مناقشة أصولية عالية: حجية العقل (3)
علي الأصولي
بعبارة أكثر تفصيل حول تحرير محل النزاع، في مسألة الحسن والقبح
العقلي
ذهب الأشاعرة إلى نفي القدرة للعقل على حكمه على الأشياء ، وخالفهم
المعتزلة وأصوليو الإمامية بذلك حيث ذهبوا إلى أن للعقل قدرة على الحكم على
الأشياء تقبيحا أو تحسينا ؛
وصيغة تحرير المسألة هي ( هل للأفعال حسن وقبح بحسب ذواتها ولها
قيم ذاتية في نظر العقل قبل فرض حكم الشارع عليها أو ليس لها ذلك وإنما الحسن ما
حسنه الشارع والقبيح ما قبحه ، والفعل مطلقا في حد نفسه من دون حكم الشارع ليس
حسنا ولا قبحا ) أصول المظفر .
وأردف ( رحمه الله ) وهذا هو الخلاف الأصيل بين الأشاعرة والعدلية:
ولنا عدة ملاحظات :
الملاحظة الأولى : الخلاف الأصلي هو الحكم على الأشياء بينما قيد الشيخ
المظفر حول الأفعال ،
الملاحظة الثانية : لا شك ولا شبهة بأن استدلال المظفر وعامة أهل الأصول من
الإمامية هو النظر إلى العمومات والكبريات أمثال حسن العدل وقبح الظلم وهذه
العمومات لا يختلف فيها كل البشر فضلا عن الأشاعرة ،
الملاحظة الثالثة : أن أصل الخلاف هو الحكم على الأشياء - التي منها الأفعال -
لا على نفس الأفعال فقط ،
فهم لم يحددوا طبيعة مقصود نفس الشيء ،
فإن كان الشيء من كبريات المسائل مثل الظلم والعدل فلا ينبغي الشك
بحكم العقل بقبح الأول وحسن الثاني ؛
وان كان المقصود بالشيء ليس الكليات بل بالأفعال فقط فهو البحث الإرجاع
إلى عناوينها الأصلية بعد لحاظ أن طبيعة هكذا أحكام هي تركيبة مكونة من ( فعل
وحركة وعمل ) وهذا اللازم باطل فالملزوم مثله ؛ لسقوط فائدة بعثة الأنبياء والرسل ،
وهذا ما لم يلتزم به الفكر الأصولي الشيعي حيث اعترف بوجود ( غير
المستقلات العقلية )
فالإشكال البدوي في المقام ليس بالأحكام العقلية القبلية بل
بالأحكام العقلية التفصيلية،
فالعقل له القدرة بالحكم عن قضية عامة ولكن يختلف بالقضايا
التفصيلية ( وأن كان هذا الرأي فيه نظر بل منع على ما سوف يأتيك )
ولذا ما تراه أنت ظلما يراه الآخر عدلا وما تراه فهما يرى الآخر
جهلا وما تراه صحيحا يراه الآخر خطأ ،
وهذا راجع إلى إلى القضايا العامة بل إلى تفاصيلها والتي تكون محلا
لوجهات النظر النسبية ،
وكيفما كان : قسم علماء الأصول العقل إلى نظري وعملي :
ووظيفة الأول ما ينبغي أن يعلم ووظيفة الثاني ما ينبغي أن يعمل ؛
واصل هذا التقسيم أفلاطون أخذ به من جاء بعده حتى سماه الفارابي
بالعقل المستفيد والمستفاد ، وهذا التقسيم هو بحسب المدركات العلمية والعملية ؛
كما ذكرنا سابقا،
والحقيقة أن العقل هو واحد كما صرح المظفر في أصوله ( وليس هناك
عقلان في الحقيقة بل هو عقل وأحد ولكن للتمييز بين مدركاته ومتعلقاته يسمى تارة
عمليا وأخرى نظريا ) أصول الفقه ج1/ على ما مر ذكره
فما ينبغي أن يعمل وما ينبغي أن لا يعمل - كما في حكم العقل العملي
- هو فرع ثبوت المسلمات للانبغاء والترك التي لم يلفت اليها الشيخ في أصوله ومن
سار على هذا النهج فلاحظ ، والمسلمات ترجع بحقيقتها إلى العقل النظري لا العملي
فتفطن أن كنت من أهله ،
فالاستقلال بالحكم هو بناء على مسلماته النظرية الأولى والعملية هي
احكام مركبة ذات صلة بالفعل !
والحكم بالاستقلال محال ذاتا ،
حاول الباحث ميثاق العسر تقديم قراءة في كتابه ( العقل العملي في
أصول الفقه ) تبعا لأستاذه أبو رغيف في كتابه ( الأسس العقلية ج2) بعد أن بحث
المسألة وجذرها الكلامي الفلسفي وإقحامها بالبحث الأصولي تبعا للضرورة ،
قال: أن العقل العملي يدرك إدراكا أوليا وجوب وانبغاء بعض الأفعال
كحسن العدل والصدق والأمانة والوفاء ،،، وليس هذا الحكم نابعا من التجربة ومتاثرا
بها ، بل هو قبلها وسابق عليها ، لا بمعنى الأسبقية المعرفية على الأحكام
التجريبية أو الحسية ، وإنما يعني قولنا هذا أن الأحكام الأولية لا نستنتج من حكم
آخر ولا تعتمد على معطيات التجربة مضافا إلى أن المعرفة الحسية هي أساس تصور العقل
لموضوعات أحكامه ،
والشيخ العسر أردف النص أعلاه للسيد أبو رغيف بقوله :
وقد يسأل السائل عن الدليل الذي نقدمه على هذه القراءة ؟
فنجيبه بعدم إمكان إقامة الدليل عليها إذ أننا ندعي بداهتها
واوليتها وإقامة الدليل على الأمر البديهي مستحيل كما قرر !
ولنا كلام :
أولا : أن إدراك حسن العدل والصدق والأمانة والوفاء ؛
فادراك هذه المفاهيم في عالم الأفعال فرع التزاحم والتجربة ،
والا فلو خليت هذه الأفعال وافقها الخاص ونظر اليها بصرف النظر عن
التزاحم والتجربة والشرع أي النظر بما هي هي بلا إضافات ولا قبليات فلا يمكن الحكم
عليها بحال بحال من الأحوال،
ثانيا : أن تنزلنا جدلا عن النقطة الأولى فيقال أن الحكم على تلك
الأفعال بالحسن ترجع بالأصل إلى مسلماته الأولى وهي نظرية لا عملية واقحامها في
العقل العملي على الطريقة الأصولية تحكم ،
ثالثا : أن عدم تقديم الدليل للقراءة المقترحة بدعوى البداهة فهي
مردودة بدعوانا عدم الوجود - أي عدم وجود الدليل - المفترض في طبيعة الأبحاث
الكلامية والفلسفية والأصولية ،
فبحث بحجم العقل العملي كيف لا يقدم فيه دليل لقراءة جديدة ولو
باضعف الإيمان كالوجدان مثلا ؟
توسيع باب المستقلات العقلية،
بين دعوة التوسيع ودعوة التضييق من المستقلات العقلية، سوف نستعرض
في هذا البحث أهم ما جاء في هذين البابين،.
بعد أن عرفنا أن الملازمة ملاكها حفظ النظام وهذه كبرى لصغريات
أخرى، حاول المفكر الراحل عالم سبيط النيلي من تضييق هذا الباب، باب المستقلات
العقلية تبعا لمناهج الفهم الإخباري القديم كما في كتابه ( البحث الأصولي بين
الحكم العقلي للإنسان وحكم القرآن ) بينما حاول بعض الكتاب المعاصرين من توسيع هذا
الباب ما استطاع إلى ذلك سبيلا ودونك ما خطه المرحوم الشيخ عباس يزداني في كتابه (
العقل الفقهي )
طرح يزداني رؤية نقدية حول كلام علماء الأصول في خصوص المستقلات
العقلية مفادها بالمضمون : إن المستقلات لا تنحصر بما يتعلق بحفظ النظام وبقاء
النوع فإن جميع الأمور التي يدركها العقلاء بما هم عقلاء هي مورد إمضاء الشارع،
مثلا اذا اتفق جميع العقلاء على ضرورة حماية الحيوان وخاصة الحيوانات النادرة
الموشكة على الانقراض فإن الملازمة هنا قائمة بين حكم العقل وحكم الشرع، أنتهى
مورد الشاهد،
لم يأتي المرحوم يزداني بجديد وهذه الرؤية النقدية إذ المفروض عليه
ان يثبت كون عدم ضرورة حماية الحيوانات من الانقراض مورد إتفاق علماء الأصول أولا
، حتى يوجه الأشكال ومن ثم فتح باب التوسع للمستقلات،
وفي قبال دعوة التوسع وجدنا دعوة التضييق للمستقلات إلا أنها دعوة
لم تنطلق من أجواء الصناعة الأصولية لأحكام القبضة على ما يعبرون .
0 تعليقات