آخر الأخبار

ماذا يحدث فى ليبيا ؟





ماذا يحدث فى ليبيا ؟



محمد نجم

دائما ما كنت أحاول أن ابتعد عن السياسة والتحيزات العاطفية والمؤدلجة لفكرة علي حساب فكرة أخري , تركيزي طوال الوقت كان علي الأرقام والنسب المئوية المنبثقة من النظريات الاقتصادية الأساسية , وأترك لك الحكم والتقدير .. لكن للأسف اصطدم في كل مرة بحقيقة ان الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة ولا مفر من التعرض الحتمي لبعض اللمحات السياسية بغرض فهم المواقف الاقتصادية المعقدة .. ولا أجد موقف اكثر تعقيداً وتشابكاً من الموقف الليبي .

اولا : هل الكعكة تستحق كل هذا العناء ؟
.
ليبيا دولة نفطية بامتياز وكل الدول المتدخلة بها – عدا الجزائر – هى دول فقيرة نفطياً وعلي رأسها تركيا بالطبع والتى تعتبر أقل هذه الدول حيازة لمواد هيدروكربونية .
.
تواجه ليبيا تحديات كارثية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في 2011، وبالتالي حدوث انهيار الدولة الوطنية الموحدة والمؤسسات الدستورية جعلها هشة وفرصة سانحة ومربحة للغاية علي الساحة الدولية والإقليمية.
.
ما هى مواصفات وإمكانيات الاقتصاد الليبي ؟
.
1 - عدد السكان: 6.5 مليون نسمة.

2 - مساحة الدولة: 1.7 مليون كم².

3 - مصادر إيرادات الموازنة: مبيعات النفط والغاز الطبيعي.

4 - الكمية الاقتصادية من الموارد : 50 مليار برميل نفط + 1.5 تريليون متر مكعب غاز طبيعي.

5 - قيمة مبيعات الكمية الاقتصادية من الموارد بمتوسط سعر اليوم = 4.1 تريليون دولار .

الإنتاج النفطي في 2018 :
1.1مليون برميل يوميًا.

يتم تصدير نحو مليون برميل منهم والمتبقي للاستهلاك المحلي .
المكاسب المالية فى 2018 :
مليون برميل يوميا × متوسط سعر 70 دولار للبرميل = 70 مليون دولار يوميا .

70 مليون دولار × 365 يوم = 25 مليار دولار سنويا.
.
إذن المكاسب الفعلية من بيع النفط الليبية فى العام الماضي كانت تعادل تقريبا ميزانيات دول كبيرة إفريقيا مثل السودان والكاميرون وإثيوبيا وكوت- ديفوار وكينيا مجتمعين .
.
الآن فهمنا وبشكل رقمي دقيق حجم المكاسب المحتملة من السيطرة علي الأرض الليبية والاستقرار فيها أو التحالف مع العناصر المسيطرة عليها .

.
ثانيا : نتحرك نحو اللمحات السياسية فى الموقف الليبي ..

السؤال الآن : من هى الأطراف التى تعمل هناك؟
.
لدينا عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين علي الساحة الليبية الآن .. هذه الفواعل تنقسم الي 4 أنواع :

1 - دول وطنية

2 - جماعات / ميليشيات مسلحة

3 - مؤسسات / وكالات إقليمية ودولية

4 - جماعات ضغط / مصالح
.
الدول الوطنية :
مصر – السعودية – الإمارات – قطر – المغرب – الجزائر – تونس

الولايات المتحدة – الاتحاد الأوروبي - روسيا - ألمانيا – بريطانيا – ايطاليا – فرنسا – تركيا
.
مجموعات / ميليشيات مسلحة :

تنظيمات مسلحة في مصراتة وطرابلس - تابعة لفايز السراج
تنظيمات مسلحة أخري , فى منطقة الحوض الجنوبي الليبي بدول الساحل والصحراء - مساندة للتنظيمات الأولي
.
مؤسسات / وكالات إقليمية ودولية :
الأمم المتحدة
حلف شمال الأطلسي
الاتحاد الإفريقي
جامعة الدول العربية
التعاون الإسلامي
الأوبك
.
جماعات ضغط / مصالح :

شركة أيني الايطالية – شركة خاصة وتملك الحكومة الايطالية 30% من أسهمها وتخضع للأجهزة الاستخباراتية .
.
شركة بي بي البريطانية – شركة خاصة لكنها تخضع لسيطرة كاملة من المؤسسات الاستخباراتية .

فى 2015 تم تعيين "جون سويز" عضواً منتدباً بمجلس إدارة الشركة بعد انتهاء ولايته فى رئاسة جهاز الاستخبارات البريطاني
.

شركة شيفرون الأمريكية - شركة خاصة وتستطيع الحكومة الأمريكية التأثير فى قرارها

شركة اكسون موبل الأمريكية - شركة خاصة وتستطيع الحكومة الأمريكية التأثير فى قرارها
.
شركة جازبروم الروسية – شركة عامة وتسيطر عليها الحكومة الروسية

شركة سي ان بي سي الصينية –تابعة ل(بتروتشاينا) وبالطبع تسيطر عليها الحكومة الصينية
.
شركة شل الهولندية – شركة خاصة - تلتزم الحياد
.
شركة توتال الفرنسية - شركة خاصة وتستطيع الحكومة الفرنسية التأثير فى قرارها
.
شركة آر دبليو أي الألمانية – شركة خاصة - تلتزم الحياد
.
شركة سوناطراك الجزائرية – شركة عامة وتسيطر عليها الحكومة الجزائرية - تلتزم الحياد
.
شركة نيبون اليابانية – شركة خاصة - تلتزم الحياد
.
شركة بتروبراز البرازيلية – شركة عامة وتسيطر عليها الحكومة البرازيلية – تلتزم الحياد
.

ثالثا : من يحق له قانوناً التدخل ؟

السؤال الآن , علي مقياس الحق الشرعي في الدفاع عن النفس وتأمين المجال الحيوي , ما هى الدول التى يحق لها التدخل فى ليبيا ؟
.
دول حزام النارالليبي هى : مصر – السودان – تشاد – النيجر - الجزائر – تونس
.
وبناءا علي هذه المقاييس , فالتدخلات المصرية فى ليبيا محصنة بحق الدفاع عن النفس .. لارتباطها بحدود مشتركة تقدر بـ 1200 كم فى الاتجاه الغربي .

.
وبالتالي كان طبيعيا ان تسعي القاهرة لتدشين سور عازل عسكريا وسياسيا وقانونيا ودبلوماسيا واقتصاديا يحول دون نفاذ أي فوضي من ليبيا الي أراضيها والعمل علي ضمان الحد الادني من الاستقرار الممكن علي التراب الليبي واسترجاع دولة المؤسسات فى أسرع وقت ممكن والقضاء علي التهديدات المحتملة بشكل استباقي يحول دون تفاقمها وتضخم خطرها , ذلك بالتوازي مع حشد تحالف إقليمي ودولي لدعم أي جهود تُفضي الي تنفيذ هذه المستهدفات العاجلة .
.
رابعا : شرح الخلفية الاقتصادية التى مهدت الطريق نحو تحول المواقف مؤخرا لعدد من الفاعلين الإقليميين
.
مصر تتمسك بموقفها وتقوم بتشكيل تحالف دولي

تونس تتراجع وتعلن الحياد والتمسك باستقلالية قرارها

السودان ينفي إرسال أي قوات الي ليبيا

تركيا تُصعد لكن تقف بمفردها
.

أولا : مصر

التحركات المصرية فى أخر 3 سنوات أربكت حسابات الكثيرين فى المنطقة , وقف الانهيار الاقتصادي والعودة إلي الإنتاجية والتشغيل الكامل ثم علاج أزمة العملة الصعبة وانطلاق كافة محركات النمو المصرية بالتوازي مع تطوير غير مسبوق وتاريخي للبنية التحتية ... كل هذه المقدمات سمحت باستعادة القدرات العسكرية المصرية واليد الطولي فى منطقة شرق المتوسط وشمال إفريقيا , مامهد الطريق لتحقيق نجاحين هائلين :
.
النجاح الأول : الإصلاح الاقتصادي ساهم فى تحسين ورفع الكفاءة القتالية للقوات المصرية مما سمح بتأمين الوصول والسيطرة والاستكشاف والإنتاج والتسويق والتوزيع والبيع لموارد مصر الهيدروكربونية فى البحر المتوسط بما يعنيه ذلك من احتياطات تقدر بحوالي 2 تريليون متر مكعب غاز .
.
النجاح الثاني : الإصلاح الاقتصادي ساهم فى تقوية وتحسين تنافسية الشركات المصرية العامة وشبه العامة والخاصة فى البيئة الدولية , مما ساعدها علي النجاح فى اقتناص الفرص الاستثمارية خارج القطر المصري خاصة عقود إعادة الاعمار فى الدول الممزقة , وبالطبع كانت ليبيا علي رأس القائمة .
.
يقول المحلل الاقتصادي التونسي "اشرف العيادي" علي فرانس 24 فى فبراير الماضي :

"رغم ان تونس استقبلت أكثر من 1/3 الليبيبين بعد الفوضي وتحملت العبء الأكبر بين دول الجوار , إلا أننا نجد مصر تفوز بعقود إعادة اعمار فى ليبيا بقيمة 100 مليار دولار وهذا سببه ان الحكومة التونسية ليس لديها خطة أو رؤية"
.
وبغض النظر عن مدي صحة الرقم وهل هو رقم فعلي او متوقع , حقيقي ام مستقبلي ... الشاهد هنا هو ان التحركات المصرية أثارت حنق الكثير من اللاعبين المنافسين فى الإقليم وعلي رأسهم تركيا وتونس
.
ثانيا : تونس
.
رئيس جديد فى تونس لم تنقضي أيام علي ولايته ولم تتشكل الحكومة بعد , ومع ذلك يرمي ببلاده واقتصادها الهش فى معركة اكبر بكثير من قدراتها واقسي بكثير من قدرتها علي التحمل .
.
فى أي حال , عادت الرئاسة التونسية وتراجعت عن موقفها وأعلنت رفضها الزج باسمها فى أي تحالف يتعلق بالموقف فى ليبيا .. وأعلنت الحياد والدعوة لحل سياسي
.
السؤال هو : لماذا يُصنف الاقتصاد التونسي بـ"الهش" ؟ وما سبب تراجع القيادة التونسية عن الدخول فى معركة ليبيا ؟
.
1 - البطالة عند 15%
2 - النمو 0.2%
3 - الاحتياطي النقدي – 5 مليار دولار - يغطي اقل من 3 شهور من الاحتياجات الأساسية.

4 - تونس فى المركز 107 علي معيار "الرؤية المستقبلية للحكومة" وفقا للمنتدي الاقتصادي العالمي ضمن 136 دولة .

5 - أجور الموظفين تستحوذ علي 50% من الموازنة تقريبا عند 16 مليار دينار.

6 - توقف متكرر لصرف دفعات من قرض صندوق النقد – تم توقيعه فبراير 2016 - بسبب عدم الالتزام بتطبيق الإصلاحات.

ولولا المعونات العاجلة والمساعدات من قطر ودول الخليج الاخري وكذلك فرنسا والاتحاد الأوروبي لأفلست الدولة فى غضون 3 أيام .

.
وبناءا عليه فالشأن الداخلي التونسي والموقف الاقتصادي الخطير أولي بأهتمام وتركيز القيادة الجديدة والا فالمواطن هو الذي سيدفع ثمن أي حماقة ترتكب او مجازفات غير محسوبة اقتصادياً ورقمياً .
.
ثالثا : السودان , يسري عليها ما يسري فى تونس .
.
رابعا : تركيا
.
تركيا هى أكثر دولة تضررت من التحركات المصرية من 2015 حتي الآن .. فـاستحوذت القاهرة علي شطر كبير من نصيب أنقرة فى قطاعات :
.
1 - السياحة
وبالتحديد من أسواق أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية بفضل حالة الفوضي فى تركيا .
.
2 - التجارة
وبالتحديد صادرات الملابس الجاهزة ومواد البناء والبتروكيماويات والموالح الى أوروبا , بفضل شلل المصدرين فى تركيا نتيجة الأزمة الاقتصادية .
.
3 - الاستثمار الأجنبي
سواء الاستثمار المباشر او الاستثمار فى أدوات الدين والعملة المحلية , نتيجة انهيار الليرة وتذبذباتها وعدم الاستقرار السياسي .
.
4 - الأنشطة العقارية
وبالتحديد تصدير العقار المحلي للخارج في منطقة الخليج العربي , بفضل تحرير الجنيه المصري مقابل انهيار مبيعات شركات العقار التركي.
.
5 - الطاقة بمختلف أنواعها
وبالتحديد فى شرق المتوسط سواء الغاز الطبيعي أو المسال , وكذلك الربط الكهربائي مع اوروبا عبر قبرص واليونان , بفضل منشآت التسييل المصرية الجاهزة علي سواحل البحر المتوسط وكذلك القدرة المصرية الفائقة علي التأمين الكامل لأنشطة الإنتاج وتشغيل الحقول ,
.
بالتوازي مع الموارد الصفرية التركية من النفط والغاز وفشل مشروعها لتكون دولة ممر ومنصة للتوزيع والتسويق بين إسرائيل وقبرص من ناحية وأوروبا من ناحية أخري لتصبح مصر هى المنصة البديلة والتى يمكن الرهان عليها أوروبيا وأمريكيا .
.
6 - عقود إعادة الاعمار
وبالتحديد في قطاع التشييد والبناء بالدول الممزقة (ليبيا-سوريا-العراق) او الدول المستقرة الصغيرة الي متوسطة (الخليج العربي – غرب ووسط إفريقيا) , نتيجة تحسن تنافسية الشركات المصرية.
.
أيضا تركيا لديها عقود بحوالي 18 مليار دولار فى ليبيا مع حكومة "السراج" , بالتالي فإن انهيار طرابلس بالنسبة للأتراك يعني انهيار هذه العقود واحتمالية فوز مصر بها .
.

أخيرا .. هذه كانت محاولة مني لشرح ماذا يحدث وأسباب حدوثه وبواعث كل لاعب وأهدافه وأين تتقاطع مصالحه مع مصالح اللاعبين المنافسين , لكن لا استطيع أن أتنبأ بما سيحدث الأسابيع القليلة القادمة , لان الأمر اكبر بكثير من قدرة محلل فرد علي استيعاب ما يحدث وتوقع ما سيحدث , لان أيا كان ما يكتب , فكلها تحليلات يتم بناءها علي معلومات ناقصة او غير دقيقة وفقا لما هو متاح للعامة بجانب المهارة الفردية لكل محلل فى صياغة رؤية مختلفة للأحداث ... الشئ الوحيد الذي استطيع ان اجزم به ان الاقتصاد التركي لا يتحمل صدمة جديدة تسقط به الي الهاوية فى الوقت الذي لايزال فى مرحلة التعافي من صدمة "صيف 2016" ... وبالتالي فــالدخول فى مواجهة عسكرية محدودة او واسعة فى منطقة البحر المتوسط سوف تكبده خسائر فادحة لا يستطيع تعويضها وسوف يحتاج لسنوات طويلة لكي يتجاوز آثارها الكارثية .

إرسال تعليق

0 تعليقات