آخر الأخبار

شيوخ الخليج






شيوخ الخليج

د. محمد ابراهيم بسيونى

عميد طب المنيا السابق

المال سلاح فتاك يمكن أن يقضي على الجميع بما في ذلك حامله، وهذا المثل يمكن أن ينطبق على شيوخ البترول، والتي كانت سياسة العديد منهم سببا مباشرا في الكثير من المآسي والكوارث التي تعيشها المنطقة العربية اليوم. فالسعي والتنافس بين معظم الدول والشركات العالمية، خاصة منها المملوكة للقوى الكبرى، تنظر دائما إلى هذه الرقعة الجغرافية من العالم كالنظرة إلى ذلك الطفل أو المراهق غير الناضج الذي يملك أموالا طائلة لكنه لا يعرف كيف يتعامل بها ويحتاج دوما إلى المساعدة والحماية، وهي الأمور التي تتكفل بها العناصر الخارجية، نظير أن يكون لها نصيب من تلك الكعكة، على أن يكون نصيب شعوب المنطقة مرتبط بمزاج الشيخ حسب الأهواء والمزاج.

فالطيش واللانضج الذي يميز التدبير العام للسياسة والقضايا الخارجية بالذات من قبل هذه الدول كان سببا في تعامل القوى الكبرى الرئيسة في العالم مع دول مجلس التعاون الخليجي بمنطق المقاولة، أو بتعبير آخر أن أي دولة كبرى في العالم تنظر بالضرورة إلى دول الخليج كمنجم يجب استغلاله بأقصى ما يمكن والاستفادة من الأموال والفرص التي يوفرها بكافة السبل المتاحة. قد يجد البعض هذا التوصيف قاسيا نوعا ما، لكن حقيقة وواقع الأشياء يقول أن أي دولة من دول العالم لا تنظر إلى هذه الأنظمة على أنها دول قائمة بذاتها، أو على أنها بلدان يمكن أن تنطبق عنها نفس الخصائص التي يمكن أن تنطبق على البلدان الأخرى، بل أقرب إلى محميات وشركات يملكها شيوخ قبائل قاصرين ولا يعرفون كيف يتصرفون إزاءها دون مساعدة من الآخرين.

فالمنطق الآن السائد بين علاقة هذه الأنظمة مع نظيرتها من باقي الأنظمة والدول الأخرى في العالم هو أن دول الخليج على عكس أي دول أخرى في العالم مثلا لن تستطيع العيش والاستمرار كما هي الآن دون العنصر الأجنبي.

بالطبع لا يجب لوم هذه القوى على التنافس واللهث وراء "الرز الخليجي" مادام حكام هذه الرقعة الجغرافية أكثر من يشجع على هذه المسالة لاعتبارات كثيرة عل أهمها أن الحاجة الدائمة لحماية عروشهم مما يجعلهم في حاجة دائمة إلى راع يحميها وهذا لا يتأتى بالطبع إلا عبر استرضاء هذه القوى ومنحها امتيازات وفرص استثنائية مقابل هذه الخدمة.

لكن الواضح الان أن هذه القوى لم تعد مستعدة للدفاع عن هذه الأنظمة أو على الأقل أنها غير مستعدة لذلك بنفس الشروط السابقة، خاصة وأنها أصبحت تقع في حرج كبير أمام شعوبها وأمام الهيئات والمنظمات العالمية نتيجة دفاعها عن سياسة حلفائها المدمرة والتي غالبا ما يكون ذلك على حساب شعوبهم أو حتى الشعوب الأخرى التي تكون ضحية السياسة العمياء لحكام هذه الإمارات.

ونتيجة للتغيرات التي عرفتها المنطقة العربية بعد اندلاع الربيع العربي أصبح معه ضبط ميزان الأمور ليس كالسابق إذ أمسى الأمر صعبا للغاية للقوي الغربية وامريكا إذا لم يكن مستحيلا حتى، إذ بين ليلة وضحاها نشهد تقلبات وتغيرات تقلب كل الموازين والمعطيات عن الليلة التي سبقتها، وإن كان الثابت الوحيد داخل كل هذه التحولات أن الأمور دائما تسير من سيء الي الأسوأ، وأن المزيد من الأبرياء هم من يكونون الضحية لكل ذلك. القوى الكبرى على دراية تامة أن فاتورة تكلفة حماية أصدقائهم المفترضين في الخليج العربي اصبحت مكلفة للغاية، لذلك فتغيير سياستها في المنطقة أصبح أمرا ملحا، وعلى أساس ذلك يجب وضع قواعد جديدة لطبيعة العلاقة التي ستسود بين الطرفين.

 بالطبع الأمور لا تسير دائما في مصلحة الأنظمة الخليجية، خاصة وأنها اختارت الطريق الأصعب وسلكت نهجا أقل ما يمكن أن نقول عنه أنه مقامرة كبرى أمام المد الجارف لثورات الربيع العربي التي تمكنت من إسقاط أربع رؤوس كبيرة من على سدة الحكم، حيث فضلت التعرض لإرادة الشعوب وتدخلت بكل ما أوتيت من وسائل خاصة بسلاحها الأقوى من أموال النفط ضد أي محاولة أو سعي للتحرر من قبضة التسلط أو بحث عن حرية وديمقراطية وهو الشيء الذي يبدو ظاهريا أنها أفلحت فيه.

لكن الأشياء ليست كلها بالمال، وبالأخير لا يمكن شراء أي شيء كما يتخيل لنا دائما أو كما يتوهم حكام هذه الأنظمة، فالإصلاح ليس خيارا يمكن أن يكون لنا تدخل في أمره، إنه حاجة للعيش وبالتالي فهو ضرورة إنسانية لا يمكن توقيفها، إنه جزء من التاريخ الذي لا يمكن التعرض له.

إرسال تعليق

0 تعليقات