مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان
مَدرك حُجيَّة قول الرجالي
(الحلقة الثانية)
علي جميل الموزاني
وقد كانوا يتعاملون
مع الموضوعات في تصنيفهم للعلوم كلٌ بحسبه ففي كتب الرجال ذكروا المصنفات والأصول
وترجمة الرواة وبينوا حالهم في الأعم الأغلب ولم يهتموا في بيان الكليات والقواعد
الرجالية, وفي مصنفاتهم الأصولية بينوا نظرياتهم في ترجيج قبول الأخبار المتعارضة
مع ذكرهم لأهم القرائن التي تُساعد على قبول أخبار الرواة المخالفين أو المراسيل
أو قبول خبر الواحد وغيرها من الأبحاث, وفي موسوعاتهم الروائية طبقوا منهجهم في
ترجيح الأخبار المتعارضة, وفي مصنفاتهم الفقهية بينوا فتاواهم وتفريعاتهم للقواعد والأحكام
وفق الأصول التي اختاروها, وهذه الحركة العلميّة تجدها واضحة وجلية في ما أبدعه
شيخ الطائفة وما أسس له في سائر العلوم التي سار على منوالها المتأخرون من علمائنا
الأعلام قدس الله أرواحهم.
مضافاً الى الجدال الحاصل في بيان الموقف
الرسمي من العمل بأخبار الآحاد وإنكار حجيتها لدى كثير من المتقدمين والمتأخرين
ومن أبرزهم (المفيد، والمرتضى، وابن البراج، والطبرسي، وابن زهرة، وابن شهرآشوب،
وابن إدريس، والمحقق الحلّي، هذا إذا تجاهلنا ما نسبه صاحب الوافية إلى ابن بابويه
في كتاب الغيبة المفقود حالياً من القول بعدم الحجية أيضاً, وما نسبه الكركي إلى
سلاّر الديلمي (448هـ) وابن حمزة الطوسي (ق6هـ) من موافقة المرتضى في رأيه, مما لم
نعثر عليه)(1), مع عملهم به كما هو واضح في مؤلفاتهم لأنه مقرون بالإجماع او قامت
على حجيته قرائن تثبت صدوره عن المعصوم.
وقد كان العلماء المتقدمون يعملون على
تقسيم الحديث الى قسمين صحيح معمول به حتى وان كان راويه ليس بثقة لقيام القرائن
على صحته, وضعيف متروك لا يُعمل به حتى وان كان راويه ثقة, وفي زمن المتأخرين
انتقل الامر الى النظر في سند الأحاديث لابتعادهم عن أهم القرائن التي كان يعتمد
عليها الأصحاب وقسموا الحديث إلى أربعة أقسام: (الصحيح والموثق والحسن والضعيف) الذي
نشأ في زمن ابن طاووس والعلامة (وقد أدى هذا التنسيق فيما بعد إلى خلاف بين
مدرستين في الفقه الإمامي هما مدرسة الأصوليين ومدرسة المحدثين الذين رفضوا هذا
التقسيم وأصروا على الأخذ بما ورد في الكتب الأربعة من دون أن يناقشوا في سندها, ومهما
يكن من أمر فقد استقر تصنيف الحديث إلى هذه الأقسام الأربعة بعد هذا التاريخ،
وأصبح هذا التقسيم أساساً للاستنباط والبحث الفقهي بشكل عام).
وعلى ضوء ذلك ظهرت لنا مدارس ومسالك رجالية
متعددة تتبع في منهجها الرجالي طرق وقواعد تختلف عن الأخرى.
ومن أبرز تلك المدارس او المسالك الرجالية
هي:
مسلك السيد شمس الدين محمد بن السيد علي
العاملي(1009هـ) صاحب كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام وقد مثل السيد في
زمانه قمة التشدد النسدي في قبول الروايات وقد رفض في أبحاثه الفقهية قبول خبر غير
الامامي طارحاً مئات الروايات التي أوردها المحدثون في موسوعاتهم الروائية والتي
عمل بها الأصحاب تحت عنوان الخبر الموثق، أي الذي يرويه غير الإمامي الاثني عشري،
حتى لو كان شيعياً، فقد طبّق العاملي ذلك في كتابيه المدارك ونهاية المرام، وكانت
لهذا التطبيق مضاعفات كبيرة، انطلاقاً من كثرة الروايات المروية عن الواقفية
والفطحيّة والغلاة وأهل السنّة(3).
مسلك الاكتفاء في تحصيل الوثوق بالصدور
وهو ما عليه المشهور, وما سوف نناقشه في مبحث مستقل.
مسلك الاعتماد على سند الرواية وطريقها وان توثيق الروايات وتضعيفها إنما
يتحققان من ناحية الرواة فقط, أو ما يعرف بمنهج الوثاقة وهو مسلك السيد الخوئي
ومعظم تلامذته, وسنعرض ذلك بشيءٍ من التفصيل.
مسلك أخر وهو الذي يعتمد على تصحيح الأسانيد بالمتون, والاعتماد على
ذوق وصفاء الفقيه الباطني لمعرفة صحة الأخبار من سقيمها, وقد اختار هذا المنهج
المحدث الكاشاني والشيخ كاشف الغطاء والسيد السبزواري.
والكلام حول هذه المسالك يحتاج الى شيءٍ من
التفصيل يترك الى محله ونختصر الكلام هنا في بيان حجية قول الرجالي والتي من خلالها
نستطيع ان نخرج بمسلك أخر يوافق في منهجه مختار السيد الخوئي مع الاهتمام ببعض
القرائن المهمة التي لا يمكن إنكار مدخليتها في حجية وقبول بعض الأخبار.
(يتبع)
الحلقة الأولى : مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان مَدرك حُجيَّة قول الرجالي
هوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نظرية السنة, حيدر
حب الله, ص96.
2- مقدمة كتاب رياض
المسائل, السيد علي الطباطبائي, ج١, ص٦٢.
3- راجع نظرية السنة,
حيدر حب الله, ص209.
0 تعليقات