون مباشرة باللاسلكي مع إسرائيل ويقومون بأعمال تجسس في العراق.

لن يكونوا أبداً كالجيش الإسرائيلي :

في تشرين الثاني (نوفمبر) 1965 تم تنظيم دورة قوات خاصة في طهران لمقاتلين من الأكراد العراقيين، بينهم 3 ضباط برتبة نقيب، واتضح إن الإيرانيين يرغبون بأن تكون هناك حروب مستمرة بين العرب وإسرائيل بحيث تشغل الجيوش العربية – بما فيها الجيش العراقي - ولا تدع مجالاً للالتفات إليها. وكان يشرف على التدريب ضابط صهيوني أسمه (تسوري) والذي لم يبخل بإعطاء إرشاداته ونصائحه للجيش الإيراني في كيفية مواجهة القطعات الحربية البحرية العراقية في شط العرب. وفي آذار 1966 عاد المتدربون الأكراد من إسرائيل إلى بلدهم وتوجهوا إلى ساحات القتال لمقاتلة الجيش العراقي.

يوميات الحرب 1966 من اليأس إلى النصر :

توجه أربعة إسرائيليين في آذار (مارس) 1966 نحو كردستان، عن طريق إيران بمساعدة السافاك. وفي عام 1966 تسلل الطالباني الخصم اللدود للبارزاني مع 300 من مؤيديه إلى كردستان العراق، وكان البارزاني يعتقد إن دخول الطالباني هو مؤامرة إيرانية تسعى للسيطرة على التمرّد الكردي، وإدارته حسب رغبات الشاه.

في 8 نيسان (أبريل) 1966 بدأ هجوم الربيع العراقي من محور راوندوز- حاج عمران، مثلما توقّع تسوري مسبقاً، حيث كان الإسرائيليون قد خرجوا في جولة استطلاعية في هذا المحور وراقبوا مواقع العراقيين وكان معهم كل من إدريس والبارزاني ومسعود. اقترح الإسرائيليون على الأكراد أن يقوموا بإعداد عبوات جانبية ضخمة تتمثل في براميل كبيرة ملئى بالحجارة الكبيرة والمتفجرات، ويؤدي انفجارها إلى سد طرق الوصول إلى المواقع، وقد قبل البارزاني الاقتراح بسرعة، وكلف الملازم أول طهار أحد الذين خاضوا الدورة التي عقدها (تسوري) مسؤولاً عن هذه البراميل، وكلف المدعو يوسف جميل بالإشراف على عملية تصنيع قنابل يدوية محلية، بعد أن علم إن احتياطي القنابل اليدوية قد استنفذ بالكامل، وكان تسوري مستشاراً بضيق الموقف العسكري خاف من الوقوع في اسر القوات العراقية فقاموا بخطة للخروج عن طريق إيران.

إسرائيل تمنح رتبة لواء لزعيم التمرد الكردي الملا مصطفى البارزاني :

(أثارت الإنجازات الكردية اهتمام المسؤولين الإسرائيليين الثلاثة الذين يشرفون على عمليات المساعدات المقدمة للأكراد، كل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ليفي اشكول ورئيس الأركان عزرا وايزمان ورئيس الموساد عميت، وبدا أن هناك سبباً رئيسياً يدعوهم لزيادة حجم المساعدات إلى الأكراد لمواجهة العراقيين).

في 24/5/1966 طار وايزمان إلى طهران للاجتماع بالشاه في طائرة نقل عسكرية كانت تحمل على متنها 5 أطنان من التجهيزات العسكرية للأكراد، ثم ايصالها يوم 10/6/1966 من قبل السافاك الإيراني. يقول زئيفي إنه عند اجتياز الحدود من إيران إلى العراق وصل ليلاً بسيارة جيب كانت هدية من إسرائيل إلى الملا مصطفى، تفاجأ بمشاهدة الملا مصطفى متواجدا في نقطة الحدود تبين أنه قطع مسافة 3 ساعات مشياً هو وأبناؤه وكبار حاشيته من أجل استقبال المبعوث الصهيوني. وقد أثنى مصطفى البارزاني على إسرائيل ودورها في استمرارية التمرد الكردي والمساعدات المتواصلة التي تقدمها من تسليح وتدريب ودعم مادي ومعنوي واستشاري، لأن عدونا مشترك وكوننا شعب مضطهد، وقد قام زئيفي الموفد الإسرائيلي بخلع رتبته وإهدائها إلى البارزاني وقد تقبلها الأخير بسرور وتأثر. يقول زئيفي (لقد بدأت أشعر بالضيق الشديد من الإيمان الشديد الذي يكنه البارزاني لنا ومن اعتقاده أننا قادرون على فعل كل شيء دون أن يعرف طبيعة الصعوبات التي تواجهها (إسرائيل)).

من المجدي الإعلان عن الاستقلال الكردي :
عاد (م) مع مائير عميت إلى إسرائيل بانتهاء مهمته، وكان تسوري على وشك المغادرة لاستكمال دراسته في كلية القيادة والأركان الأمريكية، وتم تحديد شخصين آخرين لشغل مناصبهما في كردستان، هما حاييم لفكوف، واليشع روئي، إضافة إلى المقدم آربيه يجوف، وطولب الثلاثة بالاستعداد للسفر في حزيران 1966، وقيل لهم إن الأمور تتجه اتجاهاً خطيراً، وإن تقارير تسوري تفيد بأن البارزاني على استعداد لإعلان استقلال كردستان العراق تحت رعاية إسرائيل. وقد سافر الثلاثة في طائرة عن طريق إيران ووصلوا حاج عمران وطلبا من تسوري تفسيراً لمسألة إعلان الاستقلال، وقال البارزاني لهم إن سيارات جيب تحمل ضباطاً عراقيين قدمت إلى المنطقة وهي تحمل أعلاماً بيضاء، وطلبت التحدث معهم وقال أقدمهم أنهم مخولون بالتفاوض مع البارزاني بصورة تؤدي إلى الحفاظ على الحقوق الكردية وفقاً لما يطالب به الأكراد.

إلا أن البارزاني تردد، وسأل المسؤول الصهيوني عن رأيه في إعلان استقلال كردستان، فرد عليه (لا أستطيع أن أعطيك الرد الآن سوف أرجع إلى المسؤولين في إسرائيل وأسألهم.)  وحين عاد تسوري اجتمع به رئيس الأركان الصهيوني اسحاق رابين وشجعه على الاستمرار بتقديم العون للأكراد، وفي حزيران 1966 بدأت مفاوضات مع حكومة عبدالرحمن البزاز في بغداد للصلح مع الأكراد والاعتراف بالحقوق القومية للأكراد ومنحهم حكماً ذاتياً موسعاً. وأرسل مصطفى البارزاني مندوباً عنه هو (محمد حبيب كريم) وكان تلميذاً سابقاً لدى عبدالرحمن البزاز في كلية الحقوق، وقد أثارت المفاوضات العراقية الكردية ثائرة الإيرانيين على البارزاني، وحين قال ممثل السافاك أنه لا حاجة بعد الآن لبقاء الصهاينة، إلا أن مصطفى البارزاني قال : لن اسمح بمغادرة الإسرائيليين فانتم السلاح الحقيقي الموجود في حوزتي، وأضاف له إن حلم الإيرانيين يتمثل في استمرار إقتتال العراقيين والأكراد، بحيث يقتل كلاهما الآخر.

الإسرائيليون يخشون من الاختطاف :

في آب (أغسطس) 1966 بعد تسنم عبدالرحمن عارف رئاسة العراق بعد مقتل شقيقه عبدالسلام في حادث تحطم طائرته فوق البصرة، تحسنت علاقات العراق مع إيران، وبدأت اتصالات، وكشف رئيس السافاك ذلك للبارزاني، واحتمالات قطع الإمدادات عنهم. وجاء في رسالة بعثتها إسرائيل (إن إيران تعتبر البارزاني مجرد وسيلة سياسية وبمجرد توقف هذه الوسيلة عن العمل، يجب التخلص منها، كما شعر المستشارون الإسرائيليون إن العراق يعلم بوجودهم، لذلك وضع البارزاني حرساً من البيش مركة لحراستهم، والموساد أيضاً كان على علم بأن مسؤولاً كردياً رفيعاً سرب لجهة أجنبية نبأ قال فيه : إن هناك ثلاثة ضباط إسرائيليين موجودين في كردستان، وإن إسرائيل ترسل إلى الأكراد مساعدات عن طريق إيران، وإن إسرائيل تعقد دورات ضباط للأكراد لديها، ويكشف زيد حيدر  في العراق النقاب عام 1976 إن المخابرات العراقي تلقت تقريراً حول قدوم ثلاثة ضباط إسرائيليين إلى المناطق الكردية وتم نقل أسلحة سوفيتية وإسرائيلية إلى الأكراد من إسرائيل.

وفي 16 آب (أغسطس) 1966 فر طيار عراقي مسيحي إسمه (منير روفا) بطائرته الحربية (ميغ 21) إلى إسرائيل وهبط في مطار عسكري هناك، واعترف أنه قام بعدة عمليات قصف في كردستان، وتوقع الإسرائيليون في شمال العراق أن يقوم العراقيون بإنزال وحدات كوماندوز لأخذهم كرهائن حتى إعادة الطائرة والطيار، لذلك وردت برقية من تل أبيب تطالب بأقصى الحيطة والحذر.

البارزاني يذبح كبشا لمناسبة هزيمة العرب أمام إسرائيل! :

قامت إسرائيل بإنشاء مستشفى ميداني بمنطقة حاج عمران يضم 40 سريراً ويستقبل المرضى والجرحى، وفي 26/9/1966 بدا عقد دورات للمضمدين وفق نفس سياقات الجيش الإسرائيلي، يقول (اشماريه جوتمان) من الموساد الصهيوني ومسؤول هجرة اليهود العراقيين (لقد جلبت لنا مساعدتنا للأكراد الكثير من الجدوى، فقد كنا نساعدهم في حربهم ضد العراق، كي نمنع العراق من شن حربٍ علينا، أو المشاركة في مثل هذه الحرب).

وفي شباط (فبراير) 1967 عاد جوتمان إلى إسرائيل، وتم إرسال رئيس وفد إسرائيلي جديد إلى كردستان هو (بن تسيون) وحال وصوله كردستان وضع خطة للفرار من كردستان عند الضرورة مثلما نصت أوامر الموساد، ويقول (ميتييف) إنه في كردستان عرف أنه لا جدوى من إدارته، في أي اتجاه لأنه سيعود إلى سيرته الأولى، فقد وجد في الأكراد قدرة خاصة على التفكير بأسلوبهم هم : كما وجد في إدريس ومسعود (إبني مصطفى البارزاني) اهتماماً خاصاً بدراسة تأريخ وأيديولوجية الحركة الصهيونية، ورغبة بمعرفة تطورها كما شعرا إن نفسيهما ممتلئة بالمرارة جراء عدم اهتمام العالم بقضيتيهما واعتبر هذا الإهمال بمثابة خيانة، وكانا يدركان جيداً أن الإيرانيين سوف يخونون القضية الكردية، وإن تأييدهم لها هو تأييد مؤقت.

في 2/6/1967 قدم إلى مقر البارزاني نائب رئيس الأركان العراقي، وعدد من كبار ضباطه، وطلب من البارزاني أن يتعاون مع العراق، ضد إسرائيل التي تخطط لشن عدوان على الدول العربية، وقال البارزاني لمراسل جريدة لوموند الفرنسية إنه قال للعراقيين : أنتم تطلبون مني أن أعلن تضامني مع العرب، ولكن الطريقة الوحيدة للحيلولة دون نشوب الحرب هي مطالبة عبد الناصر بسحب قواته عن الحدود وأن يفتح خليج العقبة من جديد في وجه الملاحة الإسرائيلية، وإلا فإن الهزيمة سوف تلحق جميع الجيوش العربية وقلت لهم : أنتم ومنذ 6 سنوات تشنون حرباً ضدنا، وتسعون لتدميرنا، فكيف تطلبون منا أن نعاونكم؟. ورفض البارزاني حتى مجرد فكرة إرسال قوة رمزية كردية إلى بغداد للمشاركة مع الجيش العراقي في الحرب ضد إسرائيل.

ويقول المؤلف: إن البارزاني كان يرى في الحرب بشرى وأيضاً انتقام، وكان يحث المندوب الإسرائيلي على تدمير أسلحة العراق.

وفي 5 حزيران (يونيو) 1967 قال لبكوب للبارزاني (إن أكبر سلاح جو عربي باق هو سلاح الجو اللبناني!!، وإن إسرائيل دمرت جميع أسلحة الجو العربية، وقام لبكوب برسم خارطة لتوضيح سير المعارك، وقد احتفل البارزاني بهذا الانتصار على طريقته الخاصة إذ أحضر أحد خدمه كبشاً ضخماً علق عليه في رقبته شريطاً أزرق وأبيض – دلالة على العلم الإسرائيلي – وكتب عليها (هنئوا إسرائيل لاحتلالها جبل البيت)، الليلة سنذبح خروفاً قرباناً لاحتلالكم القدس، وقد عمت الفرحة جميع أنحاء كردستان لتدمير إسرائيل لسلاح الجو العراقي الذي كان يقصف القرى الكردية بصورة متواصلة. وأستمر البارزاني في مساعيه وطموحاته في أن يقوم الأسرائيليون بإقناع الولايات المتحدة الأميركية في مساعدة الأكراد لنيل أستقلالهم.

البارزاني يزور إسرائيل سراً ويرفض التخلي عن مسدسه لحرس الرئيس! :

في نيسان (أبريل) 1968 قام الملا مصطفى البارزاني بزيارة إلى إسرائيل حيث هبطت طائرة أقلته من إيران، في مطار اللد وكان بصحبته الدكتور احمد والمفتي وخمسة حراس شخصيين مسلحين، واجتمع مع رئيس الدولة، زيلمان شوفال وحضرهذا الاجتماع ولبكوب، وقد رفض البارزاني كل التوسلات بأن يتخلى عن مسدسه الشخصي المحشو بالعتاد، وقال لبكوب لتبرير الموقف : هل شاهدتم كلباً يتخلى عن ذنبه؟ وقد نصح الرئيس الإسرائيلي، مصطفى البارزاني أن يتخلى عن فكرة الحكم الذاتي، وأن يعمل من أجل إقامة دولة كردية مستقلة وقد قابل أيضاً وزير الدفاع موشيه دايان، كان من المفروض أن تبقى الزيارة سراً لكن أمر الزيارة تسرب وانتشر خاصة بعد مقابلة جرت بين البارزاني ومحرري الصحف الإسرائيلية.

قائد سلاح المظلات في سلاح الحرب :

في عام 1968 زار شمال العراق (أهارون ديفيدي) قائد إسرائيلي ستراتيجي، وزار راوندوز وراقب خلالها اللواء العراقي المتمركز هناك، وكان الإسرائيليون يخططون لعملية ضخمة تدعى (عملية أناناس) ترمي لتوجيه ضربة قاصمة للجيش العراقي في كردستان. وكان موشيه دايان وزير الدفاع الصهيوني هو الذي اتخذ القرار في 10/5/1968 على أن تكون القوة المهاجمة المنفذة من الأكراد، غير أن دراسة الموضوع معمقاً من قبل خبراء عسكريين صهاينة أظهرت استحالة تنفيذه لأنه يحتاج إلى أساليب قتال وتدريبات وهجوم وأسلحة وذخائر لا يتمكن منها الأكراد. وكان من المؤمل أن يشرف على العملية رئيس الموساد.

وفي 17/7/1968 وقع انقلاب بعثي جديد في العراق وقامت حكومة الأنقلاب برئاسة البكر بمنح فترة هدنة للأكراد، بيد أن آمال البارزاني سرعان ما انهارت عندما قام البكر بتعيين أحد مقربي الطالباني (مكرم الطالباني) وزيراً في حكومته، وما أن مرت بضعة اشهر حتى كان البيش مركة يتجمعون من جديد تحت إشراف إيراني إسرائيلي في منطقة محمد الواقعة في الأراضي الإيرانية. وبعد اشهر عاد العراقيون يلمحون إلى رغبتهم في التوصل إلى اتفاق مع الأكراد.

وفي أيلول (سبتمبر) 1968 ماتت خطة الأناناس إلى الأبد، وحين سئل ديفيدي عن السبب في ذلك، قال : لا يوجد لدي رد شاف وربما يرجع السبب إلى عقلية البارزاني نفسه وشعبه غير المتجانس، وتحاربهم فيما بينهم، ولم ينجح البارزاني في توحيد شعبه.

وفي شباط (فبراير) 1969 توفي ليفي اشكول رئيس وزراء إسرائيل وخلفته غولدا مائير، وبعث البارزاني تعازيه الحارة إلى إسرائيل، وواصلت غودا مائيرجهود من سبقوها في تقديم المساعدات للأكراد.

الأكراد ينفذون عملية الكسندرا ضد منشئات النفط في كركوك:

في آذار(مارس) 1969 اندلعت النيران في مصافي النفط الكبرى في مدينة كركوك بعد أن نفذ الأكراد عملية تعرضية ضخمة، وبمنتهى الدقة والتخطيط، وذكرت جريدة الديلي تلغراف البريطانية في 11 آذار(مارس) 1969 إن العراقيين يعتقدون إن الإسرائيليين هم الذين نفذوا العملية. وفعلا كان الإسرائيلي المتورط في تخطيط هذه العملية موجوداً في إسرائيل وسميت تلك العملية (بعملية الكسندرا) وكان قد وصل إلى كردستان كإعارة من الموساد في 1/12/1968، وإن قيادة التمرد قررت توجيه الضربة إلى شركات النفط في كركوك من أجل 3 أسباب :

- خلق تهديد لأصحاب أسهم شركة نفط العراق من أجل إرغامهم على إرسال أموال إلى الأكراد لاتقاء شرهم مستقبلاً للحيلولة دون تدمير منشئاتهم البترولية في كركوك.

- إضعاف الاقتصاد العراقي وأنهاكه.

-         خلق أصداء واسعة لدى الرأي العالمي حول القضية الكردية وإعادة القضية الى الواجهة.

يقول المؤلف : إن الهجمة التي شنها الأكراد على كركوك، أدت إلى إرغام نظام الحكم إلى استئناف المفاوضات مع الأكراد، ومنح البارزاني وعداً بتنفيذ اقتراح الحكم الذاتي.

عملية دوكان فوز وهزيمة :

يتحدث الكاتب عن عملية سد دوكان، حيث وضعت خطة بمساعدة الإسرائيليين بتدمير السد إلا أن العملية لن تنجح ويتحدث المؤلف في هذا الفصل عن دور صدام حسين في تركيز السير باتجاه حل شامل للقضية الكردية وسماه بـ (عّراب القضية الكردية) حيث بدأت المفاوضات في أيلول 1969 وتواصلت على 3 مراحل وشارك البارزاني نفسه في المفاوضات.. وأحياناً يشترك معه الدكتور محمود وولدي الملا مصطفى كل من إدريس ومسعود وكانت مفاوضات مضنية وفي 21/1/1970 تم اكتشاف مؤامرة إسرائيلية إيرانية أمريكية ضد نظام الحكم العراقي وتم إعدام مرتكبيها ممن قبض عليهم وفر الآخرون الى إيران.

وفي 8/3/1970 جرى التفاوض  مع الملا مصطفى البارزانيوبموجب هذا الاتفاق  منح الأكراد حكم ذاتي. ويذكر المؤلف إن البارزاني كان قد أرسل تقريراً إلى إسرائيل حول سير المفاوضات وتطرق إلى اتفاق السلام.

إنقاذ آخر اليهود العراقيين وتسفيرهم الى إسرائيل :

في أعقاب حرب حزيران (يونيو) 1967 كان عدد اليهود في العراق حوالي ثلاثة آلاف نسمة، وكان وضعهم بائساً، والمصارف أمرت بعدم دفع أكثر من مائة دينار لكل يهودي، وعدم جواز ملكية أي يهودي، وقد أدى بيان السلام مع الأكراد في 11 آذار (مارس) 1970 إلى تخفيف القيود في الوصول إلى المناطق الكردية، ووضعت خطة لتهريب اليهود عن طريق المنطقة الكردية. وفي 27/3/1970 بدأت عمليات تهريب اليهود عن طريق شمال العراق باتجاه إيران، واستمرت ووصلت ذروتها في شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين أول (أكتوبر) 1970 إلى أن انكشفت محاولة فرار 250 يهودي وقبضت الشرطة العراقية السرية عليهم وأعيدوا إلى بغداد وتم اعتقالهم في محراب البهائيين الذي كان يستخدم مقر للمخابرات العراقية في حينها، وقد نجحت عمليات الفرار في إخلاء العراق تقريباً من اليهود ولم يبقى منهم سوى 500 – 1500 يهودي ثم انخفض عددهم بحيث لم يبقى منهم سوى أقل من (خمسين) يهوديا. 

وفي 3/1/1973 كتبت جريدة الثورة الناطقة باسم الحكومة العراقية قائلة أنه مقابل المساعدات التي تقدمها إسرائيل للأكراد، فإن الأكراد يساعدون اليهود العراقيين على الفرار إلى إسرائيل.

في 30 أيار(مايو) 1972 وبعد حوالي شهر من توقيع اتفاقية الصداقة العراقية- الروسية اجتمع شاه إيران مع الرئيس الأمريكي نكسون، حيث كانت إيران ترى في المعاهدة خطة لتطويق إيران.

وكانت إيران زمن الشاه من أفضل أصدقاء أمريكا وأشدهم إخلاصاً.

وخلال حوار الشاه مع الرئيس الأمريكي طرح عليه فكرة تقديم السلاح إلى الأكراد لمعاونتهم في التمرد ضد الحكومة العراقية، ولم يعط نكسون قراره حول الطلب، وبعد شهرين وافق نكسون بعد نصيحة كيسنجر.

بعد حرب تشرين (أكتوبر)1973  :

بعد قيام حرب تشرين، شارك العراق بقواته الحربية في القتال الى جانب المصريين والسوريين، مما دعا القيادة العراقية الى إعلان رغبتها في إنهاء النزاع طويل الأمد، مع إيران تجاه شط العرب واعلم العراق إيران استعداده للحوار.

 ويعترف كيسنجر في كتابه : إن القرار الخاص بمنع الأكراد من شن حرب على العراقيين أبان حرب تشرين كان قراراً صحيحاً.

مناورة أمريكية هزيلة، وإنهيار عارم للآمال الكردية :

بدأ العراق يتخذ خطوات باتجاه إقرار منح الأكراد الحكم الذاتي وتم إشراك 3 وزراء أكراد وبعد اتفاق العراق مع إيران الموقع في الجزائر آذار (مارس) 1975 انهار التمرد الكردي، ومنذ إنجاز الاتفاق الإيراني الأمريكي تحول (كيسنجر) إلى فارس أحلام البارزاني، في وقت كانت فيه التصرفات والتفكير الأمريكي تجاه الأكراد بمثابة مناورة هزيلة.

 خلال عام 1974 كانت تدور معركة كبيرة المبادرة فيها بيد البارزاني إذ تمكن الأكراد من السيطرة على منطقة عالية وعرة يبلغ طولها 725 كم على طول الحدود مع تركيا وإيران، وبدأ العراقيون يعدون العدة لهجوم الربيع حال ذوبان الثلوج، وحددوا يوم15 نيسان (أبريل) 1974 موعدا لبدء الهجوم، وفي 25/4 تم فرض حصار اقتصادي محكم على المنطقة الكردية.

لقد أدى الاتفاق بين العراق وإيران إلى انهيار آمال ملا مصطفى البارزاني، في تحقيق آماله وطموحاته، وحتى إن الشاه رفض أن يستقبله، وأعترف البارزاني أخيرا (إن الأيرانيين لا يحبوننا، إنهم يريدون إستخدامنا كجسر لتحقيق مصالحهم).

وتناسى أن الأميركان واليهود هم أيضا لايحبون الأكراد وإنما يريدون إستخدامهم جسرا لتحقيق المصالح الصهيونية والأميركية في المنطقة.


إرسال تعليق

0 تعليقات