الفساد نزل مع آدم
هادي جلو مرعي
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا
تَعْلَمُونَ.
الملائكة لم يعترضوا. فهم لم يخلقوا للاعتراض، هم مخلوقات نورانية مستسلمة
للمشيئة، وتعمل وفقا للإرادة الإلهية، ولاسبيل لها لكي تمتنع عن الطاعة والتسليم
بالأمر الرباني، ولكن قولهم بحسب المفسرين استفسار لمعرفة الحكمة من خلق آدم،
وتنصيبه خليفة للرب في الأرض التي ستكون مسكونة بالبشر والحيوانات والنباتات،
ومخلوقات لاتعد ولاتحصى عليها.
هناك فساد بالرغبة، وفساد بالإرغام. فالمتمكن القادر على تجنب الفساد ليس
كالمتضرر الحائر في أمره، الراغب في تمضية شؤونه، وتدبير معيشة أسرته، وقيل: إن
إمراة عطشى في برية طلبت ماءا من رجل، ورفض مالم تمكنه من نفسها ففعلت، وفضلت
المعصية على ذهاب الروح، وهنا يمكن أن يتم تبرير فعلها، وقد لايؤاخذها الفقهاء،
وربما تجاوز عنها الحاكم الشرعي، ولم يقم عليها الحد.
مواطن يراجع دائرة فيجد مفسدين كثرا يطلبون المال، ولابد أن يعطي، وقد لايتمكن
من العطاء لأنه لايملك المال، بينما يخير رجل أعمال، أو صاحب شركة بين أن يعطي
المال، أو تتوقف معاملته التي هي طلب لإنشاء مجمع سكني، أو مشروع ما، أو كهرباء،
أو إستثمار في حقل ما، ولأنه متمكن، وغير محتاج، فهو ليس مضطرا لأن يستجيب للضغط،
ويدفع المال، فالمتمكن يكون شريكا للمفسد لأنه غير مضطر للشراكة معه في فساده،
بينما لاحيلة للناس العاديين، والمستضعفين الذين تضيع حقوقهم مالم يدفعوا الرشا
لصغار الموظفين.
في العراق يكثر المفسدون الذين يعملون في مؤسسات، وهم يشكلون جيشا كبيرا
يبدو كبار المفسدين قادة له، وليسوا متفردين ومنعزلين عنه، فهم أمة بعضها من بعض،
وكل واحد يقوم بماعليه من الفساد، فيرهق الناس، ويريهم أصناف العذاب، وهذا يؤكد
إننا نواجه مشكلة حقيقية، ولابد من إتخاذ تدابير تتعلق بكل فاسد، وليس ببعض
الفاسدين، ولابد من إصلاح للقوانين، ووضع التشريعات المناسبة للحد من ظاهرة الفساد
التي تجتاح بلدنا، وتكاد تهلكه، وتعال حلها.
0 تعليقات