الثورة المغدورة
كومونة عرابى وكومونة باريس
د.أحمد دبيان
—-
الكومونة
The commune
فى ابسط تعريفاتها هى
A group of people
living together and sharing possessions and responsibilities.
أى ، مجموعة بشرية
تحيا تشاركية الواجبات والملكية مع بعضها البعض .
اذا فما العلاقة ما
بين كومونة باريس عام ١٨٧١م ، وكومونة عرابى كما أسميناها عام ١٨٨٢م ؟!!!.
الواقع ان الأحداث
والتى يفصل ما بينها اقل من عشر سنوات تتشابة وتتقاطع وتتشابك بصورة مفزعة .
ثورة الكومونة والتى
سبقت ثورة عرابى ، كانت نتيجة مباشرة لهزيمة فادحة ، قام بها إمبراطور زين له
اصفياؤه قدرة جيوشه على التمدد ، فأعلن حرباً على بروسيا (ألمانيا لاحقاً ) لم يعد
لها جيداً ، فكانت الهزيمة الفادحة ، ولان هزيمة الأنظمة السلطوية الإمبريالية ،
الإقطاعية ، والتى لا مشروع اجتماعى لديها تفقدها شرعيتها المستمدة من قدرتها على
التمدد وحماية كيان الدولة ،
سقطت إمبراطورية نابليون
الثالث لويس نابليون بونابرت ( ابن اخ نابليون والذى كان رئيساً وقامت على يده
الجمهورية الثانية بعد ثورة ١٨٤٨ ثم أعلن نفسه إمبراطوراً عام ١٨٥٢ ، وهو ذاته زوج
الإمبراطورة أوجينى )
سقطت الإمبراطورية
يوم 4 سبتمبر 1870 نتيجة انتفاضة باريسية استمرت طوال اليوم.
سيطرت حكومة الكومونة
على باريس ،
استمدت كومونة باريس
شرعيتها من النظام الجمهوري والثوري ، بالاستناد إلى الجمهورية الأولى والحكومة
الثورية لكومونة 1792 ثم انتفاضة يونيو الشعبية سنة 1848 في ظل الجمهورية الثانية
والتى ارتدت لإمبراطورية ، على يد نابليون الثالث .
استقرت حكومة للدفاع
الوطني في مبنى بلدية باريس رسميا لمواصلة الحرب ضد الولايات الألمانية التي من
ضمنها قوات كانت تحتل شمال البلاد.
حوصرت باريس وعاش
سكانها نقصا في الغذاء ومجاعة خطيرة في شتاء سنة 1870-1871. زيادة على ذلك، علم
الفرنسيون بعد هذا الذل أن الإمبراطورية الألمانية قامت وأعلنت في قاعة المرايا
بقصر فيرساي يوم 18 يناير 1871. وقع جول فافر مع المستشار الإمبراطوري أوتو فون
بسمارك يوم 28 يناير 1871 هدنة والتي تقرر فيها وقف الأعمال العسكرية لمدة خمسة
عشر يوما قابلة للتجديد وتشكيل جمعية وطنية مسؤولة عن تحديد هل تكمل فرنسا الحرب
أم توقع معاهدة سلام.
صعدت الأحداث من
التوتر داخل باريس خصوصا بين عامة الشعب والبسطاء والذين من بينهم "البدون
سراويل" (باللغة الفرنسية: Sans-culottes :سون كيلوط) وهم ثوريون من النجارين
والدباغين والإسكافيين وصناع الأحذية والخياطين والبنائين .
طبعت حرب 1870 المدينة
عميقا والتي عانت من حصار حاد ومجحف ومعها عانى الشعب من المجاعة. اعتبر
الباريسيون الهدنة غير مقبولة بعد أن قاوموا العدو لمدة أربعة أشهر. أحس الثوار
القوميون اليساريون بالمهانة بعد هذه الهزيمة وهذا الاستسلام .
كانت الكومونة (هيئة
عاملة) تجمع في يدها السلطتين التنفيذية والتشريعية حيث يقوم أعضاؤها (الذين كان
معظمهم من العمال أو من ممثليهم المعترف بهم) بسن القوانين وتنفيذها في نفس الوقت.
فقد كانت الكومونة هي الشكل السياسي الذي كونته الطبقة العاملة كبديل للبرلمانات
البرجوازية التي تتلخص ديمقراطيتها في حرية اختيار من ممثلي الطبقات الحاكمة .
لم تقف البرجوازية
ساكتة وهي ترى الكومونة تهدد سلطة رأس المال بهذا الشكل فرأت أن عليها أن تتحد
لمواجهة هذا الخطر. فاتحد أعداء الأمس بسمارك ( مستشار بروسيا ) وتيير ( رئيس
وزراء الحكومة المؤقتة )
لمواجهة عمال باريس..
فقام بسمارك بتأجيل دفع حكومة فرساي للغرامة حتى تتم تهدئة باريس “على حد قوله”. كذلك
أطلق الجيش الألماني سراح 100000 أسير فرنسي وذلك لينضموا إلى جيش فرساي بقيادة
تيير ولكن هذه المرة لمواجهة وسحق عمال باريس وخطر الاشتراكية.
أرسلت حكومة الدفاع
الوطنى قوات لقمع الكومونة ،
هكذا بدأ جيش فرساي
المدعوم من ألمانيا في مهاجمة باريس المحاصرة منذ اكثر من سبعين يوماً وفي 21 مايو
1871 استطاع دخولها مقترفًا مذابح لا مثيل لها في تاريخ فرنسا من حيث دمويتها. فقد
قام جيش فرساي بقتل الآلاف من الأسرى والرهائن .
بلغ عدد الضحايا
حوالى ثلاثين الفاً .
تتشابه كومونة عرابى
ايضاً فى كونها حدثت فى ظرف استثنائى ، وبعد هزيمة فادحة للجيش المصرى على يد
الأحباش فى حملة الحبشة والتى ارسلها الخديوى اسماعيل بناء على تقديرات مختزلة
وسوء تقدير من مستشاريه ؛
ففى 18 نوفمبر 1875
تقدم الجيش المصري بقيادة العقيد الدنماركي سورن آرندروب مؤلفا من 3000 من المشاة
المسلحين ببنادق رمنجتون و12 مدفعا جبليا وتحت قيادة العديد من الضباط الأوروبيين
والأمريكان (الكونفدراليين) إلى جوندت في طريقه إلى عدوة حيث هاجمه الجيش الإثيوبي
بقيادة الامبراطور يوحنس الرابع من المقدمة.
قامت فرقة إثيوبية
أخرى بقيادة الراس شلاقة علولة بالانفصال لمواجهة الكتيبة المصرية المتقدمة من
قلعة أدي ثم التفت تحت جنح الليل من فوق الجبل حول مؤخرة الجيش المصري الرئيسي
المتمركز بالوادي السحيق مما أدي إلى سقوط الجيش المصري بين طرفي كماشة - الأمر
الذي أدى في صباح 15 نوفمبر إلى مذبحة للقوات المصرية لم ينج منها سوى نحو 300
جندي ( كان من ضمنهم الضابط ، الصاغ وقتها أحمد عرابى ) انسحبوا إلى مصوع تحت
قيادة العميد الأمريكي دورنهولتز ورؤوف بك.
قتلى الجيش المصري
كان بينهم سورن آرندروب وأراكل نوبار (ابن أخي رئيس الوزراء المصري نوبار باشا) والكونت
زيشي ورستم بك. قتلى الإثيوبيين بلغوا 500 في ذلك اليوم. غنم الإثيوبيون 2200
بندقية و16 مدفع - اثنان من تلك المدافع ما زالا يزينان الساحة الكبرى لمدينة
أكسوم العاصمة التاريخية للحبشة .
منعت الحكومة المصرية
حضور أي شخص كان من الذين اشتركوا في هذه الموقعة إلى مصر وذلك وحسب وجهة نظرها ( لمنع
الشائعات المزعجة بين شعب مصر ) .
كان الاضطهاد
والتفرقة بين الضباط المصريين والجراكسة ، احد اهم أسباب الحراك الوطنى والذى نمى
بالدور التنويري الذى قام به السيد جمال الدين الأفغانى فى البلاد التى كان يلبث
فيها ،
ادى الحراك السياسى
وقتها الى انشاء اسماعيل لمجلس نواب ( شكلى )
ومع تفاقم الاضطهاد
للضباط المصريين وإحساسهم بتعالى الجراكسة عليهم ، بل ووقف ترقياتهم عند رتب معينة
، ومع ملاحظة تفشى الأمية وان هؤلاء الضباط كانوا بمفردات عصرهم طلائع بورجوازية
وطنية ، خرجوا من بروليتاريا الفلاحة المصرية ، ممثلة لرأسمال زراعى ،
ومع ظهور وترسيخ
لاقطاع جديد بعد توزيع محمد على وأبنائة للاراضى الزراعية على قواده وأصفيائه بل
ومحظياته.
كان الصراع بين قوى
ثورية تتمخض ،
وإقطاع ينتهب .
ومع سيطرة إنجلترا
الاقتصادية بعد ارغام الوالى محمد على والخليفة العثمانى على توقيع اتفاقية حرية
التجارة عام ١٨٣٨ والتى بموجبها تحولت مصر لمصدر للقطن الطويل التيلة لمصانع الغزل
والنسيج فى لانكشاير بإنجلترا وخصوصاً بعد نضوب مصدر القطن الأمريكى إبان الحرب
الأهلية .
هنا تحول الاقطاعيين
، وبعضهم كان يمتلك آلاف الأفدنة ، وكانوا أعضاء بمجلس النواب الى كومبرادور حقيقى
للرأسمالية العالمية .
مع حراك احمد عرابى
وتحركه هو ورفاقه لمسيرة عابدين وإرغامه للخديوى على تلبية مطالب الضباط وتحولها
لثورة شعبية بتُبنى مطالب تشكيل وزارة دستورية ، من شريف باشا والبارودى كوزير
حربية ثم صعود عرابى ليصبح هو الوزير والبارودى رئيساً للوزراء .
كان تهديداً فعلياً
للإمبريالية والرأسمالية العالمية و والمتعاونين معها من ممثلى الإقطاع الزراعي .
وبعد انضمام الشعب
وطوائفه لعرابى ، وقيام الفلاحيين بثورة حقيقية استولوا فيها على أراضى الاقطاعيين
الذين استعبدوهم وخصوصاً بعد استعانة الخديوى بالإمبريالي البريطاني صاحب المصلحة
الاقتصادية فى المحروسة .
انضم الإقطاعيون
للخديوى والانجليز ، ومنهم اسماء لا زالت تتسمى باسمهم احياءاً ومدناً ، بل وكانوا
اباءاً لشخصيات لعبت ادواراً فى التاريخ المصرى ،
فكان منهم عبد المجيد
بك البيطاش ، وكان منهم السيد بك الفقى ( جد اعلامى مزور شهير اغلقت قناته )
وكان منهم محمد سلطان
باشا رئيس مجلس النواب والد هدى هانم شعراوى ،
وتم رشى ضباط خائنين
أمثال يوسف خنفس ،
و بعد انتصارات عديدة
لجيش عرابى فى كفر الدوار وهزائم فادحة منى بها الجيش الانجليزى والكومبرادور
المتحالف معه على يد جيش فلاحى عرابى ، والذى صار وقتها ممثلاً لحكومة شعبية ،
باختيارات وديمقراطية مباشرة من المهمشين .
زحف الانجليز بخيانة
ديلسبس وعن طريق القناة حيث دارت معركة القصاصين والتى انتهت بانتصار القوات
الإنجليزية وحدوث مذبحة بشعة بين اهالي القصاصين.
وبعد الهزيمة فى التل
الكبير ، احتلت بريطانيا الممثلة للإمبريالية العالمية وقتها المحروسة لتؤمن طرق
مواصلاتها التجارية الى الهند ولتؤمن مصدر قطنها طويل التيلة .
تم إعدام الكثيرين من
انصار عرابى فى مذابح وحشية ، لم تسجلها الوثائق الرسمية وان ذكرها الكثيرين من
الأجانب الموجودين ومنهم مستر بلنت والذى لولا دفاعه عن عرابى وقضيته امام الرأى
العام العالمي لقام الخديوى والانجليز بإعدامه هو ورفاقه .
هكذا تتشابة كومونة
عرابى وكومونة باريس ، فى كونهما ، حكومات ثورية جاءت فى ظرف تاريخى دقيق، محاولة
فى الحالتين ، تحقيق مبادئ العدل الاجتماعى وديمقراطيته ،
وان الإثنتين تم
قمعهما ، بكومبرادور اقطاعى محلى مستفيد ، لم يتورع عن الاستعانة بقوة عسكرية
اجنبية وبمحتل خارجي ليرسخ لأطماعه و مصالحه .
0 تعليقات