آخر الأخبار

العدوان الثلاثى ، المعتدى عليه والمعتدون





العدوان الثلاثى ، المعتدى  عليه والمعتدون


د.أحمد دبيان


ولأننا أدمنا  مازوخية الأفكار العابرة للمحيطات والقارات والمحققة لغزو لم يتحقق على واقع الأرض تاريخياً وقت الحدث ، وليس الغزو هنا السيطرة على أجزاء هنا أو هناك على الأرض وإنما يكون الغزو والاجتياح بفرض الإرادة والهيمنة والأهم تحقيق أهداف العدوان .

هل انهزمت مصر فى حرب السويس ؟

الهزيمة   فى التعريف الإستراتيجي للمعارك وحسب كلاوفيتز وصن تزو هى قدرة الخصم على الاجتياح والاحتلال وفرض الإرادة فعل حدث هذا فى حرب السويس ؟

بدأ العدوان والذى تتكشف وثائقه يوماً بعد يوم بعد تأميم الزعيم جمال عبد الناصر للشركة العالمية لقناة  السويس .

وهو حق قانونى أصيل لمصر لم يستطع أحد فى مصر الملكية تحت الاحتلال سواء السلطان  حسين كامل أو الملك فؤاد أو الملك فاروق أو زعماء مصر من سعد زغلول إلى مصطفى النحاس أو محمود فهمى النقراشى ان يجرؤوا على المطالبة به أو تحقيقه .

ورغم الكلام المرسل والدعاوى التى تتناول أن عقد امتياز القناة كان لينتهى فى العام ١٩٦٨ اعتمادا على كلمة الشرف الفرنسية والإنجليزية فالوقائع التاريخية ترصد محاولة لمد الامتياز فى عهد رئيس الوزراء بطرس غالى باشا وكانت السبب فى اغتياله حيث كان الوعى الشعبى يدرك أن شركة القناة تمثل كياناً عدوانياً غاصباً انتهك سيادة مصر وكان احد أسباب احتلالها .

بل وتخبرنا الوثائق المنشورة بواسطة الدكتور على الحفناوى نجل  الدكتور مصطفى الحفناوى  وصاحب كتاب قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة وكان أحد المراجع القانونية التى استند اليها صانع القرار المصرى فى عملية التأميم ، إن شارل روا رئيس شركة القناة فى باريس فاتح الدكتور مصطفى الحفناوى فى مصير القناة بعد العام ١٩٦٨ عام انتهاء الإمتياز وان الخطط كلها كانت ترى بتدويل القناة وأن يكون هناك ممثلين للدول فى مجلس  منتفعين   تكون مصر فيه ممثلة بعضو واحد وانه قد حاول رشوته بأن يكون هو هذا العضو بعد كشف الشركة حقيقة بحثه وحصوله على مستندات قانونية تعضد  حق مصر القانونى فى التأميم مع تعويض المنتفعين وهو ما قد فعلته مصر بالفعل .

نأتى للعدوان كفعل وحركة ، هل مصر هى من أرسلت قواتها لتعتدى على إسرائيل وانجلترا وفرنسا أم أن العكس هو ما قد حدث ؟


فعلياً من بادأ بالاعتداء ومنذ توقف القتال على خطوط الهدنة المنعقدة فى رودس عام ١٩٤٩ بعد هزيمة الجيوش العربية فى فلسطين عام ١٩٤٨ وكانت مصر الملكية محتلة بالواقع القانونى والفعلى بعد إلغاء النحاس باشا لمعاهدة ١٩٣٦ وتواجد الجيش الإنجليزي بقوات ومعدات لا محدودة فى قاعدة السويس ومدن القناة .

من بدأ بالاعتداء فى العام ١٩٥٥ على غزة وكانت تحت الحكم الإداري المصري كانت إسرائيل ، وكانت صفقة الأسلحة التشيكية .
ومن بادأ بالعدوان فى حملة السويس كانت القوات الإسرائيلية فى خطة تمت بناء على معاهدة سيفر  نسبة لضاحية سيفريز فى باريس ولقاء تم فى أحد البيوت الذى كانت تتخذه المقاومة الفرنسية بيتاً آمناً إبان الإحتلال النازى ، والموقعة من   سلوين لويد وزير خارجية إنجلترا ممثلاً لأنطونى إيدن رئيساً لوزراء إنجلترا ، و ديفيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل وكريستيان بينو وزير خارجية فرنسا ممثلاً   لجى مولييه رئيس وزراء فرنسا الإشتراكى.

وكانت المؤامرة الموقعة والممهورة بالتوقيعات لعدم ثقة الأطراف ببعضها البعض تقتضى بقيام إسرائيل بإجتياح خطوط الهدنة والإشتباك مع الجيش المصرى الذى سيندفع الى سيناء لمواجهة الجيش الإسرائيلى وهنا تقوم بريطانيا وفرنسا بإرسال إنذار إلى الطرفين بأنهما يهددان الملاحة فى القناة وان على الطرفين وقف القتال والانسحاب عشرة كيلوميترات عن القناة  وتقوم القوات البريطانية والفرنسية عند رفض الإنذار المتوقع بعملية إنزال فى مدن القناة إستناداً  ملتوياً لمعاهدة الجلاء الموقعة عام ١٩٥٤ بحق إنجلترا فى العودة إذا قام الإتحاد السوفيتى بهجوم مهدد للملاحة فى القناة وهو ما لم يكن الواقع ومصر تصد عدواناً إسرائيلياً على أراضيها .

ورغم ضرب الطيران المصرى بواسطة الطيران الإنجليزى والفرنسى إستطاع الجيش المصرى صد الهجوم الإسرائيلى وتعطيله فى الكونتيلا وعند الممرات وكان ايريل شارون ممن أصيبوا إصابة فادحة أعجزته حيث كان قائداً لقوات المظليين المنزله عند الممرات لضراوة مقاومة القوات المصرية .
قامت المدمرة إبراهيم بقصف ميناء حيفا وقصفتها الطائرات الإنجليزية والفرنسية .

إستطاعت زوارق الطوربيدات المصرية بقيادة الشهيد المقدم جلال الدسوقى  والشهيد جواد حسنى والبطل الشهيد مختار فهيم الجندى تعطيل واتلاف المدمرة الفرنسية جان بارت .

قامت القوات الإنجليزية والفرنسية بعمليات إنزال بالمظليين فى منطقة مطار الجميل فى بور سعيد وفى بور فؤاد لحصر الجيش المصرى فى سيناء فكان قرار الإنسحاب وانضمام الجيش بقواته المسلحة الى الشعب لتصبح حرباً شعبية .

وحسب كتاب السيد عبد الفتاح أبو الفضل كنت نائباً لرئيس المخابرات ، والسيد أبو الفضل كان منسقاً لعمليات المقاومة وكتائب التحرير فى الفترة بعد قيام ثورة يوليو والتى أرغمت بريطانيا على توقيع معاهدة الجلاء  وكانت له جولات مع ضابط المخابرات البريطانى الشرس وليامز والذى تم استهدافه أثناء العدوان الثلاثى وكان السيد أبو الفضل احد أبرز عناصر المقاومة فى المنزلة وبورسعيد ولم تنجح بريطانيا أبداً فى بسط سيطرتها  الكاملة على بورسعيد لشراسة المقاومة الشعبية من عناصر الجيش والشعب.

ورغم ضحايا العدوان  من الشعب لهمجية المعتدين من ينتحب عليهم المزايدون  والذين بلغوا قرابة الألفين متناسين أكثر من ستمائة ألف مصرى ماتوا إبان الحرب العالمية الأولى بقرارات السلطة الإنجليزية المحتلة لتجنيدهم عمالاً بالسخرة .

فأن للحرية وفرض الإرادة ثمناً تدفعه الشعوب لأنها وبغريزة بقائها تعلم أن ثمن التفريط والمهادنة يكون أفدح .

فى دنكيرك كانت هزيمة القوات الانجليزية والفرنسية وبلغ الضحايا أربعين ألفاً ، ورغم هذا لم تستسلم إنجلترا ولم تستسلم فرنسا الجنرال ديجول .

فى روسيا وبعد العملية بارباوسا والأجتياح النازى الألمانى تم تحطيم أكثر من ألفى طائرة  روسية على الأرض وكانت قوات الجيش السادس الألمانى على مشارف موسكو ولم يستسلم الروس وقاتلوا ورغم فداحة الضحايا الذين بلغوا أكثر من عشرين مليون روسى كانت الإرادة والإنتصار .

هل هنا نستطيع لوم الروس أو الانجليز والفرنسيين أنهم لم يستسلموا للعدوان النازى  وكان الأولى بهم الخضوع تجنيباً لشعوبهم هذا العدد من الضحايا فى إعتصار لقيم الحضارة والتاريخ .

انتصرت مصر وفرضت ارادتها وكان إلغاء معاهدة الجلاء وتأكيد الإستقلال المصرى وكان إنسحاب القوات المعتدية وعودة القناة القانونية والمستحقة لمصر .

وختاماً لا يسعنا الا أن نستعير مقولة الزعيم جمال عبد الناصر :
إن الثمن الذى ندفعه من أجل الكرامة فادح ولكن الثمن الذى سندفعه فى حال الذل أفدح .

إرسال تعليق

0 تعليقات