آخر الأخبار

مناقشة أصولية عالية: حجية العقل (4)





مناقشة أصولية عالية: حجية العقل (4)

علي الأصولي

عودة على ذي بدء :

الشيخ المفيد بين بوضوح وبما لا يقبل اللبس في رسالته باب الغيبة، إن المراد من العقل في بحثه ليس ما أستقل والتشريعات وكونه في عرض الكتاب والسنة، بل غايته المنبع في الأحكام في المسائل التي لا نص عليها من الشرع،

وهذا المبنى هو في حال غيبة الإمام وعدم القدرة من الوصول إليه لمعرفة الحكم الشرعي الواقعي،

وهذا ما يمكن التعبير عنه بأصالة الإباحة،

وهذا المبنى محل اتفاق بين الشيعة الإمامية وأهل السنة في ما لا نص فيه ينبغي الاجتهاد وأعمال النظر كما في مدوناتهم الفقهية،
وقد فصل الشيخ في كتابه ( تصحيح الاعتقاد) هذا المعنى وبين مراده بشكل أوضح إذ قال : الأشياء في أحكام العقول على ضربين :

أحدهما : معلوم حظره بالعقل، وهو ما قبحه العقل وزجر عنه وبعد منه، كالظلم والسفه والعبث،

والضرب الآخر : موقوف في العقل لا يقضي على حظر ولا إباحة، إلا بالسمع وهو ما جاز ان يكون الخلق بفعله مفسدة تارة ومصلحة تارة أخرى، وهذا الضرب مختص بالعبادات من الشرائع التي يتطرق إليها النسخ والتبديل، فأما بعد استقرار الشرائع فالحكم ان كل شيء لا نص فيه حظره فإنه على الإطلاق، لأن الشرائع تبتت الحدود وميزت المحظور على حظره، فوجب ان يكون ما عداه بخلاف الحكمة،
ومن هنا لوحظ على الشيخ أنه ما انفك والنقد على عقائد أكابر المحدثين وفق الرؤية العقلية وإعطاء مساحة واسعة للعقل حسب الحصة الكلامية تأثرا بالجو الإعتزالي القائم آنذاك، ومثله السيد المرتضى ومدرستهما الكلامية البغدادية،

ولذا صرح الشيخ في تصحيح الاعتقاد بالقول، وكذلك إذا وجدنا حديثا يخالف أحكام العقول طرحناه لقضية العقول بفساده، بينما النهج الإخباري قائم على التسليم لكل حديث ورد عنهم (ع) بلا أعمال للتاؤيل تفاديا من محذور عدم جواز الرد عليهم (ع) وبعد مرحلة الشيخ جاءت مرحلة الشيخ الطوسي، وهو من تلامتذته ولم يذكر في كتابه الموسوم ( عدة الأصول ) وسار على منهج أستاذه وعدم تضمين العقل أو الدليل العقلي من أدلة الأحكام، غايته اي غاية العقل دليل المعرفة معرفة الحكم الشرعي فحسب، إلى أن وصلت النوبة للمحقق الحلي في كتابه ( المعتبر) بعد أن جعله من ضمن أدلة الأحكام.

وقسمه إلى قسمين :

أحدهما : ما يتوقف فيه على الخطاب وهو ثلاثة، لحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب،
ثانيهما : ما ينفرد فيه العقل بالدلالة عليه، ومثل له برد الويعة والصدق والإنصاف وقبح الظلم والكذب،،، الخ

وجاء الشهيد الأول محمد جمال الدين والتزم بما ذهب إليه المحقق في المعتبر ، وزاد عليه مسألة الضد ومقدمة الواجب واصل الإباحة في المنافع والحرمة في المضار ،

وكذا البراءة الأصلية وما لا دليل عليه والأخذ بالأقل عند التردد بينه وبين الأكثر، والاستصحاب،

هذه التقريرات هي تقريرات نهاية القرن الخامس الهجري،

وفي نهايات القرن السادس الهجري فقد اعتمد ابن إدريس الحلي على العقل في الأحكام الشرعية الفرعية مع فقدان الدليل الشرعي، واستمر هذا المبنى لهذه العصور المتأخرة على ما سوف يتضح ،

بين أيدينا أبحاث الأصول لجل من عاصرناهم وما لم نعاصرهم والتعاطي ومسألة دليل العقل،

بين من اغفل عنه بالمرة وبين من ذهب مذهب السلف في تفسيره وكونه ما لا يصلح للدلالة، في قبال الكتاب والسنة والإجماع، وبعضهم أورد تفضيلات جانبية لا يضاح مقولة العقل ومدخليتها بالاستنباط،

فالآخوند الخرساني لم يذكر العقل ضمن الأحكام في كتابه ( كفاية الأصول ) وهو من المتأخرين،

ومن متأخري المتأخرين المحقق السيد الخوئي في مختلف تقريراته الأصولية، والسيد الحكيم في كتابه ( حقائق الأصول ) لم يتطرق لهذه الموضوعة،

وغيرهم سار على نفس المنوال،

نعم من القدماء الشيخ البحراني في كتاب ( الحدائق الناظرة) ذكر تفاسير قدمائية للدليل العقلي،

وعلى كل حال يبدو بإن موضوعة دليلية العقل لم تتضح عندهم إلا بكونها براءة وإستصحاب وغير ذلك مما هي إلا للوازم للعقل في حال عدم النص، وعلى رأي الشيخ المظفر أن إدخال المفاهيم والاستصحاب ونحوها في مصاديق الدليل العقلي لا يناسب جعله دليلا في قبال الكتاب والسنة ولا يناسب تعريفه بأنه ما ينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي، - أصول الفقه -
نعم بحث دليل العقل على يد جملة من العلماء بشكل موسع ومنهم المرحوم المظفر ،

وكيفما كان : استقر رأي علماء الأصول على اعتبار العقل أخذ أدلة الأحكام الشرعية والرجوع إليه بعد فقدان النص على الحكم الشرعي،

فذلكة المقام الثاني

الدليل العقلي، هو كل حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي، ومعنى قيدية الحكم في التعريف هو الإدراك وقولهم حكم العقل فهو إطلاق تسامحي وإدخال مسألة المفاهيم في البحث العقلي مجانب للصواب لأن مرجعية هذه المفاهيم لمبحث الألفاظ، واللزوم فيها بالمعنى الاخص وما نحن فيه اللزوم المدعى  - حكم العقل وحكم الشرع - هو اللزوم البين بالمعنى الاعم، وهو ما يكون تصور الملزوم واللازم والنسبة بينهما كافيا باللزوم، - راجع منطق المظفر -
وقصة إرجاع الأصول العملية إلى الدليل العقلي غير صحيح بالمرة لان هذه الأصول سواء كانت عقلية أو شرعية لا تفيد قطعا ولا ظنا وإنما أدلة للشاك الفاقد للقطع أو الظن بالحكم الشرعي الواقعي، وما يفترض بالدليل العقلي هو ما يفيد القطع بالحكم الشرعي كما هو موضح في التعريف اعلاه للشيخ المظفر.



إرسال تعليق

0 تعليقات