مُقاربة ٌ منهجيَّة
في بيان
مَدرك حُجيَّة قول
الرجالي
(الحلقة الثالثة)
علي جميل الموزاني
الحاجة إلى علم الرجال
وتكمن الحاجة إلى معرفة مسائل
علم الرجال والوقوف على مبانيها بما تحمله الموسوعات الروائية والحديثية من روايات
في مختلف الأبواب الفقهية والكثير منها يقع فيه التعارض أو التخصيص أو التقييد.
ومن اجل معرفة ما هو الحق
منها لأبد للباحث من معرفة صحة طرق تلك الروايات ومعرفة رجالها من أجل الترجيح والأخذ
بها, كما هو منصوص عليه في مقبولة عمر بن حنظلة, قال: (سالتُ أبا عبد الله (ع) عن
رجلين من أصحابنا بينهما مُنازعةٌ في دينٍ أو ميراث فتحاكما - إلى أن قال- فإن كان
كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما
حكما وكلاهُما اختلفا في حديثكم؟ فقال عليه السلام: الحكم ما حكم بهِ أعدلهما
وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر...)(1).
ومرفوعة زرارة بن أعين, قال:
(سالتُ الباقر (ع) فقلتُ جعلتُ فداك, يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان, فبأيهما
آخذ؟ فقال عليه السلام: يا زرارة, خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر, فقلتُ:
يا سيدي, إنهما معاً مشهوران مرويّان عنكم, فقال عليه السلام: خذ بقول أعدلهما
عندك, وأوثقهما في نفسك...)(2).
وغيرهما من روايات التعارض كثير, كما في أبواب صفات القاضي من كتاب الوسائل.
ومسلك ترجيح الروايات بصفات
الراوي تؤمن به كل المدارس الدينية الأصولية والأخبارية وأصحاب مسلك الوثاقة
والوثوق على حدٍ سواء, ويرى الشيخ السند بان علاج التعارض لا يتم الا من خلال
معرفة احوال الرجال ومطالعة كتب الفهارس الرجالية حيث يقول (إنّه من البيّن وجود
التعارض الروائي في أكثر الأبواب الفقهية، وعلاج ذلك بالترجيح فيها بصفات الراوي
لا يمكن إلا بعد معرفة علم الرجال كما لا يخفى، بل إنّ الترجيح في جهة الصدور أو
المضمون يعتمد كثيراً ما على علم الرجال أيضاً)(3).
ولعل البعض يحاول ان يعوّل
على أهمية مؤلفي تلك الكتب الحديثية بدعوى أنهم علماؤنا الأعلام وهم اعرف بحال
الرواة منّا حين كتبوا ودونوا تلك الموسوعات الروائية فلا نحتاج الى البحث والعناء
والتدقيق ورائهم, فهم قد كفونا المؤنة في ذلك.
ولكن الإنصاف ان هذا الكلام
لا يصلح ان يكون مسنداً كافياً للقطع أو الظن بصحة تلك الروايات لأن (كثيراً من
رواة الكافي ضعفهم النجاشي والشيخ، فمع هذه المعارضة الكثيرة تُسقط قوله عن الحجية,
ثم إن الشيخ قد ضعف كثيرا من رجال " التهذيب والاستبصار " في رجاله
وفهرسه، فكيف يمكن أن يُعتمد على ذلك التصحيح)(4) .
بل ان أصحاب تلك الموسوعات
الحديثية قد صرحوا في مقدمة كتبهم بانهم اعتمدوا في تأليف تلك المصنفات على ما
يرونه صحيحاً بينهم وبين الله ويُعملون ما يعتمدون عليه من قواعد وأحكام في ترجيح
واختيار الاخبار, (فإنَّا لا نعلم كثرة الصحيح في أخبارنا ولا وجود الأصول الصحيحة
فضلاً عن كثرتها وإجماعهم على صحتها, وإنما الموجود أخبار مختلفة المتون, متناقضة
المضمون, أكثر رواتها فسقة ولا يتحرجون من الكذب, ومع ذلك اختلفوا في صحتها, فكلٌ
يصحح ما في يده ويطعن فيما بيد الآخر)(5).
(يتبع)
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أصول الكافي, للكليني, ج1و ص88.
2- عوالي اللئالي, ابن أبي جمهور الأحسائي, ج4, ص133.
3- بحوث في مباني علم الرجال, الشيخ محمد السند, ص28.
4- كليات في علم الرجال, جعفر السبحاني, ص46.
5- إحياء معالم الشيعة بأخبار الشريعة: الجزء1, ص77-78.
0 تعليقات