آخر الأخبار

المنبر وتحويل الوعي





المنبر وتحويل الوعي
قراءة في خطاب الاسلام السياسي

عز الدين محمد

يمكن عدّ المسجد والمنبر من أهم وسائل نشر الخطاب لحركات الإسلام السياسي، حيث لعب المنبر دورا كبيرا في تأسيس الوعي الديني، وهذا المنبر والخطيب الّذي يجلس عليه يمكن أن ينجح في إثارة العواطف وربطها ببعض الأفكار الدينية، إلا أنه للأسف خطاب تأخر كثيرا عن القيم التي يحتاجها المجتمع.

لذا، فأنت ستكون أمام مسجد وأمام خطيب ومنبر يتحدّث عن الخمر والزنا وعن السفور والاختلاط بين الجنسين ومفهوم الشرف كما يفهمه، والتأكيد على الالتزام بالهويّة التي لا يميّز هو غالبا بين الثابت والمتغيّر فيها. وهو بأي حالٍ كلام مكرّر يعاد منذ مئات السنين؛ لذلك فقدَ هذا المنبر تأثيره، وتحول كلمات خطابه إلى مجرّد أصوات لا تؤثر ولا تنتج وعيا في السامع، بل ولا في المتكلّم. إنه لا يملك قابلية لينجح في زرع قيم مؤثّرة فعلا وواقعا، لذا فإنّ تأثيرها في أحسن حال لن يتجاوز وقت الحديث.

والمشكلة أنها لا تتوقف على ما ذكرت لك، فهي تفقد الفرد القدرة على فهم الدين فهما منطقيّا؛ لأنها تؤكد على الكرامات والمعجزات، وتقدّم فهما جاهزا للتاريخ لا يسمح بنقده أو التشكيك فيه، وتؤكد على تبجيل الأشخاص أكثر من القيم. كما إنها تؤكد على فهم ضعيفٍ جدا للعبادة، وهو فهم لا يتجاوز العبادة الشكليّة التي تؤكد على حركة الجسد أكثر مما تؤكد على بناء الشخصية، وعلى قيم العبادة وأهدافها.

لذلك فهي قيم لا أقول فقط بأنها غير نافعة، بل هي ضارّة، وضارة جدا لكونها تحوّل الوعي –وهذا أمر خطير- وأؤكد على مفهوم "تحويل الوعي" حيث أنها تصرف وعي الناس عما ينفعهم ليتعلّقوا بأفكار دينية لا واقع فيها، كما إنّها وبحجة الإيمان تعطّل العقل، وكثيرا ما تجعله تحت تأثير قصص وأفكار غير صحيحة عن المعاجز والكرامات وما إلى ذلك.

إنه تدمير حقيقي للوعي، وهذا أخطر شيء. وذلك لأنّ الحياة تعتمد على قيم ينبغي التركيز عليها وتأكيدها في الوعي والسلوك من قبيل:

العقل والتنظيم والعمل والشفقة والنزاهة، بينما يزرع هذا الطرح قيماً أخرى ليس فيها أي نفع غير مسخ الوعي، وهو مسخٌ أول من يقع فيه أفراد تلك الجماعات ويظهر أثرها مبكرا، ثمّ بشكل أكبر في مرحلة التمكين. وعندما اقول بأنها تظهر بشكل أكبر فلكون هذه القيم لا تصلح لبناء الدولة ولا لقيادة المجتمع، لذا فإنّ نجاحها سيكون أمرا صعبا جدا، وإذا حدث نجاح فسيكون محدودا وخادعا.

إرسال تعليق

0 تعليقات