آخر الأخبار

الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الرابع)






الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الرابع)

محمود جابر

توحيد الفاطميين للشام :

هذه الغزوة البيزنطية المفاجئة أفهمت العزيز الذي تولى بعد المعز بضرورة القضاء على العناصر المقاومة للفاطميين بالشام، حتى يمنع عدو الإسلام من العودة إليه، بالاستفادة من انقسام أهله. فأرسل إلى أفتكين يطلب منه الدخول في طاعته، ولكن أفتكين رد على العزيز قائلا: إنه أخذ دمشق بحد السيف " وما أدين فيه لأحد بطاعة، ولا أقبل منه أمرا ". فأرسل العزيز جوهرا ضد أفتكين، الذي استدعى الحسن الأعصم زعيم القرامطة ن وهزما جوهرا في 364هـ/ 974م، الذي بقى في فلسطين، وعقد صلحا مع أفتكين، بقصد كسب الوقت حتى تأتيه الإمدادات، وإن أفتكين لم يقبل مصالحة جوهر، إلا بعد أن علق سيفه ورمحه الحسن الأعصم، على باب عسقلان، ويخرج جوهرا وجنده من تحتهما ن ولكن بعد موت الحسن الأعصم ذهب العزيز بنفسه لقتال أفتكين في 368هـ/ 979م، وبذلك استطاع العزيز امتلاك وتوحيد الشام.

ولم يبقى إلا الحمدانيين، الذين قبلوا حماية بيزنطة وان يكونوا مأجورين لهم، فوجه العزيز همه إلى القضاء عليهم، لذلك قرر العزيز أن يرسل جيشه إليهم في 382هـ/ 993م، ومن ثم حاصرهم وشدد عليهم، عندئذ استنجد الحمدانيين بالروم وتوسلوا إليهم بالمعاهدة التي بينهم، وكتب إلى ملكهم يقول: " متى سقطت حلب أخذت أنطاكية، ومتى أخذت إنطاكية، أخذت قسطنطينية ".

أخافت هذه الأحوال الروم، فقام حاكم إنطاكية الرومي المسمى البرجى، بمساندة الحمدانيين في حلب إلا انه هزم واجبر على الفرار، واستمر حصار حلب إلى أن قام عظيم الروم الذي تولى بعد تزيمسكس بقيادة حملة بنفسه من مائة ألف مقاتل، يساعده فيها أسطول كبير من الشلنديات، وهى مراكب حربية كبيرة، ولما سمع العزيز جهز أسطولا كبيرا في ميناء القاهرة المسمى " المقس"، وهو الأسطول الذي بناه المعز من ستمائة مركب. ولكن في ظروف غامضة احترقت بعض مراكبه ومعها عدة الأسطول وسلاحه، فاستعجل العزيز بناء أسطول غيره، كذلك نادي العزيز بالنفير العام في المصريين " الناس "، وجمع منهم أعدادا هائلة، كما كتب إلى أهل الشام بالسير نحو ملك الروم، حتى اجتمع بدمشق من العساكر مالم يجتمع من قبل. ولكن العزيز الذي ذهب على رأس عسكر المصريين إلى بلبيس، شرقي الدلتا في طريق الشام، وكأنه فرعون مصر، توفى فجأة قبل تحرك العساكر في 386هـ/ 996م، ولكن ملك الروم كان أيضا قد ترك الشام لأسباب مختلفة ن ربما أسباب داخلية واضطرابات.

وفى أول عهد الحاكم، الذي تولى بعد العزيز استغل هذا الاستعداد الضخم للجيش والأسطول الفاطمي في محاربة الروم ن بحيث أحرز انتصارات هائلة عليهم، مما لم يقع مثله من قبل منذ مجيء الفاطميين في الشرق، ففي عام 388هـ/ 998م، وكذلك قام برجوان أسطولا وجيشا حاصر صور التي كان بها رجل مغامر تحالف مع الروم فهزمه وتوغل الجيش الفاطمي في بلاد الروم والبيزنطيين وغزا ثغورها وقتل الدوق دامينانوس وأبناؤه.

* الدولة الفاطمية الدفاع عن السيادة والحرب مع الروم البيزنطيين

اتجهت سياسة الفاطميين بعد أن امتد نفوذهم إلى مصر في عهد المعز لدين الله الفاطمي سنة 358 هـ / 969م إلى استعادة المدن التي استولى عليها البيزنطيون في شمال الشام، و لقد كان الفاطميون بعيدي النظر حين أدركوا أن الجيوش البرية وحدها لا تكفي لحماية العالم الإسلامي و إنقاذ الوطن العربي، فأنشأوا أسطولا ضخما حمى البلاد من الهجمات البيزنطية ثم دافع عنها بعد ذلك في الحروب الصليبية.

و إلى جانب ذلك فإن الفاطميين وضعوا منذ الساعة الأولى لحكمهم خطة هي أن يقوم هذا الحكم على قواعد ثابتة من العلم و المعرفة، و خططوا كما يقال اليوم لسياسة تعليمية شاملة ترتكز على إنشاء جامعة كبرى، ثم على تفريغ العلماء للعلم، ثم أرسلوا يستدعون العلمــاء من الخارج و قد اشتــد هذا المــنهج و اتسع و قوي بعد إقامة الوحدة بضم البلاد الأخرى إلى مصر، و إنشاء القاهرة و إقامة الأزهر.

و قام بتنفيذ هذه السياسة القائد الفاطمي جعفر بن فلاح الذي جهز جيشا كبيرا لاسترداد أنطاكية من الروم، و لكن الحملات الفاطمية التي أرسلت لإجلائهم عنها، فشلت في تحقيق هذه السياسة. وظلت النزاعات والغارات العسكرية المتبادلة قائمة بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية حتى عام 377هـ / 987م حيث قدمت إلى مصر رسل الإمبراطور بار سيل الثاني، تحمل الهدايا للخليفة الفاطمي العزيز، و تطلب عقد الصلح بين الدولتين، و أبرمت اتفاقية للهدنة بينهما إلا إنها سرعان ما انهارت بعد فترة لم تدم طويلا، و ظل الروم البيزنطيون ينتهزون الفرص للنيل من الفاطميين، و تكررت المواجهات المسلحة بين الطرفين، و على الرغم من تتابع انتصارات الفاطميين على البيزنطيين في شمال الشام، فإن القائد الفاطمي برجوان عول على مهادنتهم ليتسنى له التفرغ للقضاء على الفتن الداخلية في مصر، و بعد مراسلات سلمية بين قادة الدولتين استؤنفت المفاوضات و لما تم الاتفاق على شروط الصلح، انتدب برجوان ارسطيس بطريرك بيت المقدس لمصاحبة السفير البيزنطي لدى مصر في سفره إلى القسطنطينية لعرض هذه الشروط على الإمبراطور الرومي و إقرارها منه، فقام ارسطيس بهذه المهمة، و تم بذلك إبرام معاهدة صداقة بين مصر و الدولة البيزنطية تقرر فيها ما يأتي:

- تظل الهدنة قائمة بين مصر و الدولة البيزنطية مدة عشر سنوات.

- يتمتع المسيحيون الذين يقيمون في أنحاء الدولة الفاطمية بالحرية الدينية، و يسمح لهم بتجديد كنائسهم و بناءه.

- يتعهد إمبراطور الروم بأسيل الثاني بإمداد مصر بما تحتاج إليه من الحبوب.

و رغم معاهدة الصلح هذه ظلت الأجواء المتوترة تحكم العلاقات ما بين الفاطميين و البيزنطيين إلى أن توفي الخليفة الفاطمي العزيز سنة 411 هـ / 1020م و خلفه ابنه الظاهر، الذي تم في عهده إبرام معاهدة صلح جديدة تضمنت الشروط التالية:

- أن يسمح للإمبراطور البيزنطي بإعادة بناء كنيسة القيامة ببيت المقدس.

- أن يسمح لكافة المسيحيون بإعادة بناء الكنائس التي هدمها الحاكم عدا التي حولت إلى جوامع.

- أن يعين الإمبراطور البيزنطي بطريكا في بيت المقدس.

- أن لا يقوم الفاطميون بــأي عمل عدائــي نحو حـــلب، حتى تقـــوم بســـداد الجزية السنوية التي كانت تدفعها للدولة البيزنطية منذ عام 970م.

- ألا تمد الدولة الفاطمية يد المساعدة لأي عدو من أعداء الدولة البيزنطية و خاصة أهل صقلية الذين هددوا هذه الدولة و عاثوا في جزر بحر الأرخبيل.

- و في مقابل هذه الشروط، يتعهد الإمبراطور بما يأتي:
- أن يعمل على ذكر اسم الخليفة الفاطمي في الخطبة في جامع القسطنطينية و المساجد الواقعة داخل حدود الدولة البيزنطية.

- أن يعيد بناء جامع القسطنطينية، و كان قد هدم ردا على هدم كنيسة القيامة في عهد الحاكم بأمر الله.

- أن يطلق سراح الأسرى المسلمين الذين في قبضة الروم.

- أن لا يقدم الإمبراطور أية مساعدة لحسان بن مخرج بن الجراح الطائي صاحب الرملة الذي خرج على الخليفة الظاهر الفاطمي.

و في سنة 429هـ / 1027م تجدد إبرام اتفاق صلح جديد بين الخليفة الفاطمي المستنصر بالله و الإمبراطور ميخائيل الرابع، بعد تعرض الاتفاق السابق لخر وقات كانت سببا في تعكير جو العلاقات بين الدولتين.

الخاتمة:

الدولة الفاطمية كغيرها من الدول التي قامت على إبعاد اعتقاديه إسلامية وجاءت مكملة لدورة حيوية إسلامية في القرون الوسطي، حتى تحمى ثغور المسلمين من غزوات الروم والبيزنطيين والنورمان (الفرنجة)، واستطاعت أن تقوم بهذا الواجب على أحسن وجه وحققت من الانتصارات مالا يتحقق من قبل، غير أن الدول مثل الأفراد يصيبها ما يصيبه، فضعفت وانهارت وتحكم فيها الموالى حتى انهارت.




إرسال تعليق

1 تعليقات