الفقه السياسي للسلطان
العثماني !…
هانى عزت بسيونى
لم تخلوا المواقف السياسية للبعض من استخدام
الدين باستقامة تعصم الدين من شبهات السياسة ومراوغاتها ، والموقف السياسي الذي
أقصده هنا الآن يخص موافقة البرلمان التركي بإيعاز توجه وطلب مباشر من السلطان
العثماني أوردوخان على قانون يسمح بإرسال قوات عسكرية لإحتلال ليبيا بمسمى مساعدة
حكومة شرعية وهي في الأصل حكومة عميلة لأنها تستنجد بدولة اجنبية لترسيخ تواجدها
في الحكم ، ورغم أن رابطة العالم الإسلامي قد أدانت التدخل التركي في شئون ليبيا ،
فقد ردّ عليها على الجانب الآخر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أسسه يوسف
القرضاوي عام ٢٠٠٤ بتأييد "شرعي وفقاً لرؤيته" للتدخل التركي وثوابت
الفقه السياسي للمعسكر الذي يتزعمه السلطان العثمانلي !!..
ويؤكد
هذا التباين للإستثمار السياسي للدين الذي يتبناه اوردوخان وجماعته استثماراً لما
تم في كل عصور الخلافة المورثّة بداية من الدولة الأموية لزرع الفتن بما يخالف فرص
الفصل بين المطلق والنسبي اقتداء بأن الدين تسليم بالإيمان وأن الرأي تسليم
بالاختلاف ، فمن جعل الدين رأياً فقد جعله خِلافاً ، ومن جعل الرأي دينا فقد جعله
شريعة …!.
فالقضية
لا تتعلق بشرعية أو قانون أو دين أو مبدأ وإنما بمصالح طموح شخص طاووسي يتاجر بشعارات المتأسلم السياسي بممارسة أبشع
الجرائم وأقذر المؤامرات في حق الدول والشعوب وهو ماشاركه فيه أعضاء البرلمان
التركي الموافقون على مشروعه لتصب في إتجاه خدمة المشروع الاستعماري التوسعي
العثماني الجديد تحت غطاء سياسي بعباءة جماعات وميليشيات لا يعترفون لا بالوطن ولا
بالدولة وسيادتها بل ويتجاوزون بمفهوم قيم الانتماء إلى نحو وهم مشروع وراثة
الخلافة الذي يحاول أردوخان إحياءه ليجعل منه إطاراً عقائدياً لإعادة تشكيل الطموح
الإمبراطوري القومي الطوراني على حساب العرب …!. ( والطوراني من الطورانية .. وهي حركة
سياسية قومية ظهرت بين الأتراك العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر ميلادي هدفت إلى
توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة … ).. والأدلة
كثيرة منها …..
لماذا
يدافع ويساند اوردوخان ميليشيات حكومة العميل فايز السراج وفي نفس الوقت والموقف
يساعد ويستخدم ميليشيات شمال سوريا ضد نظام بشار الأسد ( بصرف النظر عن موقف كل
منا منه ) !؟؟..
فلا
يكاد يمر يوم دون أن تصدر تصريحات رسمية عن نظامه تصبّ في منحى واحد وهو أن قرار
التدخل العسكري في ليبيا ينطلق من أن حكومة فايز السراج معترف بها دولياً وهي التي
تمثل بلادها في الأمم المتحدة وبالتالي فإن دعمها ينسجم مع الشرعية الدولية … فماذا
إذن عن حكومة بشار الأسد الشرعية المعترف بها وتنسجم ايضاً مع الشرعية الدولية ..؟؟…
والذي
لا يزال الممثل الشرعي لبلاده في نظر العالم بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن
…!؟؟
فالجيش
الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر يحظى بالدعم الشعبي وينبثق عن سلطة مجلس النواب
المنتخب والمعترف به دولياً بل ويبسط نفوذه على أكثر من ٩٠٪ من مساحة ليبيا حيث
يضم نحو يزيد عن مائة ألف مقاتل … لكنه في نظر اوردوخان مجرد ميليشيات !!.
ولماذا
يتعامل اوردوخان مع حكومة سورية مؤقتة تدار من انقرة تحت سلطته بل ويعتبرها الممثل
الشرعي للشعب السوري ومع ميليشيات يطلق عليها اسم الجيش الوطني السوري يستخدمها في
الإبقاء على الفوضى في أجزاء شاسعة من سورية ويعتمد عليها في حربه ضد الأكراد ثم
يرسل منها مرتزقة للقتال إلى جانب حلفائه في ليبيا !؟
أليس
في ذلك تدخل ضد مصالح دولة مستقلة لها حكومة شرعية يعترف بها العالم ؟..
فهل
يستطيع أردوخان تفسير ازدواجية موقفه هذا في ليبيا وسورية ؟!.
فكيف
إذاً سيقنعنا بأنه يتعامل مع حكومة العميل فايز السراج لأنها معترف بها دولياً وهو
في ذات الوقت يدعم حكومة مؤقتة في شمال سوريا غير معترف بها من أي نظام آخر غير
نظامه بل والأكثر أيضاً دعمه لحكومة أخرى في شمال قبرص لا يعترف بها أحد سواه ،
وقد تم فرضها على الأرض بقوة السلاح عندما غزت تركيا الشمال القبرصي !؟.
والسؤال الثاني …
-
يتحدث أردوخان عن حقوق ثقافية لليبيين أو سوريين
المنحدرين من أصول تركية أو عثمانية ، لكنه بالمقابل لا يعترف بحقوق الأكراد
القومية سواء من كانوا في تركيا أو في دول الجوار بسورية والعراق بل ولا يرى أي
مانع من شن هجوم عسكري على مدنهم وقراهم وتجمّعاتهم تحت شعار التحرير ويرى ان القضاء
عليهم بالنسبة له واجب قومي ووطني ملقى على عاتقه يجب الإلتزام به .. فلماذا هذا
التناقض !؟
والسؤال الثالث …
-
كيف يتحدث اوردوخان عن حقوق الفلسطينيين ويتهم دول
الاعتدال العربي وعلى رأسها مصر ببيعها أو بالتخلي عنها بعد اتفاقية السلام ، وهو
المرتبط بعلاقات التعاون والتكامل مع الاحتلال الاسرائيلي وعلى جميع الأصعدة بما
في ذلك العسكرية والأمنية منها ولا يتجرأ على التفكير حتى في قطع علاقاته
الدبلوماسية مع تل أبيب ولا حتى الامتناع عن استقبال السواح الإسرائيليين أو وقف
تجارته معهم ولا التخلي عن مشاريع التصنيع الحربي الإسرائيلي التي تنفذها في تركيا
أو يمكنه إلغاء اتفاق للتجارة الحرة مع اسرائيل .!!؟.
والسؤال الرابع …
-
لماذا يؤلب اوردوخان حلفاءه من الإرهابين في البلاد
العربية لينقلبوا على دولهم وأوطانهم وشعوبهم الذين يتهمهم بالعلمانية وعدم تطبيق
الشريعة الإسلامية ، بينما يرفع هو في كل مكاتبه وقصوره صور مصطفى كمال أتاتورك
مؤسس العلمانية في تركيا احتراماً منه لتاريخ بلاده !!؟.
والسؤال الخامس …
- لماذا
تعامل اوردوخان مع تنظيمات داعش والقاعدة والاخوان وكل تفرعات جماعات الإرهاب وفتح
أبواب بلاده لاستقبال الإرهابيين والمرتزقة وتمريرهم نحو العراق وسوريا ثم إعادة
تصديرهم إلى ليبيا ليستعملهم في قضاء مصالح نظامه الاستعماري التوسعي وهو الذي
أشرف على تهريب نفط ليبيا إلى تركيا وعلى تفكيك المصانع السورية وسرقتها وعلى نهب
الآثار وبيعها في السوق السوداء وعلى تشجيع تجار ليبيا على تخريب مؤسسات بلادهم
وتحويلها إلى خردة تنقل إلى تركيا … إلخ !؟.
والسؤال
السادس …
-
لماذا ينتقد اوردوخان موقف غالبية الشعب المصري من
جماعة الإخوان الإرهابية الذين سعوا إلى تطبيق سياسة التمكين وإنشاء الحرس الثوري
المصري على غرار الإيراني وبمساعدة الأخير بهدف الانقلاب على استقرار الدولة
المصرية في حين قام بقمع مئات الآلاف من الأتراك من الشعب والجيش التركي بزعم
محاولتهم الانقلاب على نظامه المتسلط !؟
… كل
الأسئلة السابقة وغيرها فحوى إجابتها ينصب في اتجاه واحد هو ان الشعوب لا تعني
شيئا للسلطان العثمانلي الحاكم بأمره أمام مصلحة النظام وعقيدة الحزب ومشروع
التغوّل الاستعماري التوسعي الذي يتزعمه في المنطقة فمن يتابع عمليات نقل العناصر
الإرهابية من شمال سوريا إلى غرب ليبيا لتشغيلهم كمرتزقة في ميليشيات العميل فايز
السراج يدرك طبيعة أهداف اوردوخان ونظامه ، فالقضية لا تتعلق بشرعية أو قانون أو
دين أو مبدأ كما ذكرنا وإنما بمصالح جماعة تكذب بإسم الإسلام كوسيلة لتمارس أبشع
الجرائم وأقذر المؤامرات في حق الدول والشعوب بالمنطقة بحثاً عن نفوذ لتحقيق مصالح
الأسرة التي يريد تكريسها كأسرة مالكة متسلّطة في خلافة عثمانلية جديدة ، وحزب يعمل
على تحويله إلى قوة تجنيد واستقطاب واحتواء للعملاء والأتباع من باعة الأوطان في
دول المنطقة ليمثل نموذج لنظام يتجاوز طبيعته السياسية ليتحول إلى آلية استعمارية
جديدة بنظام الاستعمار القديم لتتجاوز حدودها الإقليمية بهدف التمدّد والتوسع على
حساب الآخرين ….
وخلاصة
الأمر لمن يهمه الأمر ، أن صياغة الوعي الصحيح وإعادة صياغة الشخصية الوطنية في
بلادنا الآن تحتاج إلى تضافر سائر مؤسسات الدولة المعنية ببناء الإنسان لمواجهة
تلك الامواج الاستعمارية …
فالوعي
بالوطن يقتضي الإحاطة والإلمام بما يحاك له من مؤامرات تستهدف إنهاك الدولة
وبخطورة الإرهاب والعملاء الخونة الذين يمكن تجنيدهم في هذا السبيل …
0 تعليقات