آخر الأخبار

الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الثالث)






الفاطميون ... ودورهم فى جهاد البيزنطيين والصليبيين (الجزء الثالث)




محمود جابر



جهاد الفاطميون في الشام ضد الروم والفرنجة:

كان الشام أو سوريا ( الإقليم الشمالي) أهم منطقة ظهرت فيها سياسات الفاطميين، إذ أنه بالنسبة لحكام مصر المسلمين، منطقة أمان لملاصقتها أرض مصر، وميدان للجهاد ضد أعداء الإسلام، لوجود الثغور الإسلامية على حدودها الشمالية، التي تلامس أرض الروم أو البيزنطيين، عدوة الإسلام الأولى وقتئذ، ثم لأهمية الساحل الشامي في أي سيطرة بحرية.

وقد واجه الفاطميون كثيرا من الصعاب في الشام، أتت أغلبها من قبل أهل الشام أنفسهم، وهم من سلالة عربية في أغلبها، تتوزعهم قبائل كثيرة، سكنت الشام قبل الفتح العربي الأول، وإن تغيرت وضعيته هذه القبائل قبل الفاطميين، مثل الطائيين الذين جاءوا إلى الشام قبيل مجيء الفاطميين بقليل وسكنوا بين معان وعقبة، وحلوا محل لخم وجذام، وكانت الرملة مركزا لآل الجراح الذين دمروا في فلسطين حتى هاجر منها بنو عقيل إلى بلاد الحجاز والجزيرة.

ومن المعلوم أن عرب الشام كانوا لا يرحبون بالفاطميين، بسبب أن معظمهم كانوا على المذهب السني المعادى للمذهب الفاطمي، ولأنهم كانوا من قبل سند الخلافة الأموية، عدوة بني هاشم، الذين ينتسب الفاطميون إليهم. وفوق ذلك، فإن الفاطميين في أيامهم الأولى، اعتمدوا في فتحهم للشام على عسكر من المغاربة، الذين اعتبروا أعداء تقليديين لعرب الشام وقت الفتوحات الأموية، حيث أرسل الأمويون نحو المغرب جيوشا عربية كبيرة مدة أربعين سنة أو أكثر إلى أن تم لهم فتح المغرب والسيطرة عليه. لذلك وجدنا قبائل الشام تتحالف مع القرامطة، لما غروا الشام في سنة 359هـ/ 970م، بل ساعدوهم في غزو مصر أيضا.

ثم أن هناك بقية من الحمدانيين. في شمال الشام وبلاد الجزيرة المجاورة، وهم أسرة ارستقراطية من قبيلة تغلب – أعظم قبائل ربيعة – ولم يكن معروفة أيام الأمويين، ولكن ظهرت أطماعهم بضعف العباسيين، فسعوا إلى الحصول على إمرة الأمراء – وهو الحكم المطلق في بغداد، ثم أقطعتهم الخلافة العباسية نواحي حلب في شمال الشام وبعض بلاد الجزيرة، للتخلص منهم، على أن يحموا ثغور المسلمين فيها، وسعى الحمدانيون إلى الاستيلاء على دمشق أيضا، وإن فضل أهل دمشق بقاءهم مع حكام مصر.

وفى وقت ظهور الفاطميين، كان الحمدانيون في حالة سيئة، فلم يستطيعوا أن يدافعوا عن ثغور الإسلام كما يجب، بسبب التنازع فيما بينهم وانغماسهم في حياة الطرف واللهو، ولذلك وجدنا المعز الفاطمي حينما سير جوهرا لفتح مصر والشام، حذره من بني حمدان، وألا يتحالف معهم أو يرسلهم، ففي رأيه: يتظاهرون بثلاثة أشياء. وليس لهم فيهم نصيب، يتظاهرون بالدين وليس لهم فيه نصيب، ويتظاهرون بالكرم وليس لواحد منهم كرم في الله، ويتظاهرون بالشجاعة وشجاعتهم للدنيا لا للآخرة.

هذه هي حال الشام حينما جاء المعز الفاطمي مصر، وصد القرامطة، فقد كان أهل الشام في عداء مع الفاطميين، وكانت دويلة الحمدانيين عاجزة عن الدفاع عن ثغور المسلمين، بحيث إن الروم صالوا وجالوا في الشام. ومع أن الفاطميين وجههوا جيوشهم بعد طرد القرامطة من مصر نحو فلسطين واستولوا عليها، ودخلوا دمشق في 363هـ / 973م، بل ذهبوا لحصار إنطاكية للقيام بالجهاد فهزمهم قائد البيزنطيين نيوكولاس، إلا أنهم مالبثوا أن ارتدوا إلى فلسطين، بعد أن ثارت عليهم العناصر السنية من عرب دمشق، وأخرجوهم منها. وقد انتهز رجل تركي مغامر ن اسمه: أفكتين أو ألبتكين أو هفتكين ، الذي كان ينازع سادته البوهيين في بغداد ، إذ كان الخليفة العباسي يستعين به ضدهم ، وكاد يحصل السيادة في بغداد دون البويهيين ، فعرض عليه الخليفة العباسي الطائع لقب إمرة الأمراء ، إلا أن أفتكين فضل أن يخرج بفرقة من الجيش التركي ، ويمم شطر دمشق ، حيث أدخله أهلها المدينة ، لمنع الفاطميين من العودة إليها . وقد تمكن أفتكين من أن يحتفظ بمركزه في دمشق، بأن تعصب لأهل السنة، وفى الوقت ذاته كاتب المعز بأنه في طاعته.

وذاد الأمور تعقيدا في الشام أن تزيمسكس، خلف نقفور، وكان مثل سلفه، تحركه الأطماع في حرب المسلمين. ولكي ينفذ خططه قبل ما رفضه نقفور مع منافسه في السيطرة على المسيحيين، أوتوا الثاني، إمبراطور الغرب المسيحي، حتى يتفرغ فيكيل الضربات للمسلمين، كذلك عمل على التحالف مع الأرمن، ولاسيما أنه كان من أصل أرمني، وهم الذين خضعوا للأمويين ثم العباسيين، فلما ضعف هؤلاء عاد الأرمن إلى الاستقلال، في مناطق جبال أغوار تمتد في آسيا الصغرى من جهة ساحل البحر الأبيض إلى الفرات. فاجتمع لهم ملوكهم، وخصوصا أقواهم الملك أشد ( أشوط) الذي تلقب بملك الملوك ( شاهنشاه) حيث إن هذا اللقب منحه إياه الخليفة العباسي !!.
أرسل الأرمن عشرة آلاف مقاتل بأسلحتهم غير الاذواد. ولكن السريان وهم من سكان بلاد الجزيرة، وكانوا على مذهب مخالف لبيزنطة، غير متحمسين للقتال مع الروم الذين سعوا إلى استمالتهم، وكان نقفور حاربهم من قبل.

فبدأ تزيمسكس تحركه في بلاد الجزيرة في عام 363هـ/ 972م، فسار فيها في كل اتجاه، واستباح وقتل وخرب، بحيث هرب معظم أهل الجزيرة إلى العراق، وكان سيفه يقتلع المسلمين مثل اقتلاع الحشائش، ودمركنائس السريان وأديرتهم. وقد بلغ ما هدمه فيها أكثر من ثلاثمائة قلعة أو مدينة، ووصل إلى نصيبين، قرب بغداد. لكن الخلافة العباسية لم تفعل شيئا، لانشغالها مع البويهيين في نزاع شديد، بحيث عزل البويهيون المطيع وولوا الطائع، كما أن الحمدانيين كانوا في نزاع مع بعضهم البعض، وكان بينهم وبين الروم معاهدة وهدنة، ولقد نعى مسلمو الجزيرة على الخليفة العباسي تخاذله، ورموه بالعجز، ولدينا خطب ابن نباته، الملتهبة التي تدعوا مسلمي العراق إلى الجهاد، والدفاع عن ديار المسلمين.


ثم أن تزيمسكس أغر على الشام في عام 263هـ/ 973م، منتهزا اضطراب أحوال البلاد، وكان هدفه ليس فقط الإغارة ولكن الوصول إلى بيت المقدس الذي يمثل مزار النصارى المعظم، وهناك واجهه الجيش الفاطمي الذي تحصن بأسوار القدس ودافع عنها، ثم ما لبس أن عاد تزيمسكس إلى القسطنطينية، لأسباب متعددة.




إرسال تعليق

0 تعليقات