فقه المجاعة
علي الأصولي
إطلاق لفظ الجوع
ينصرف على المعنى المعهود ذهنيا وهو الألم المعوي الناتج اما من عدم الأكل أو قلته
مع الحاجة ،
ومعناه الشامل ينصرف
إلى الفقر والفاقة والعوز لكل مستلزمات الحياة الضرورية للإنسان،
وتارة يكون الجوع
فردي ، وتارة يكون شامل للجماعات الإنسانية، وقد شهد التاريخ موجات من المجاعة أكلت
الأخضر واليابس ونقلت على إثرها قصص تقشعر منها الأبدان والجلود ، ومنها مجاعة
البصرة على أيام ثورة صاحب الزنج حتى شهد الناس من المجاعة أكل الكلاب والقطط بل
وبعضهم جلس على رؤوس المرضى انتظارا لموتهم، ليتقاسموا الجثة !
بل وقف أحدهم على
امرأة وفي يدها رأس امرأة أخرى و هي تبكي بحرقة وألم، فقال لها الرجل من صاحبة الرأس
المقطوع يا امة الله ؟
فقالت ؛ هذه أختي،
قال الرجل لا حول ولا
قوة إلا بالله هذا الموت الذي لا مفر منه .
فقالت المرأة أنا لم
ابكي على موتها بل على ظلم أهلي لي فقد تقاسموها ولم أحظى إلا بالرأس !!
نعم هذه القصة نقلتها
بالمضمون على أيام المجاعات الكبرى ؛
وللمجاعات أسباب
متعددة منها، سوء الإدارة والحكم، ومنها الحروب الاستنزافية مع قلة الموارد ومنها
الكوارث الطبيعية ومنها التبذير وعدم الاقتصاد ونحو ذلك ،
وعلى أي حال الدول هي
مسؤولة عن رعاياها بإدارة هذه الملفات الاقتصادية بعدالة ونزاهة ومهنية وإخلاص ،
فالأمن الغذائي من
الأهمية والضرورة بمكان ولو تلاحظ بإن الأمن الغذائي يلازم الأمن الاجتماعي ويدور
معه أينما دار ،
وجودا وعدما، قال
تعالى ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) قريش ٤ - ٣ /
وذكر في موضع آخر ( وضرب
الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها
الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) النحل ١١٢/ وقوله تعالى( ولنبلونكم
بشيء من الخوف والجوع ونقص من الثمرات والأنفس وبشر الصابرين ) البقرة ١٥٥/
إذن تحصل مما ذكرت
الآية مدى التلازم بين الآمنين الغذائي والاجتماعي وفقدان الأول يلازم فقدان
الثاني ،
وفي مثل هذه الحالات
والكوارث الفردية أو المجتمعية لا سامح الله ، نبه القرآن الكريم إلى أحكام متعلقة
بهذا الجانب فالإسلام إضافة إلى أنه يعطل أحكام الحدود الشرعية ( لا حد في مجاعة )
فهو قد رخص ارتكاب بعض المحظورات ( حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل
لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ) النحل ١١٥/ وعلى كل
حال الضرورات تقدر بقدرها،
ومن هنا ذكر الفقيه
الأصولي ابن حزم الأندلسي في كتابه ( المحلى ) بما مفاده ، اذا مات الرجل جوعا في بلد اعتبر أهله قتلة
وأخذ منهم دية القتيل - وأضاف - بإن للجائع عند الضرورة ان يقاتل في سبيل حقه في
الطعام الزائد عند غيره فإن قتل الجائع فعلى قاتله القصاص وأن قتل المانع فإلى
لعنة الله لانه منع حقا وهو طائفة باغية -
ج ٦ ص ٢٢٦/
0 تعليقات