ثورة الزنج ....سبارتاكوس
العربى
د.أحمد دبيان
حين انتهت الرسالة الثورة وانقضت عليها الثورة المضادة فصارت تحولاتها
الاجتماعية التى تتوخى العدالة الإنسانية محض كسروية وملك عضود وبعد ان عاد
التمايز والإقطاع والعبودية والقنانة وترسخ نسيجا فقهيا فى دين التعاطى الرسمى .
كان حتما وقد ترسخت العبودية ان يكون الناتج الواقعى ثورة تأتى على الأخضر
واليابس .
ولأن تاريخنا هو تاريخ السلطة
المتسيدة والتى ترى المجتمع سادة وخداما او محض عبيد يأتى تاريخ
الثورات دوما شائها ممزق السياق مستمطر
اللعنات، ورغم ان ثورات الشرق تأتى جملا
اعتراضية قصيرة جدا الا ان السلطة المتسيدة تمزق لحمها وتنجس القائمين بها وتجعلهم
من نسل بعلزبول مستمطرة لعنات رفض السجود
فتتحول السلطة الى اله غيور غاضب يمحق كل خروج عليه .
قامت فى عهد الخلافة التى اكتست بقشرة الإسلام و التى يحن بعض المرضى حتى
اليوم لها ثورات عده فاقت بعضها ثورات
العبيد ضد الإمبراطورية الرومانية والتى جسدتها السينما العالمية فصار ايقونتها
سبارتكوس محرر العبيد .
قامت فى العهدين الاموى والعباسى ثورتان
كانتا فى مجملهما هبات ضد الظلم والتمايز والعبودية وفاقتا فى عدد الضحايا
كل ما يسرده التاريخ عن دموية القمع الرومانى لثورة سبارتكوس او دموية التتار
وهولاكو يوم دخولهم بغداد .
هناك ثورتان للزنج أولاهما هى ثورة
الزنج الأولى... وهى أول هبة ضد السُخرة.
اندلعت ثورة الزنج الأولى في عصر عُرف بـ"السيادة العربية"،
أثناء حكم عبد الملك بن مروان بين عامي 65 و86 هجرياً. كانت الخلافة الإسلامية قد تحوّلت
عملياً إلى مُلك، وبسبب النظام الإقطاعي السائد آنذاك، تحوّل الفلاحون إلى
مؤاجرين، وفي كثير من الأحيان كانوا يعملون بالسخرة (بلا أجر)، كما رُفعت الضرائب
على الأرض حتى عجز ملاكها عن دفعها، ما استفاد منه الإقطاعيون الكبار الذين ضمّوها
إلى أملاكهم بعد تخلّي أصحابها عنها.
حينذاك، استقدمت الخلافة "عبيداً" من ذوي البشرة الدكناء (الزنوج)
من أفريقيا، واستقدمت الزط (الغجر) من الهند للعمل في الأرض، وتم تسخيرهم للعمل
الزراعي، ومن شدّة العمل مات الكثير منهم.
وبالرغم من اعتناقهم الإسلام لم يشفع لهم ذلك، واستمر قهرهم حتى تجمّع "الزنوج"
تحت قيادة رجل يُسمّى "شير زنجي"، أي أسد الزنوج، وانضم إليهم "الزط"
وكثير من عرب العراق الذين اضطهدهم بنو أمية، ونجحت الثورة في السيطرة على جنوب
العراق ثم بلاد إيران، واستولت على بلاد "الأهواز" على الحدود الإيرانية
العراقية حالياً، وأطلق أتباع "شير زنجي" عليه لقب "أمير المؤمنين"،
الأمر الذي حث عبد الملك بن مروان على إرسال الحجاج بن يوسف الثقفي بجيشه من
الكوفه للتخلص منهم.
وفشلت هذه الثورة، بعد سنوات قليلة جداً، لأنها كانت من عناصر وفئات
مختلفة، وكانت أشبه بهبّة عفوية، ولم تملك خطة محددة، إضافة إلى تصدي الحجاج
الثقفي العنيف لها وإعدامه جميع قياداتها.
اما ثورة الزنج الثانية فحدثت فى عهد الخلافة العباسية والتى تغيرت فيها
العناوين الحاكمة بينما ظل النظام الاقطاعى المتسيد هو الحاكم .
كان سبارتكوس العربى هنا والذى ان
نطقت باسم سبارتكوس اليوم ستجد الآلاف ، بل الملايين فى مشارق الأرض ومغاربها
يقفز الى أذهانهم هذا العبد التراقى ( من تراقيا القديمة) (فى اليونان حالياً ) الذى اقض مضاجع الدولة الرومانية هو وجيش
المصارعين ، والذى حارب لينال الحرية وتم صلبه
وهو يحاول بعد هزيمته على يد ماركوس كراسوس .
بينما كان سبارتكوس العربى هنا
شرقيا ظهر فى منطقة الشرق الأوسط فى الجزيرة العربية .
سبارتكوس الشرقى كان يدعى بابهبوذ" وتسمى بعلي بن محمد وادعى انتسابه
إلى عبد القيس ثم إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي
قاد ثورة الزنج في عام 255 هـ،
والتى أنهكت دولة الخلافة العباسية وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب
المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، وشاركت فيها فئات متنوعة: منهم الزنج،
وأهل القرى، وبعض العرب، وعشائر عربية ثائرة على السلطة.
يعتقد أن الحركة بدأت بزنوج من شرق افريقيا إستعبدوا وجيء بهم إلى تلك
المنطقة، وإمتدت لتضم العديد من المستعبدين والأحرار في مناطق عدة من الإمبراطورية
الإسلامية. فكان الزنج قد ثاروا على المالكين وأسسوا حكومة لهم كان مقرها مدينة
المختارة (جنوب البصرة)، وهددت الدولة العباسية حتى جندت كل إمكاناتها لتسحقها،
فكانت أطول ثورات العصر العباسي وأخطرها.
حاول اجتذاب الشيعة بادعاء نسباً علوياً وزعم انه المهدى وان الله
قد ارسله لتحرير العبيد والمظلومين
.
لم يُؤْمِن كالشيعة بالوراثة
الخلافية ، واعتنق فكرة الخوارج
بالشورى فى الإمامة وأنها حق لاى فرد فى المسلمين .
كانت الخلافة العباسية قد رسخت
للطبقية والتمايز كسلفتها الأموية
، وقد سيطر الأتراك على الخلفاء مكونين
بالفعل خونتا عسكرية ،
Junta
واقطاع عسكرى
بينما عاش المهمشون والمحرومون من
العرب والزنوج فى فقر مدقع ....وقد تعددت
دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية: فبسبب
تردي أوضاع الخلافة، نوتيجة لتصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين
والعبيد وجد كل هذا له متنفسًا فى دعوة علي بن محمد. كان للاوضاع
المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة
ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة..
واتساع الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلوغ
التناقض الاجتماعي ذروته مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن
محمد..
وكان لنمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال
عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض
ويباع، لقاء وجبة طعام، السبب الأكبر فى ازدياد عدد الثوار فقد أرادت هذه الفئات
التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش.
سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام (255
ـ 265هـ) على رقعة واسعة تمتد بين الأحواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة
المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته ، فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي
بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه وقد بلغ الضحايا فى بعد الاحصائيات التاريخية
قرابة الاثنين ونصف مليون ضحية .
بإخماد الثورة، أُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة
لعباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح والتي دامت أكثر من أربعة عشر
عامًا ، ولم تخرج الخلافة منها كما كانت ،
حيث تعد احد اكبر العوامل فى اضمحلال وسقوط الدولة العباسية
0 تعليقات